0
السبت 12 تشرين الأول 2024 ساعة 09:44

"الازدهار الكامل لحزب الله" ثمرة عمر المجاهد السيد حسن نصرالله

"الازدهار الكامل لحزب الله" ثمرة عمر المجاهد السيد حسن نصرالله
إن اغتيال نصر الله كان بسبب نشاطه اللامع في تقوية حزب الله الذي استطاع خلال العقود الثلاثة الماضية أن يبني هيكلاً قوياً ومستقراً وضخماً من شتلة شابة ومزدهرة حديثاً، استمرت في النمو والتطور حتى بعد وفاته وبقيت كابوساً للعدو، وإن شتلة مقاومة لبنان، في ظل رجال مثل الشهيد نصر الله، أصبحت الآن شجرة قوية، ودور نصر الله أكثر وضوحاً من غيره.

حزب الله جماعة سياسية وعسكرية في لبنان تأسست عام 1982 لمواجهة الكيان الصهيوني بدعم من إيران، أولاً، عملت سراً ضد الاحتلال الصهيوني لعدة سنوات، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1984 أعلنت وجودها من خلال تنفيذ عملية استشهادية قام بها شخص يدعى "أحمد جعفر قصير" ضد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في شباط/فبراير 1985، تزامناً مع انسحاب الجيش الصهيوني من مدينة صيدا.

وفي أعقاب هذه الحادثة، أعلن حزب الله رسمياً عن أيديولوجيته واستراتيجيته لمواجهة "إسرائيل"، وفي السنوات السبع الأولى لتأسيس حزب الله، كانت قيادة هذه الحركة بأسلوب المجلس، ولكن في عام 1989، تم انتخاب صبحي الطفيلي كأول أمين عام لحزب الله.

وفي مايو 1991، تم انتخاب السيد عباس موسوي أميناً عاماً جديداً لحزب الله بسبب خلافات وانتقادات صبحي الطفيلي، واستشهد السيد موسوي على يد الكيان الصهيوني في شباط/فبراير 1992، واختار مجلس حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي كان عمره آنذاك 32 عاماً فقط، أميناً عاماً ثالثاً له، وخلال 32 عاما من قيادة السيد حسن نصر الله، حقق حزب الله إنجازات عسكرية وسياسية كبيرة، وكانت خطاباته الحماسية وشخصيته القوية التي لا هوادة فيها ضد الاحتلال الصهيوني من العوامل التي جعلته يحظى بشعبية بعيدة المنال في العالم العربي والأمة الإسلامية.

تسارع نمو القوة العسكرية لحزب الله بقيادة السيد حسن

بانتخاب السيد حسن نصر الله أميناً عاماً للمقاومة اللبنانية، تشكلت حقبة جديدة في مجال قدرات حزب الله العسكرية، وخلال 32 عاماً تحولت هذه الحركة من جماعة حرب عصابات إلى جيش قوي ومجهز تجهيزاً جيداً. وبفضل جاذبيته، نجح الشهيد نصر الله في تجنيد وتدريب عشرات الآلاف من الشباب اللبناني، وتحويل حزب الله تدريجياً من جماعة مسلحة إلى قوة مؤثرة في التطورات الإقليمية، وكان التحدي الأهم الذي واجهه السيد حسن في بداية توليه منصب الأمين العام هو التعامل مع الكيان الصهيوني الذي احتل جنوب لبنان لمدة عقد من الزمن، ولذلك، وبمساعدة قوى المقاومة، صمم السيد حسن نصر الله على طرد العدو الصهيوني.

ونفذت قوات حزب الله بقيادة نصر الله عمليات مختلفة وواسعة النطاق ضد الجيش الإسرائيلي وجعلت لبنان غير آمن للمحتلين حتى عام 2000، وقام الجيش الصهيوني، في خطوة أحادية ودون أخذ أدنى تنازل من حزب الله، باستثناء مناطق محدودة من شبعا، بالانسحاب من كل المناطق المحتلة في جنوب لبنان، وتحقق أول انتصار عسكري كبير لحزب الله على تل أبيب.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تنسحب فيها "إسرائيل" من أراضي دولة عربية من جانب واحد دون اتفاق سلام، واعتبر العديد من المواطنين العرب في المنطقة هذا الإجراء إنجازا مهما، وهو أمر لم تتمكن الدول العربية الطموحة من تحقيقه في حروبها ضد الكيان الصهيوني.

ومنذ ذلك الوقت أصبحت مسألة السلاح من القضايا المهمة المتعلقة باستقرار وأمن لبنان، وبعد خروج الصهاينة من لبنان، بذلت حركات المعارضة الداخلية والخارجية جهودا كثيرة لتنفيذ مؤامرة نزع سلاح حزب الله، لكن السيد حسن، صاحب البصيرة والنظرة الاستراتيجية للبنان والمنطقة، أصر على الحفاظ على سلاح حزب الله، ولم يستغرق هذا وقتا طويلا لتظهر صلاحيته في حرب الـ 33 يوما عام 2006، حيث نظرا لحياد الجيش، وأصبح سلاح حزب الله ضامن أمن لبنان.

كان انتصار حزب الله في العام 2000 إلى حد كبير نتاجاً للقيادة الكاريزمية والقيادية الميدانية للسيد حسن، الذي أعاد تركيز الحركة من تكتيكات حرب العصابات الدفاعية إلى جر الحرب إلى عمق أراضي العدو، وبعد طرد الجيش الصهيوني، بدأ حزب الله بتعزيز قاعدته الدفاعية من أجل ترسيخ مبدأ الردع، ومع بداية الألفية الثالثة، حقق حزب الله نجاحات عديدة في مجال إنتاج الأسلحة بالاعتماد على القدرات الداخلية، واستخدمت هذه الأسلحة الجديدة في أول مواجهة جدية بين حزب الله والكيان الصهيوني.

وفي هذا الصدد، في عام 2006، وقعت حرب بين حزب الله والجيش الصهيوني، عرفت باسم حرب تموز أو حرب الـ 33 يوماً.

وكانت القصة أن تل أبيب، خلافاً للاتفاق مع حزب الله، لم تطلق سراح ثلاثة أسرى لبنانيين، وأسر حزب الله جنديين صهيونيين في يوليو/تموز 2006 في عملية "الوعد الصادق" لإطلاق سراحهم، وهاجمت "إسرائيل" لبنان لتحرير الأسيرين ونزع سلاح حزب الله، فاندلعت حرب بين حزب الله وجيش الاحتلال استمرت 33 يوما، وتصدى مقاتلو حزب الله للجنود الصهاينة وأطلقوا للمرة الأولى صواريخ محلية باتجاه شمال الأراضي المحتلة، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 430 جندياً صهيونياً وتدمير 130 دبابة للعدو، وحقق حزب الله انتصارا عسكريا وسياسيا كبيرا في هذه الحرب، وانتهت هذه الحرب بقرار الأمم المتحدة 1701.

إن انتصار حزب الله في حرب الـ 33 يوماً خلق نوعاً من معادلة الردع ضد "إسرائيل"، لدرجة أن الصهاينة تجنبوا المواجهة المباشرة مع المقاومة اللبنانية لمدة 18 عاماً، هذه الهزيمة الفاضحة، إضافة إلى تعزيز موقف حزب الله القائم على المقاومة، جعلت السيد حسن نصر الله يحقق نجاحا غير مسبوق بين العرب، ويُعرف به كأهم شخصية في العالم العربي.

وقد سلط استخدام الصواريخ المضادة للسفن في حرب عام 2006 الضوء على قدرة حزب الله على استهداف المنشآت البحرية الصهيونية بشكل فعال، كما أن الحصول على طائرات دون طيار متقدمة للمراقبة والعمليات القتالية يعكس استراتيجية حزب الله العسكرية المتطورة وقدراته التكنولوجية.

وتحت قيادة نصر الله، أصبح لدى حزب الله الآن ما بين 20.000 إلى 25.000 مقاتل متفرغ وعشرات الآلاف من الاحتياطيين، وتشتهر وحدة النخبة "رضوان" بشكل خاص بمهاراتها القتالية وأهميتها الاستراتيجية في الصراعات في جميع أنحاء المنطقة، وهذه الوحدة الخاصة مسؤولة عن غزو الأراضي المحتلة، والتخطيط لاحتلال المناطق والمستوطنات الصهيونية.

وإلى جانب محاربة الاحتلال داخل لبنان، واصل حزب الله تأثيره في عملية المعادلات على الساحة الإقليمية، وبعد بدء الاضطرابات في سوريا عام 2011، ظهر السيد حسن، صاحب البصيرة السياسية وقراءة خطة مؤامرة الأعداء الكبرى لتدمير دعم المقاومة في سوريا، وحارب مع إيران، إلى جانب الجيش السوري، ضد التكفيريين المدعومين من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وشيوخ العرب الرجعيين، وبإرسال الآلاف من مقاتليه، كانوا قادرون على لعب دور مهم في منع تفكك سوريا واستعادة الاستقرار والسلام في هذا البلد، وكان تحرير القصير من أهم انتصارات حزب الله في سوريا.

واستطاعت قوات حزب الله أن تكتسب خبرة كبيرة في هذه الحرب، وهو ما كان بمثابة اختبار صعب بالنسبة لها، لدرجة أن المسؤولين الإسرائيليين اعترفوا قبل سنوات قليلة أنه مع انتهاء الحرب السورية وعودة قوات النخبة التابعة لحزب الله، ستواجه الأراضي المحتلة تحديا أمنيا خطيرا، وواصل حزب الله القتال ضد الإرهابيين على كل الجبهات، وفي خضم الأزمة الداخلية في سوريا، حاول الإرهابيون الغاضبون من دخول حزب الله في هذه الصراعات، بمساعدة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، إجبار قوات حزب الله على الانسحاب من سوريا عبر التسلل إلى الأراضي اللبنانية.

السلطة السياسية والمكانة الوطنية لحزب الله في لبنان

أصبح حزب الله بقيادة السيد حسن ولباقته، بالإضافة إلى تعزيز قوته العسكرية، لاعباً مركزياً في الساحة السياسية في لبنان لإنقاذ البلاد من الأزمات التي كانت تواجهها، وعلى الساحة السياسية، كان التحدي الأكبر الذي يواجهه حزب الله يتلخص في خلق التقارب بين التركيبة العرقية في لبنان، الذي كان منخرطاً في حرب أهلية لمدة ثلاثة عقود من الزمان منذ وقت ليس ببعيد.

كانت الحرب الأهلية اللبنانية صراعًا متعدد الأوجه استمر من عام 1975 إلى عام 1990 وأدى إلى مقتل حوالي 120 ألف شخص، حيث بدأ الصراع بين الموارنة والفلسطينيين عام 1975، ثم تحالف اليساريون والقوميون العرب والمسلمون اللبنانيون مع الفلسطينيين.

خلال الأعوام 2000 إلى 2006، لعب نصر الله أدواراً سياسية وأمنية بارزة عابرة للحدود الوطنية، أهمها إطلاق سراح السجناء اللبنانيين، كما لعب نصر الله دورا بارزا في المصالحة الوطنية اللبنانية بعد اغتيال رفيق الحريري في فبراير 2005، وفي شباط/فبراير 2006، التقى نصر الله مع ميشال عون، زعيم التيار الوطني الحر، ووقع الجانبان مذكرة تعاون لا تزال قائمة حتى الآن، وبعد الانتصارات العسكرية التي حققتها المقاومة، قدم السيد حسن الوثيقة السياسية الجديدة لحزب الله في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 في خطاب حدد فيه سياسة الحزب في عدد من القضايا الداخلية والخارجية.

وحسب هذه الوثيقة التي اعتبرها مراقبون «تغييراً نوعياً» في الفكر السياسي للحزب، فإن هذا الحزب لم يذكر وجود أعدائه داخل لبنان، وأكد أن لبنان هو وطن الآباء والأجداد والأجيال، وإن بقاء سلاح الحزب لبقاء التهديد الإسرائيلي هو مزيج من وجود المقاومة الشعبية والجيش الوطني.

منذ توليه قيادة حزب الله، قرر نصر الله تحويل الجناح السياسي للحركة إلى لاعب جدي في تطورات البلاد، بنظرة عابرة للفصائل والأعراق، ونتيجة لذلك، تمكن حزب الله من الفوز بـ 8 مقاعد في مجلس النواب اللبناني للمرة الأولى في انتخابات عام 1992 وفي عام 1996، فاز بعشرة مقاعد، وفي عام 2000، فاز باثني عشر مقعداً من أصل 128 مقعداً في البرلمان.

وفي الانتخابات العامة عام 2005، فازت الفصائل المختلفة بأربعة عشر مقعداً في البلاد، وجميع المقاعد الـ 23 في جنوب لبنان بالتحالف مع حركة أمل، وفي انتخابات 2018، فاز حزب الله وحلفاؤه بعدد أكبر من المقاعد في المجمل، وفي انتخابات 2022، فازوا بالأغلبية للجولة الثانية على التوالي.

التوسع والتأثير الثقافي والاجتماعي

على الرغم من أن تركيز حزب الله ينصب على مقاومة العدوان الإسرائيلي، إلا أن الحركة تدير شبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية، بما في ذلك البنية التحتية والمرافق الصحية والمدارس وبرامج الشباب، وكلها تعمل على حشد دعم حزب الله من كل من الشيعة وغير الشيعة، لقد استطاع حزب الله أن يخترق قلوب كل اللبنانيين بهذه المنفعة المشتركة والإجراءات التنموية لمصلحة الأمة اللبنانية بأكملها، بغض النظر عن الدين.

وأدى الانهيار الاقتصادي في لبنان في عام 2019، مع الانكماش الشديد في الناتج المحلي الإجمالي والتضخم المفرط، إلى خلق بيئة غير مؤكدة لحزب الله، وبما أن حزب الله يعتبر نفسه ضامناً لاستقرار لبنان وأمنه، فقد دخل أيضاً الميدان الاقتصادي ليرفع العبء عن كاهل الناس، وفي الوقت الذي كان يعاني فيه لبنان من نقص الوقود، تمكن حزب الله من توفير الوقود الذي تحتاجه إيران بمساعدة إيران، فازدادت شعبيته بين الناس.

لم تقتصر قوة ونفوذ حزب الله الثقافي والعسكري على لبنان فقط، بل تركت انتصارات حزب الله المتتالية في مختلف المجالات السياسية والعسكرية أثرها أيضًا في صفوف الفلسطينيين، ولقد أدرك شعب فلسطين النازح، والذي أغلق قلبه أمام عملية التفاوض لسنوات عديدة، أن مشكلة الفلسطينيين لا يمكن حلها من خلال المفاوضات مع كيان الاحتلال، وعلى هذه الخلفية، بدؤوا انتفاضة ضد الاحتلال، الانتفاضة أعطت قوة أخرى لحركة حماس، ومع فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة، مرحلة لن تنتهي بعد الآن بحرب الأيام الستة العربية الإسرائيلية، والآن تقف حركات المقاومة الفلسطينية في جبهة موحدة مناهضة للصهيونية مع حزب الله، ومع مرور الوقت تتشابك هذه العلاقات مع التعاون، كما رأينا في حرب غزة الأخيرة.

بعد عملية طوفان الأقصى ومجزرة غزة التي ارتكبها جيش الاحتلال في الـ 7 من أكتوبر 2023، استهدف حزب الله مواقع الجيش الصهيوني المساندة للشعب الفلسطيني وأطلق ما يقرب من 10 آلاف صاروخ على الأراضي المحتلة في السنة الأخيرة، وفي أول خطاب له يوم الـ 3 من تشرين الثاني/نوفمبر، وأكد السيد حسن أن عملية طوفان الأقصى قد قررها ونفذها الفلسطينيون، وأكد أن الجبهة اللبنانية التي فتحها حزب الله هي "جبهة دعم وتضامن" وأن الحرب في غزة بالدرجة الأولى، لافتا إلى أن الجبهة مفتوحة والتطورات تتغير والخيارات مفتوحة.

ونتيجة لهذه العملية التي استمرت لمدة عام، تم تهجير أكثر من 70 ألف مستوطن، وإن حزب الله، الذي جعل، بقيادة السيد حسن، المناطق المحتلة في الشمال غير آمنة للعدو وأخذ المبادرة الميدانية من حكومة نتنياهو، كان يشكل تهديدا خطيرا لسياسات الاحتلال لليمين المتطرف، ولهذا السبب، كان نتنياهو قام بمقامرة كبيرة ومع فكرة أنه لم يكن في تنظيم نصرالله حزب الله ينهار وقام باغتيال السيد حسن.

لكن هذه ليست نهاية القصة، إذ إن قدرات حزب الله العسكرية، التي عززتها القيادة الاستراتيجية للسيد حسن نصر الله، تشكل عنصراً مهماً في الجغرافيا السياسية لغرب آسيا، كما أن الترسانة الضخمة من الصواريخ والتكنولوجيا المتقدمة ستضع حزب الله في مركز الصدارة لأنه قدم جيشاً قوياً ورادعاً في مواجهة الكيان الصهيوني.
رقم : 1165954
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم