في حين أن وسائل الإعلام والمحللين لا يرفضون دور تركيا وأمريكا وحتى الكيان الصهيوني في الهجوم الإرهابي على حلب، إلا أن هناك الآن دلائل على أن جهة فاعلة ناشئة دخلت أيضاً المعادلات السورية مستفيدة من انعدام الأمن في البلاد.
وبما أن الحرب في أوكرانيا امتدت إلى كل مشاهد الصراع بين روسيا والغرب في العالم نظراً لأبعادها الواسعة، فإن التقييمات الأولية تشير إلى أن الهجوم الإرهابي الأخير على حلب تأثر أيضاً إلى حد كبير بالميدان الأوكراني.
آثار كييف في حلب
وتشير التقارير الواردة في سوريا إلى أن قوات المخابرات الأوكرانية، التي دخلت سوريا عبر تركيا في الأشهر الأخيرة، لعبت دورًا نشطًا في تدريب وتجهيز الإرهابيين.
تتحدث الأخبار عن إطلاق ورشة لتصنيع الطائرات من دون طيار من قبل المخابرات والقوات العسكرية الأوكرانية من أجل تعزيز القدرة التشغيلية للإرهابيين في سماء سوريا.
كما تشير المعلومات التي تم الحصول عليها إلى إنشاء مركز تدريب سري ضخم تحت حماية إرهابيي هيئة تحرير الشام، وتقع هذه القاعدة في جبل الزاوية في ضواحي مدينة إدلب، ويخضع فيها أكثر من 200 مسلح من جنسيات أجنبية وعربية لتدريبات عسكرية.
ويمر الإرهابيون في هذا المركز بمراحل مختلفة من تدريباتهم العسكرية باستخدام بعض أنواع الطائرات من دون طيار والصواريخ المضادة للدروع والمضادة للدبابات وناقلات الجنود العسكرية وبعض المدافع الحديثة المصنوعة في أوكرانيا.
وقال الصحفي السوري "محمد مبيض" لوكالة "تسنيم" في هذا الصدد: إن "القادة الميدانيين وبعض المتخصصين العسكريين في هيئة تحرير الشام تلقوا تدريبات على يد ضباط المخابرات الأوكرانية وبأسلحة وردت من هذا البلد".
ورغم أن السلطات الأوكرانية لم تعلق بعد على التطورات في حلب، إلا أن وسائل الإعلام في البلاد كشفت تفاصيل حول مساعدة كييف للجماعات الإرهابية المتمركزة في سوريا.
وزعمت صحيفة "كييف بوست" في مقال نشرته الأحد أن "بعض المجموعات المسلحة التي هاجمت محافظة حلب تدربت على يد وحدة القوات الخاصة التابعة لجهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية (HUR)".
وبناء على ذلك، تركز تدريب الإرهابيين على استخدام الطائرات من دون طيار.
هذا فيما أظهرت مقاطع الفيديو المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي استخدام هيئة تحرير الشام أنواعاً متطورة من الطائرات المسيرة المزودة بقنابل وعدسات تصويرية عالية الجودة لاستهداف مواقع انتشار وآليات الجيش السوري.
من ناحية أخرى، تظهر الصور والفيديوهات المنشورة للإرهابيين في حلب أن بعضهم يرتدي زي الجيش الأوكراني.
يمكن فهم الوجود السري للأوكرانيين في سوريا جيدًا من خلال تصريحات المسؤولين في هذا البلد، في مقابلة أجريت في مايو 2023، بعد تقارير تفيد بأن القوات الأوكرانية كانت تعمل ضد المقاولين الروس في الخارج، قال رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية اللواء كيرلوف بودانوف: "سنواصل قتل الروس في كل مكان حتى النصر الكامل لأوكرانيا"، ولذلك، يبدو أن القادة الأوكرانيين يرون أن الجسر السوري هو الخيار الأفضل لضرب المصالح الروسية الحيوية في الخارج.
وذكرت صحيفة كييف بوست، نقلاً عن مصدر عسكري، حول تصرفات الجماعات الإرهابية تحت تدريب ضباط أوكرانيين في الأشهر الأخيرة: "كانت مجموعة خيميك مسؤولة عن الهجوم على قاعدة عسكرية روسية في جنوب شرق حلب في 15 سبتمبر"، والتي تم فيها تدمير طائرات مسيرة هجومية روسية وعبوات ناسفة مموهة، وتلقت "كييف بوست" نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، عدة مقاطع فيديو وصور حصرية تظهر استمرار العمليات الخاصة التي تقوم بها وحدات المخابرات الأوكرانية لتدمير القوات الروسية في سوريا.
وحسب مصادر كييف بوست في الخدمة الخاصة الأوكرانية، نفذت مجموعة خيميك، في أواخر تموز/يوليو 2024، هجوماً متطوراً آخر على القوات الروسية في سوريا، وهذه المرة كان هدف هذا الهجوم معدات عسكرية روسية في مطار كوفيرس الواقع في حلب شرق البلاد.
في أوائل يونيو، نشرت صحيفة كييف بوست أيضًا لقطات حصرية للقوات الخاصة الأوكرانية وهي تهاجم نقاط التفتيش والحواجز والدوريات الراجلة وأعمدة المعدات العسكرية في مرتفعات الجولان السورية.
ووفقا لمصدر كييف بوست، منذ بداية هذا العام، قام الإرهابيون بدعم من المقاتلين الأوكرانيين بمهاجمة المنشآت العسكرية الروسية في سوريا بشكل متكرر، هذا على الرغم من حقيقة أن الجيش الروسي لم يبلغ عن أي هجمات كبيرة على منشآته في هذه الدولة الشرق أوسطية أو خسائر كبيرة في الأشهر الأخيرة.
ونشرت هذه الوسائط أيضًا مقطع فيديو في الأيام الأخيرة أظهر إرهابيين يلوحون على ما يبدو بعلم القوات الخاصة التابعة لجهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية فوق مبنى في محافظة حلب، وزعموا أن وحدات المخابرات التابعة للجيش الأوكراني كانت تقوم بعمليات خاصة لتدمير القوات الروسية في سوريا.
وفي الأشهر الماضية، نُشرت العديد من التقارير حول تحركات ضباط خاصين أوكرانيين في سوريا، وكان مصدر مطلع في سوريا أعلن في حديث لوكالة "سبوتنيك" نهاية أيلول الماضي، أن نحو 250 خبيراً عسكرياً أوكرانياً دخلوا إلى محافظة إدلب لتدريب عناصر من جماعة "هيئة تحرير الشام" الإرهابية بهدف بناء وتحديث الطائرات المسيرة.
وقال هذا المصدر المطلع أيضاً: إن الجيش الأوكراني يقوم بتدريب ميليشيات تابعة للحزب الإسلامي التركستاني سريا تحت قيادة هيئة تحرير الشام لزيادة استخدام الطائرات من دون طيار وتقنياتها وتطوير القدرة على زيادة السرعة والتصوير والاستهداف، وحسب هذا المصدر السوري، فقد تم نقل أكثر من 250 طائرة مسيرة إلى إدلب عن طريق البحر على شكل سلع مدنية اقتصادية وقطع غيار.
أوكرانيا التي دخلت في صراع مع روسيا لمدة ثلاث سنوات وفقدت 15% من أراضيها، سعت منذ بداية الحرب إلى تحدي النفوذ الروسي في مناطق مختلفة من العالم، وكانت سوريا واحدة من هذه المناطق التي ركز قادة كييف فيها على ذلك.
وفي الأشهر الأولى من الحرب في أوكرانيا، أفادت بعض المصادر بأن الولايات المتحدة أرسلت بعض الإرهابيين السوريين إلى أراضي أوكرانيا للقتال مع الجيش الروسي مقابل المال، وفي وقت لاحق، نُشرت تقارير تفيد بأن الجيش الأوكراني أرسل طائرات من دون طيار إلى الإرهابيين المتمركزين في إدلب.
تأكيداً لهذه التقارير، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان لقناة سكاي نيوز عربية يوم الجمعة: "منذ أشهر، يقوم ضباط من أوروبا الشرقية بتدريب هيئة تحرير الشام على استخدام الطائرات من دون طيار، ما يزيد من احتمال تورط الغرب في هذه الهجمات"، وتحاول أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون زيادة تكاليف روسيا في سوريا من أجل الحصول على تنازلات في أوكرانيا، في وقت وصل التوتر مع روسيا إلى ذروته ولم يعد لديهم أي أمل في استعادة الأراضي المفقودة.
أوكرانيا مصدر إزعاج للروس في أفريقيا
ولا يقتصر صراع أوكرانيا مع روسيا على الميدان السوري، ففي أماكن أخرى تكون هذه المواجهة على مستوى منخفض.
وفي يوليو/تموز، اعترف أندريه يوسف، المتحدث باسم وحدة القوات الخاصة التابعة لجهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية، بمساعدة ميليشيات الطوارق في منطقة الساحل بغرب أفريقيا.
وأدى هجوم الطوارق، الذي أودى بحياة العشرات من العسكريين التابعين لمجموعة فاغنر والقوات المسلحة المحلية في مالي، إلى إثارة أزمة دبلوماسية، وفي وقت لاحق، طلبت دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو من الأمم المتحدة اتخاذ إجراءات ضد أوكرانيا، التي تدعم الإرهاب في القارة الأفريقية، حسب قولها.
وزعموا في تقرير أن دعم أوكرانيا لمتمردي الطوارق في حربهم مع فاغنر أدى إلى تفاقم الصراعات في منطقة الساحل الأفريقي.