ورغم أنه بموجب بنود اتفاق وقف إطلاق النار فإنه يتعين على القوات الصهيونية وقف هجماتها والانسحاب من الحدود اللبنانية، إلا أن الأدلة تشير إلى أن جيش الاحتلال رفض تنفيذ الاتفاقات، وانتهك وقف إطلاق النار عدة مرات، وحسب التقارير المنشورة، فإن تل أبيب انتهكت حتى الآن وقف إطلاق النار 19 مرة، 13 منها وقعت يوم الخميس وحده.
وأعلنت مصادر لبنانية أن مقاتلين صهاينة هاجموا قاعدة في جنوب لبنان وزعموا أن هذه القاعدة تابعة لحزب الله وأن قذائف صاروخية مخزنة هناك، وفي حالة أخرى، أطلقت دبابة صهيونية أيضاً قذيفتين باتجاه مدينة كفر شوبا، قذيفة أخرى باتجاه مدينة الوزني في ضواحي حصيبة بمحافظة النبطية.
كما قصفت مدفعية الجيش الصهيوني مرتفعات مدينة حلتا في منطقة حصيبة ومنطقة رأس الظهر غرب ميس الجبل في ريف مرجعيون، كما حلقت طائرات تجسس صهيونية في أجواء مدينتي منطقة صور في محافظة الجنوب وبنت جبيل في محافظة النبطية.
وكان الكيان الصهيوني ارتكب، في اليوم الأول للاتفاقية، خمسة خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار، أطلق خلالها الجيش النار على مجموعة من الصحفيين في مدينة الخيام كانوا يغطون أخبار عودة الأهالي وأصيب شخصان منهم.
كما أطلقت مدفعية الجيش خمس قذائف قرب بوابة فاطمة في بلدة كفركلا وقذيفتين باتجاه بلدة العديسة وقذيفة واحدة باتجاه الخيام، ومن ناحية أخرى، اعتقل الجيش الإسرائيلي أربعة أشخاص في جنوب لبنان بزعم اقترابهم من قواته في المنطقة، وفي هذا السياق، ادعى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، أنهم ينتمون إلى حزب الله، وكان من بينهم قائد محلي.
وتأتي الزيادة الهائلة في الحالات المتكررة من الانتهاكات الصارخة لوقف إطلاق النار في الوقت الذي هدد فيه نتنياهو مرة أخرى ليلة الخميس بأن الجيش الإسرائيلي مستعد لحرب كبيرة في لبنان إذا تم انتهاك وقف إطلاق النار، وبعد هذه التصريحات دخلت الدبابات الصهيونية قرية الخيام الحدودية يوم الجمعة، كما أخضعت قوات الاحتلال الصهيوني، ليل الجمعة، منطقة مارون الراس وبعض أحياء مدينة بنت جبيل، لإطلاق نار كثيف.
لا أمل في ضمانات أمريكا واليونيفيل
ومن العوامل التي تجعل قادة تل أبيب أكثر ميلاً إلى المغامرة هي الدعم الأمريكي الذي يستمر بطرق مختلفة خلال فترة وقف إطلاق النار، وفي خضم انتهاكات وقف إطلاق النار، وصل الجنرال جاسبر جيفرز، قائد العمليات الخاصة في القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، إلى بيروت يوم السبت، وسيرأس لجنة مراقبة وتنفيذ آلية وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" ولبنان مع عاموس هوشستين، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي.
وقال بيان القيادة المركزية: إن اللجنة التي تشرف على تنفيذ آلية وقف إطلاق النار ستترأسها الولايات المتحدة وستضم القوات المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي واليونيفيل وفرنسا.
وذكرت صحيفة الأخبار أن جيفرز تحدث مع جوزيف عون قائد الجيش اللبناني بعد وصوله إلى بيروت، وقال عون في هذا اللقاء: إن اتفاق وقف إطلاق النار نص على انسحاب الجيش الإسرائيلي، لكن العدو خرق المبادرة، وإذا استمر هذا الأمر فإنه لن يسمح للجيش اللبناني بتنفيذ مهمته والتمركز في الجنوب.
وأكد عون: أن “المهام الموكلة للجيش في الاتفاق تشمل مراقبة أي تحرك أو تفتيش المنشآت والمراكز، إلا أن الجيش الإسرائيلي يتعمد القيام بهذه المهام وهذا التصرف غير مقبول”، ويبدو أنه مع معارضة حكومة نتنياهو لوجود فرنسا كضامن لوقف إطلاق النار، فإن مبادرة تنفيذ وقف إطلاق النار قد أعطيت رسميا للولايات المتحدة، وهذا الوضع لن يفيد إلا الصهاينة، وتأتي زيارة جاسبر إلى بيروت بهدف إقناع الجانب اللبناني بتنفيذ وقف إطلاق النار حتى لا يرد على مغامرات الجيش الصهيوني.
لقد أثبتت أمريكا، عبر تاريخ الكيان الصهيوني المزيف، أنها لن تحمي مصالح هذا الكيان إلا من أعدائه، وهذه المرة لا ينبغي أن ينخدع اللبنانيون بتغير ألوان رجال دولة البيت الأبيض، وبالإضافة إلى الولايات المتحدة، فإن اللبنانيين غير راضين عن أداء قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمعروفة باسم اليونيفيل، ومنذ إنشائها عام 1978، تم تكليف قوات اليونيفيل بمراقبة وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل"، لكنها تحكي قصة مختلفة عن الواقع على الأرض.
وفي تقاريرها الدورية إلى مجلس الأمن الدولي، كثيراً ما تسلط اليونيفيل الضوء على ما تعتبره انتهاكات لوقف إطلاق النار في لبنان بينما تقلل من أهمية الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، على سبيل المثال، ركز تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، والذي يغطي الفترة من الـ 21 من يونيو إلى الـ20 من أكتوبر 2023، بشكل أساسي على إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، مع إشارة محدودة فقط إلى الغارات الجوية الصهيونية المستمرة على اللبنانيين والقرى الحدودية.
وتمهد هذه التقارير المتحيزة الطريق أمام التضليل وتعزز رواية تل أبيب غير الدقيقة إلى حد كبير عن الأحداث على الساحة الدولية ولقد تم تسليط الضوء على التهديدات القادمة من لبنان والمبالغة فيها في تقارير قوات اليونيفيل، في حين تم تجاهل الانتهاكات الصهيونية أو التقليل منها.
ويشكو القرويون في جنوب لبنان بانتظام من القيود الصارمة المفروضة على حركتهم في المناطق الحدودية، لأسباب أمنية ظاهريا، في حين تتجاهل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان إلى حد كبير التوغلات العسكرية الإسرائيلية، مثل بناء الأسلاك الشائكة داخل الأراضي اللبنانية أو إجراء عمليات استطلاع.
وعلى الرغم من الخدمة الجيدة التي تقدمها اليونيفيل للصهاينة، إلا أنه منذ عملية فيضان الأقصى في تشرين الأول/أكتوبر 2023، دأبت قوات الاحتلال على قصف وحدات اليونيفيل واستهدفتها كلما اعتبرت أنها غير متعاونة أو معيقة.
وعلى الرغم من هذه الهجمات، اقتصر رد قوات اليونيفيل على التقارير الدبلوماسية، وفي تقرير آخر، تم مؤخراً اكتشاف أجهزة تجسس تابعة لكيان الاحتلال داخل لبنان بالقرب من مواقع اليونيفيل، وكعادتها، لم تصدر القوات الدولية سوى بيانات عامة حول الحادثة، زاعمة أن الأجهزة استخدمت خلال حرب تموز/يوليو 2006، متجاهلة الأدلة على تركيبها مؤخراً، وهو ما انتقده الجانب اللبناني باعتباره انحيازاً غير مسؤول.
يد حزب الله مفتوحة للرد
ومع الانتهاك المتكرر لوقف إطلاق النار من قبل كيان الاحتلال، فإنه لن يفشل في إعادة السلام إلى حدود لبنان والأراضي المحتلة فحسب، بل قد تبدأ جولة جديدة من التوترات بين حزب الله والجيش الصهيوني، فحزب الله لم يتفاعل بعد مع تصرفات جيش الاحتلال، لكن إذا استمرت جرائم العدو، فلن يبقى حزب الله صامتا أمامه، وفي اتفاق وقف إطلاق النار تم الاعتراف بحق الرد المتبادل لحزب الله، وإذا أراد الصهاينة تعريض أمن لبنان للخطر مرة أخرى فإن قوى المقاومة سترد بقوة.
كما أشار الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى هذه القضية في كلمته يوم الجمعة وقال: "لقد أكدنا مرات عديدة أننا لا نريد الحرب ولكننا ندعم غزة وإذا فرض علينا كيان الاحتلال الحرب فنحن مستعدون". ولذلك، ومع تحذيرات قيادات حزب الله، فإن قوى المقاومة غير راضية عن وقف إطلاق النار الهش، الذي لا يوجد احتمال لانهياره على يد العدو المحتل، وهي جاهزة لأي سيناريو، لأن وقف إطلاق النار لن يمنع المقاومة اللبنانية من الرد، وكل شيء يعتمد على متطرفي تل أبيب إلى أي مدى سيلتزمون بالاتفاقات.
ومن أسباب خرق الصهاينة وقف إطلاق النار هو أنه بعد تنفيذ هذا الاتفاق مباشرة عاد جميع اللبنانيين إلى منازلهم في الجنوب بوجه سعيد منتصر، إلا أن اللاجئين الصهاينة ما زالوا غير راغبين في العودة إلى مناطق الشمال، بسبب الخوف من صواريخ المقاومة، ولذلك فإن حكومة نتنياهو غاضبة من عودة اللبنانيين إلى ديارهم والصهاينة ما زالوا مشردين، وهي تحاول إبقاء جنوب لبنان خالياً من السكان بهجمات متكررة، لأن هدف نتنياهو الأساسي من دخول الحرب مع حزب الله كان عودة اللاجئين، لكنه فشل في هذه الخطة أيضاً.
وبالنظر إلى الوضع الحالي في شمال الأراضي المحتلة، إذا بدأت عمليات حزب الله الصاروخية مرة أخرى، فسوف يتم تثبيط النازحين إلى الأبد عن العودة إلى هذه المناطق، وبعبارة أخرى، سيتم منحهم ذلك، وبما أن الولايات المتحدة واليونيفيل تدعمان الكيان الصهيوني، فإن أمل اللبنانيين في الاعتماد على هذه الجهات الفاعلة كضامنين لوقف إطلاق النار هو وهم، والداعم الوحيد للأمة اللبنانية هو حزب الله، الذي أظهر أنه لن يفشل لفعل أي شيء للدفاع عن شعبه وأرضه، وإذا أراد الصهاينة إشعال نار الحرب فإنه سيدافع عن الشعب اللبناني بكل ما أوتي من قوة.