وفي هذا الصدد، اختتم يوم الأحد الماضي، اجتماع اللجنة العسكرية العليا لرؤساء أركان القوات المسلحة لدول مجلس التعاون، في العاصمة العمانية مسقط.
وتم خلال هذا اللقاء مناقشة عدد من القضايا المتعلقة بتعزيز عملية التعاون المشترك الحالية بين دول مجلس التعاون، في مختلف المجالات العسكرية.
وجاء في البيان الذي نشر في هذا اللقاء: أن "هذا اللقاء يعدّ استمراراً لمسيرة العمل العسكري المشترك، وتعزيزاً لأوجه التعاون البناء في أي قضية من شأنها تطوير أوجه الاعتماد المتبادل والتكامل بين القوات المسلحة لدول مجلس التعاون".
كما أكد الحاضرون في هذا الاجتماع على الالتزام بتعميق المعرفة والخبرة في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، للتعامل بفعالية مع التحديات الناشئة.
ويشدد البيان الختامي على أن هذا الاجتماع هو شهادة على الجهود الجماعية التي تبذلها دول مجلس التعاون، لتعزيز النهج الموحد للأمن الإقليمي والتعاون الاستراتيجي.
يأتي هذا الادعاء في حين أن اجتماع مسقط انعقد بعد أيام قليلة من الاجتماع المشترك لقادة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية في العاصمة السعودية، للتعاون والتنسيق بين أعضاء هاتين المنظمتين من أجل وقف الحرب والأزمة في غزة؛ أي اجتماعٌ وقعت فيه جميع الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك الدول الخليجية، على بيان اعتبرت فيه الحرب في غزة تهديداً أمنياً كبيراً للسلام والاستقرار الإقليميين، وطلبت اتخاذ إجراءات فورية من مجلس الأمن باعتباره أهم سلطة أمنية في النظام الدولي، لوقف هجمات وجرائم الکيان الصهيوني في قطاع غزة.
وفي الواقع، فإن عدم وضوح المواقف السياسية لرؤساء دول مجلس التعاون، في صياغة استراتيجية التعاون الدفاعي والأمني، وفهم التهديدات المشتركة للبيئة الإقليمية في اتفاقيات مجلس التعاون، لا يمكن إلا أن يشير إلى الاختلاف في الموقف المعلن والعملي لهذا الائتلاف، وهو ما تجلى في عجز الجامعة العربية ومجلس التعاون الإسلامي في اتخاذ خطوة عملية لدعم الفلسطينيين، ووقف الحرب في اجتماع الرياض.
تركز اتفاقيات مجلس التعاون عادةً على التنسيق الأمني أو الاقتصادي، وفي هذه الأثناء كان الأساس لإنشاء منظمة التوازن هذه هو الرد على الفجوة الأمنية في الخليج الفارسي، خلال التوترات العسكرية الكبيرة والتحديات الأمنية في أوائل الثمانينيات.
إن معاهدة السلام بين مصر والکيان الإسرائيلي في عام 1979 والثورة الإيرانية، التي أدت إلى الحرب العراقية الإيرانية، خلقت مخاوف أمنية بين الدول الخليجية، وفي الوقت نفسه لعبت أمريكا دوراً مهماً في تشكيلها من أجل حماية مصالحها في المنطقة ومواجهة الثورة الإسلامية في إيران.
اهتم مجلس التعاون بمفهوم الأمن الجماعي من خلال إنشاء قوة درع الجزيرة في عام 1984، باعتبارها جوهر التعاون العسكري المشترك بين هذه الدول، وأول عملية ملحوظة لقوات الجزيرة، كانت في عام 2011 لقمع ثورة شعب البحرين.
هذا في حين أن منطقة غرب آسيا شهدت منذ تأسيس هذه القوة وحتى اليوم حروباً وصراعات عديدة، وعلى رأس هذه الحروب قضية فلسطين والاحتلال الصهيوني؛ مثل حرب الأيام الستة عام 1967، حرب يوم الغفران عام 1973، وغيرها من الأحداث كالانتفاضتين الأولى والثانية عامي 1987 و2000 على التوالي، وحرب لبنان التي استمرت 33 يومًا عام 2006، وحروب غزة أعوام 2008 و2014 و2021.
وكان للعديد من هذه الحروب عواقب جغرافية عميقة، حيث شهدت حرب الأيام الستة سيطرة الکيان الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء، وحتى بعد توقيع معاهدة المصالحة بين مصر والكيان الصهيوني عام 1979، ظلت أجزاء من صحراء سيناء ومرتفعات الجولان السورية وأجزاء من الأردن محتلةً من قبل الصهاينة.
لکن رفضت الدول الأعضاء في مجلس التعاون، في حالة من الصمت الاستراتيجي، اعتبار السياسات الاحتلالية التي ينتهجها الکيان الصهيوني تهديداً أمنياً للسلام والاستقرار الإقليميين، وحتى هذه الدول، بإقامتها علاقات سرية ومن ثم الكشف عن هذه العلاقات في اتفاقيات ومفاوضات التطبيع، اعتبرت تهديد تل أبيب خارج إطار الخطوط الأساسية لعقيدتها الأمنية والعسكرية، بل جزء من التحالف الإقليمي المستقبلي.
إن عدم إعطاء الأولوية لتهديد الکيان الصهيوني في السياسات الأمنية والدفاعية لدول مجلس التعاون، لا ينبغي اختزاله في الانعزالية وتركيز هذه المجموعة على البيئة الداخلية.
لأنه أولاً، وبسبب العداء الاستراتيجي بين إيران والكيان الصهيوني، فإن أي تحالف عربي إسرائيلي من شأنه أن يفتح الباب أمام التحديات الأمنية في الخليج الفارسي، ثانياً، أثبتت تجربة الأزمات الداخلية في شبه الجزيرة، مثل الحرب في اليمن أو حصار قطر عام 2017 وعدم قدرة مجلس التعاون على تبني سياسة مشتركة، أن هذه الدول فشلت حتى في تحديد التهديدات والمصالح المتعلقة بالأمن الداخلي المشترك لشبه الجزيرة.
ثالثًا، يمكن رؤية المشاركة الواسعة والمنافسة الجيوسياسية للدول الأعضاء في المجلس خلال العقد الماضي في مناطق مختلفة من الجغرافيا العربية، بما في ذلك سوريا والسودان واليمن وصحراء تيغراي ولبنان.
ولذلك، يبدو أن تناول الاستراتيجيات الأمنية والدفاعية في اجتماع مسقط، دون الأخذ في الاعتبار التهديد الأمني الذي يشكله الکيان الصهيوني في خضم حرب غزة، والذي لا يستبعد إمكانية امتداده إلى صراع إقليمي واسع، يظهر الفرق الكبير بين القول والفعل، أو السياسة المعلنة والعملية لمجلس التعاون، وهو الحدث الذي سرعان ما فضح مشيخات الخليج الفارسي التي أدارت ظهورها للشعب الفلسطيني.