0
الخميس 7 تشرين الثاني 2024 ساعة 09:58

"التقارب السوري التركي"... بين التعقيدات السياسية والمواقف الإقليمية

"التقارب السوري التركي"... بين التعقيدات السياسية والمواقف الإقليمية
والتحديات التي تواجهها دمشق في سعيها لتحقيق هذا الهدف، في ظل المراوغة التركية المستمرة التي تربط انسحاب قواتها بتغيرات سياسية وميدانية. 

في ظل الموقف السوري الواضح، والذي يعتبر خروج القوات التركية غير الشرعية من سوريا هدفاً لهذا التقارب، والمراوغة التركية المستمرة، في المقابل، وربط أنقرة خروج قواتها بمتغيّرات سياسية وميدانية على الأرض، إذ بعد تسارع كبير في هذا الملف، إثر تصريحات للرئيس السوري، بشار الأسد، أبدى فيها مرونة كبيرة وتفهماً لصعوبة خروج القوات التركية بشكل فوري، داعياً إلى وضع أرضية مشتركة للحوار وتعريف واضح للإرهاب، والاتفاق على خطوات العمل المشترك والتي تنتهي بخروج القوات التركية – وهو ما قوبِل بغزل تركي مستمر -، ساهمت المتغيرات الإقليمية الكبيرة، بما فيها حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وما تبعها من توسيع للعدوان شمل لبنان وارتفاع متزايد في الاعتداءات على سوريا، في دخول هذا الملف نفقاً مظلماً.

وعلى الرغم من حالة «الاستعصاء» تلك، يؤكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، استمرار العمل المشترك على حلحلة ذلك الاستعصاء. 

ويأتي هذا خصوصاً في ظل الرغبة التركية الكبيرة في إتمام الأمر، أملاً في التخلص من عبء اللاجئين، والعمل بشكل مشترك مع دمشق على إنهاء «الإدارة الذاتية» المدعومة أمريكياً، بالإضافة إلى محاولة فتح الطرق الدولية التي تصل تركيا بدول الخليج الفارسي، لما توفّره هذه الطرق من مصادر دخل كبيرة، سواء عبر تصدير واستيراد السلع، أو عبر تسهيل عبورها بين دول الخليج الفارسي وأوروبا. 

وأكّد لافروف، في تصريحات نشرتها صحيفة «حرييت» التركية، قبل يومين، وجود إشارات من دمشق وأنقرة تفيد بوجود اهتمام جدي باستئناف المفاوضات، قائلاً إن بلاده «تبذل جهوداً متواصلة لإنهاء الصراع، وتشجّع استئنافاً سريعاً لعملية التفاوض بين الجانبين».

 وأشار إلى أن تطبيع العلاقات بين البلدين له أهمية كبيرة للاستقرار المستدام في سوريا، وتعزيز الأمن في منطقة الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن ملف التطبيع كان أحد المواضيع التي تناولها لقاء الرئيسين التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة «بريكس» في مدينة قازان الروسية، وخلال عودته من القمة، أعلن إردوغان، في تصريحات أدلى بها من على متن الطائرة، أنه يأمل أن تتخذ دمشق خطوات في ملف التقارب، «الأمر الذي يحقق مصالح الطرفين»، وفق تعبيره.

وفي مقابلة مع صحيفة "حرييت" التركية، أوضح لافروف أنّ التناقضات تتعلق بحقيقة أن سوريا تصرّ على ضرورة اتخاذ قرار بشأن انسحاب الوحدات العسكرية التركية من الأراضي السورية أولاً، بينما تقترح تركيا، العودة إلى مسألة انسحاب قواتها العسكرية في وقت لاحق.

وفي هذا الإطار، قال لافروف: إنّ موسكو تبذل جهوداً متواصلة لتجاوز التناقضات بين دمشق وأنقرة، على وجه الخصوص، وقد تمت مناقشة هذا الموضوع خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة لعملية "أستانا" في الـ27 من أيلول/سبتمبر الماضي في نيويورك.

يشار إلى أنّ دمشق وأنقرة بدأتا مساراً لتطبيع العلاقات بين البلدين بشكل رسمي نهاية عام 2022، ولكن اعترض مسار تطبيع العلاقات بينهما عدداً من القضايا الخلافية بين الجانبين، أبرزها مسألة جدولة خروج القوات التركية غير الشرعية من الأراضي السورية.

لكن لا يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان جاد بشكل فعلي على الأرض للاستجابة لمطالب نظيره الرئيس السوري بشار الأسد، والانسحاب الكامل من الأراضي السورية، حيث يُكرّر إردوغان الرغبة في التطبيع مع حكومة الأسد، ولكنّه فيما يبدو لا يرغب سوى بمشهد مُصافحة علني أمام الكاميرات، أو من باب المُجاملة كما وصفه الرئيس الأسد، لا المُصارحة كما يُريدها الرئيس السوري.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أدرك رفض الحكومة السورية التطبيع مع بلاده، وعاد لنغمة بلاده القديمة بأن دمشق لا تُريد التفاوض مع المُعارضة لإنشاء إطار سياسي، وكأنّ المعارضة السورية لها ثقل أو وزن يدفع الدولة السورية للتفاوض معها، وهي التي فشلت على أرض الواقع عسكريًّا بإسقاط حكومة دمشق المركزية.

وقال فيدان في تصريحات لصحيفة “حرييت” التركية، الأحد: إن تركيا “تريد أن ترى النظام والمعارضة ينشئان إطارًا سياسيًّا يُمكنهما الاتفاق عليه في بيئة خالية من الصراع”.

ولا يقول وزير الخارجية التركي أو يُعلن السبب الحقيقي لرفض دمشق ما وصفه بـ”التطبيع الكبير” مع بلاده تركيا، فنظيره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن توقّف التفاوض بين تركيا، وسورية، وشرح بأنه جاء بناءً على اختلاف في مواقف الطرفين إزاء الوجود العسكري التركي في شمال غرب سوريا، وذلك على الرغم من تكثيف أنقرة جُهودها خلال الأشهر الأخيرة بهدف تطبيع العلاقات مع دمشق، ما يعني هُنا أن دمشق التي لا تزال ترفض الأحضان التركية، وليس العكس.

أو كما يقول وزير الخارجية التركي أنه من الضروري أن “يكون الحوار الحقيقي مع المعارضة السورية” من أجل توفير بيئة آمنة ومستقرة للشعب السوري، موضحاً أن رغبة أنقرة هي أن “يتوصّل الرئيس الأسد إلى اتفاق مع معارضيه”، ورغبة أنقرة الحقيقية هي ليست أن يتوصّل الأسد إلى اتفاق مع مُعارضيه، بقدر ما ترغب بتطبيع مع دمشق، يمنع مخاوفها من استغلال الأكراد الفوضى في سورية.

وحذّر فيدان بالفعل من إمكانية إقدام حزب العمال الكردستاني “بي كي كي” وأذرعه في سوريا على استغلال “الفوضى” في ظل تواصل الغارات الإسرائيلية على مناطق مُتفرّقة من سورية.

ولا يبدو أن مخاوف دمشق من الأكراد تتقاطع مع مخاوف أنقرة، وذلك فيما يخص جرّ سورية إلى مزيد من عدم الاستقرار، فأنقرة كانت وفق الأدبيات السورية، أحد أهم عناصر التحريض على الدولة السورية، ودعم المعارضة، وبالتالي خلق بيئة من عدم الاستقرار عاشتها سورية على مدار سنوات الأزمة التي أشعلتها تركيا ودعم المعارضة السورية عسكريًّا تحت شعارات تحريضية، اعتبرتها دمشق واهية، وهدفها المس بوحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية، ودعم التطرّف والإرهاب.
رقم : 1171246
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم