فمن جهة، نجد أن تركيا تتبنى سياسة داعمة للمعارضة المسلحة في شمال سوريا، وهو ما يتعارض مع المواقف الروسية، التي تدعم الحكومة السورية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها أنقرة وموسكو في تحقيق نوع من التفاهمات في الماضي، فإن الصراعات المحلية والمصالح الاستراتيجية تعيق تحقيق أي استقرار طويل الأمد في المنطقة.
من جهة أخرى، تدرك القوى الدولية الموقف الحساس في سوريا. فبالإضافة إلى الدعم الروسي لدمشق، هناك مواقف متباينة من الأطراف الغربية، حيث تواصل الولايات المتحدة الضغط على دمشق، بما في ذلك العقوبات المفروضة عليها. وفيما يتعلق بتصعيد الوضع في إدلب وحلب، يبدو أن هناك محاولات لتوجيه الضغط على دمشق عبر إطالة أمد الصراع في المنطقة.
لقد ظهر شكل جديد من أشكال الحرب هذه المرة، فالإرهابيون يمتلكون الكثير من الأدوات والأسلحة الثقيلة، وخاصة هذه المرة حيث باتوا يستخدمون الطائرات بدون طيار الانتحارية بطريقة خاصة.
وفي الوقت نفسه فإن وسائل الإعلام الصهيونية والتابعة للغرفة الإعلامية للإرهابيين تنشر بشكل مستمر مقاطع وفيديوهات وأخبار مضللة عن انتصارهم، وهو ما ينعكس سريعا في كافة وسائل الإعلام.
إن مثل هذه الخدمات اللوجستية الضخمة تعتبر أكثر من اللازم بالنسبة لجماعة مثل تحرير الشام أو جبهة النصرة، ولا يمكنها الاستغناء عن مساعدة قوة خارجية.
وخاصة أنه تم نقل الأويغور إلى القواعد التركية وتم نقلهم إلى معسكرات التدريب عبر نقاط التفتيش الرسمية حيث قام ضباط أوكرانيون بتدريبهم.
وتشير بعض التقديرات الأمنية إلى أن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والكيان الصهيوني يدعمون ويجهزون هذه الجماعات التكفيرية بشكل مباشر. وفي الواقع فإن الحكومة السورية لا تواجه جماعة تكفيرية، بل جيشاً إرهابياً دولياً مجهزاً تجهيزاً جيداً.
مع استمرار العمليات العسكرية في شمال سوريا، يبقى السؤال الأهم: ما هو مستقبل الوضع في هذه المنطقة؟ هل ستنجح فصائل المعارضة في توسيع نطاق سيطرتها؟ حتى الآن، لا يمكن الجزم بأي من هذه التساؤلات، في ظل التوازنات المعقدة على الأرض والتدخلات الإقليمية والدولية التي تزيد الوضع تعقيدًا.
المرحلة المقبلة في سوريا قد تشهد تصعيدًا إضافيًا، خاصة إذا فشلت جميع محاولات التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار. ومن المتوقع أن تواصل الفصائل المسلحة عملياتها لتوسيع مناطق نفوذها، فيما ستحاول الحكومة السورية استعادة السيطرة على الأراضي التي فقدتها، بدعم من الروس.
القتال في شمال غرب سوريا ليس مجرد صراع محلي بين الجيش السوري والفصائل المعارضة، بل هو جزء من معركة إقليمية ودولية ذات أبعاد استراتيجية. إن التصعيد الأخير يعكس تطورات خطيرة في الوضع العسكري والسياسي في سوريا، ويعكس التحولات المستمرة في توازن القوى الإقليمي.
في ظل هذا الوضع المعقد، سيظل من الصعب التنبؤ بمستقبل الصراع في سوريا، لكن المؤكد هو أن الدماء ستستمر في الانسكاب حتى يتم التوصل إلى حلول دائمة، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.
ویجدر الاشارة الی الجانب الإنساني في التصعيد العسكري وهو لا يقل أهمية عن الأبعاد العسكرية. فهجوم الفصائل أدى إلى سقوط العديد من الضحايا. وتعيش العديد من العائلات في حالة نزوح جماعي ما يضاعف المعاناة الإنسانية في المنطقة.