والمطالبات بطرد "إسرائيل" من الأمم المتحدة ليست الأولى، بل سبق أن تقدمت بعض دول أمريكا اللاتينية أيضا بطلبات مماثلة لطرد تل أبيب من الأمم المتحدة على أساس ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، رغم أن مسؤولي الأمم المتحدة لم يلتفتوا لهذه الطلبات حتى الآن.
تاريخ طرد الدول من الأمم المتحدة
وسبق أن علقت الجمعية العامة للأمم المتحدة عضوية كيان الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عام 1974، ويرى الباحثون أنه بسبب استمرار هذه الأنظمة في تجاهل القانون الدولي وانتهاكات ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن وأوامر محكمة العدل الدولية، يمكن طرد إسرائيل من الأمم المتحدة أو تعليق عضويتها.
ما هي القرارات التي خرقها الكيان الصهيوني؟
وبالنظر إلى أداء الكيان الصهيوني، يتبين أن تل أبيب خرقت عدة قرارات حتى الآن، منها:
القرار 181 الصادر عام 1947 بشأن ضمان سيادة الدولة الفلسطينية،
القرار 194 الصادر عام 1948 بشأن ضمان حق العودة للفلسطينيين،
القرار رقم 273 الصادر عام 1949 بشأن شروط القبول والالتزامات تجاه "إسرائيل" في الأمم المتحدة
القرار رقم 212 لسنة 1947 بشأن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين
القرار رقم 393 لسنة 1950 بشأن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين
القراران 513 و614 الصادران عام 1952 بشأن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين
القرار 2253 الصادر عام 1967 بشأن وضع القدس عاصمة مشتركة للعرب واليهود.
القرار 446 صدر عام 1979 والقرار 2334 أقر عام 2016 بطلب وقف البناء الاستيطاني في المناطق الفلسطينية بالضفة الغربية
بالإضافة إلى ذلك، دأبت "إسرائيل" على انتهاك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الملزمة قانونا، بما في ذلك القرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار في حرب غزة اعتبارا من الـ 7 من أكتوبر 2023، ومن الطبيعي أن يكون مثل هذا التحدي للقرارات المحددة الصادرة عن المنظمة إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يشكل انتهاكا واضحا للمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تقضي بأن عقوبة الأعضاء المذنبين هي الطرد من الأمم المتحدة.
الآلية القانونية لطرد تل أبيب
وفقا للمادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة، تتمتع الجمعية العامة بسلطة طرد دولة عضو في الأمم المتحدة بناء على توصية مجلس الأمن، إذا كانت تلك الدولة "تنتهك باستمرار" المبادئ الواردة في الميثاق.
كما تجاهل الكيان الصهيوني مرارا وتكرارا الآراء القانونية الصحيحة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، وفي فتواها التي أصدرتها في عام 2004، طلبت محكمة العدل الدولية من "إسرائيل" احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، كما أعلنت محكمة لاهاي عدم شرعية احتلال وضم الأراضي الفلسطينية والضفة الغربية في يوليو 2024.
وفي هذا الصدد، قال أستاذ القانون في جامعة كولورادو لموقع ميدل إيست آي: إن الحجة القانونية لتعليق عضوية "إسرائيل" في الجمعية العامة أقوى حتى من دعوى جنوب أفريقيا، لأن تل أبيب تجاهلت حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير لعدة عقود واحتلت أراضيهم وبالإضافة إلى انتهاك الالتزامات القانونية الدولية، فإن الكيان الصهيوني متهم أيضًا بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة بشأن حماية قوات حفظ السلام.
وكان الصهاينة قد أعلنوا مؤخرًا حظرًا على أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين (الأونروا)، وفقد بعض أعضاء الأمم المتحدة أرواحهم في قصف غزة، وتم الإعلان رسميًا عن الهجمات الإسرائيلية ضد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان عام 2008 من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وأدان المقررون الخاصون للأمم المتحدة هذا السلوك من تل أبيب.
الأسباب القانونية لطرد تل أبيب
وفي الأشهر القليلة الماضية، اتُهم الكيان الصهيوني بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وجاء في هذا الطلب أن "إسرائيل" اتخذت إجراءات تهدف إلى تدمير الفلسطينيين كمجموعة قومية وعنصرية وإثنية كليًا أو جزئيًا، وتشمل هذه الإجراءات القتل، والتسبب في أضرار جسدية وعقلية خطيرة، والترحيل الجماعي والنقل، وحرمان ضحايا حرب غزة من الوصول إلى الغذاء والماء والمأوى والملبس والصحة والمساعدات الطبية الكافية.
وفي الـ26 من يناير (من العام الماضي)، أكدت محكمة العدل الدولية في لاهاي أن "إسرائيل" انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية وأمرت "إسرائيل" كإجراء طارئ لمنع الإبادة الجماعية في غزة على يد القوات العسكرية، لكن الحرب استمرت دون انقطاع، وخلال العام الماضي استشهد أكثر من 43 ألف فلسطيني، 70% منهم نساء وأطفال.
ويسعى المدعون العامون للمحكمة الجنائية الدولية أيضًا إلى إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على طلب المدعي العام ذلك ولا تزال القضية مفتوحة ولم يصدر أمر الاعتقال بعد.
هل طرد "إسرائيل" ممكن؟
يجيز ميثاق الأمم المتحدة طرد دولة من المنظمة الدولية عندما تقوم تلك الدولة بالانتهاك المستمر لمبادئ ذلك الميثاق، ولا دولة في العالم، أكثر من "إسرائيل"، يمكن أن ينطبق عليها هذا القانون.
وحسب فرانشيسكا ألبانيزي، مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد صار واجبا على المنظمة الدولية تعليق عضوية "إسرائيل" وإعلانها دولة فصل عنصري، توصية ألبانيزي، سببها أن الدولة العبرية لا تنفذ جرائم حرب في غزة فحسب، بل ترتكب إبادة جماعية ممنهجة ضمن مشروع يهدف لمحو وجود الفلسطينيين بهدف إقامة “إسرائيل الكبرى".
إضافة إلى إشهار طبيعتها كدولة إبادة وتطهير عرقي وفصل عنصري، فقد مارست "إسرائيل"، وبشكل فاضح بعد حربها الإبادية على الفلسطينيين، حربا على المنظمة الدولية ومؤسساتها كانت آخر فصولها مصادقة برلمانها قبل أيام على قانونين يقضيان بوقف أنشطة إحدى مؤسسات المنظمة، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (المعروفة بأونروا)، وهو أمر “يعارض ميثاق الأمم المتحدة”، كما قال فيليب لازاريني، المفوض العام للوكالة: "إسرائيل" “دولة مارقة”، وبإيقاف المساعدات للفلسطينيين في وقت الكارثة الهائلة التي يتعرضون لها، تتكامل حرب "إسرائيل" ضد قطاع غزة مع حربها ضد الأمم المتحدة.
خلال عدوانها الذي تشنه أيضا على لبنان، كشفت "إسرائيل" عنصرا آخر في حربها على مؤسسات الأمم المتحدة ممثلة بقوة حفظ السلام الأممية في جنوب لبنان (اليونيفيل)، ومن ذلك اقتحامها قاعدة للقوة التي أعلنت اشتباهها باستخدام الفوسفور الأبيض الحارق لإصابة 15 من عناصرها، وإطلاق النار على مخابئ وأبراج مراقبة وقواعدها، رغم أنهم لا يشاركون في القتال ضدها، وهو ما يعتبر انتهاكا خطيرا للقانون الدولي وخرقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
إن طرد "إسرائيل" من الأمم المتحدة هو إعلان أن الشرع الأممية والقانون الدولي وحقوق الإنسان ما زالت مواثيق حقيقية يمكن للبشرية الارتكاز عليها، وبقاؤها هو إعلان لعطب هائل في المنظومة الدولية وتشريع ضمني للإبادة الجماعية والفصل العنصري والتطهير العرقي.