وذكرت السلطات أن مطلق النار بادر بإطلاق العيارات النارية تجاه القوة الأمنية، التي طبقت قواعد الاشتباك وأردته قتيلًا. وعلى الرغم من عدم الكشف عن هويته، أوضح البيان الرسمي أنه إرهابي ذو سجل جنائي حافل يشمل تعاطي المخدرات والاتجار بها. كما أشار البيان إلى أن الشخص كان يحمل سلاحًا أوتوماتيكيًا ومواد حارقة، مما دفع السلطات إلى فتح تحقيق شامل في الحادثة.
يشير البيان الرسمي إلى أن الجاني ذو خلفية جنائية، ما يعني أن الحادثة ليست ذات طابع سياسي بالضرورة. ومع ذلك، فإن قرب موقع الاشتباك من السفارة، وتزامنه مع موجة الغضب الشعبي تجاه ما يجري في غزة، قد يثير تكهنات حول وجود صلة غير مباشرة بين الحادث والظروف الإقليمية.
ما يُظهر الاهتمام الشديد بالحادثة وظروفها قيام رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان ووزير الداخلية مازن لقاضي ومعهما مدير الأمن العام بزيارة رجال الأمن الجرحى الذين وصفت إصابتهم بأنها متوسطة.
لكن حادثة الرابية الجديدة أثارت اهتمام وانتباه وسائل الإعلام جميعها بطريقة لافتة للنظر والسبب على الأرجح هو قرب عملية إطلاق النار من مكاتب سفارة إسرائيل الخالية.
إن ظهور "الجبهة الداخلية الأردنية- قيد التأسيس" في بيانها المؤيد للأجهزة الأمنية يبرز محاولات لترسيخ دور القوى المدنية في دعم الأمن والاستقرار. ومع ذلك، فإن هذه المبادرات تحتاج إلى وقت لتثبيت حضورها، خاصة في ظل الانتشار الواسع لخطاب الغضب على منصات التواصل الاجتماعي.
وحقّقت حادثة الرابية معدلات متابعة إستثنائية بسبب الجدل الذي أثارته عبر منصات التواصل وزار المصابين الثلاثة من رجال الأمن أيضا رئيس الديوان الملكي الوزير يوسف العيسوي.
وصرّح الخبير الأمني عمر الرداد بوجود احتمال كبير لسيناريو جهات خارجية تقف وراء هذا الإستهداف مشيرا إلى أن إستهداف الأجهزة الأمنية الأردنية والتشكيك في إجراءاتها بدأ منذ السابع من أكتوبر وليس منذ الأحد بحادثة الرابية معتبرا ان التطورات التراكمية منذ 7 أكتوبر وحتى تنفيذ العملية الأخيرة ليست معزولة عن سياقها.
تأتي هذه الحادثة في ظل سلسلة من التوترات المتصاعدة في المنطقة، حيث شهد الأردن في الأشهر الأخيرة حوادث مشابهة مرتبطة بما يحدث من عدوان إسرائيلي على الشعب الفلسطيني. ففي سبتمبر الماضي، أطلق عسكري متقاعد النار على حراس إسرائيليين عند معبر اللنبي، مما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم قبل مقتله. وفي أكتوبر، تسلل شابان وأطلقا النار على جنود إسرائيليين، ما أسفر عن إصابة ثلاثة قبل مقتلهما.
وتُعتبر السفارة الإسرائيلية في عمان موقعًا حساسًا نظرًا للعلاقات المضطربة بين الأردن وإسرائيل، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي الأردني إزاء السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، لا سيما في غزة. ويرى مراقبون أن الحادثة تعكس التوتر المتزايد في الشارع الأردني، مع احتمالية تحول الاحتجاجات الشعبية إلى أعمال عنف ضد المصالح الإسرائيلية.
تبرز أهمية حادثة الرابية في تسليط الضوء على استمرار وجود السفارة الإسرائيلية في الأردن رغم التصاعد الملحوظ في الغضب الشعبي بسبب ما يحدث من إبادة بحق الفلسطينيين في غزة. كما تؤكد الحادثة على حساسية الوضع الأمني والسياسي في المنطقة. وفي ظل هذه التطورات، يبقى الدور الأردني متنقلاً في حفظ التوازن بين الالتزامات السياسية والأمنية الداخلية والتعقيدات الإقليمية المتزايدة.
كما تأتي حادثة الرابية في ظل موجة من الغضب الشعبي العربي، بما في ذلك في الأردن، الذي تربطه بإسرائيل اتفاقية سلام منذ عام 1994. ورغم هذه الاتفاقية، فإن العلاقات بين الجانبين تواجه تحديات مستمرة بسبب السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ما ينعكس بوضوح على المشاعر الشعبية الأردنية، حيث تُعتبر القضية الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية الأردنية.
من جهة أخرى، فإن السفارة الإسرائيلية في عمان تُعد رمزًا لهذه العلاقات المثيرة للجدل، وغالبًا ما تكون هدفًا للاحتجاجات الشعبية الغاضبة. وتشير الحوادث المتكررة في محيط السفارة إلى تزايد الغضب الشعبي الذي قد يتجاوز حدود الاحتجاج السلمي ليتحول إلى أعمال عنف، مما يضع السلطات الأردنية أمام تحديات أمنية معقدة.
ورغم وصف مطلق النار بأنه "إرهابي ذو سجل جنائي"، فإن قرب الحادث من السفارة الإسرائيلية يكتسب بعدًا رمزيًا قويًا. فهو يعكس التوتر القائم بين الرأي العام الأردني والسياسات الإسرائيلية. السفارة الإسرائيلية في عمان ليست مجرد مقر دبلوماسي؛ بل هي رمز للاتفاقيات التي يعتبرها الكثير من الأردنيين غير عادلة، خاصة مع استمرار الكيان في سياساته العدوانية تجاه الفلسطينيين.
الحادثة أيضًا قد تثير مخاوف لدى السلطات الإسرائيلية من تزايد مستوى المخاطر على مصالحها الدبلوماسية في الأردن، ما قد يدفعها إلى الضغط على الحكومة الأردنية لتعزيز الإجراءات الأمنية، وهو أمر قد يزيد من تأزيم العلاقة بين الطرفين على المستوى الشعبي.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن السفارة الإسرائيلية ستظل نقطة توتر مستمرة، تُظهر بوضوح التناقض بين الالتزامات السياسية الأردنية تجاه إسرائيل وبين الغضب الشعبي الواسع تجاهها. وبينما تمكنت السلطات الأردنية من احتواء الحادثة، فإن استمرار مثل هذه التطورات قد يدفع الحكومة إلى مراجعة نهجها الأمني والسياسي، وربما إعادة التفكير في كيفية إدارة العلاقة الحساسة مع الكيان الصهيوني، في وقت تواجه فيه المملكة تحديات داخلية وإقليمية معقدة.