في غضون ذلك، وحسب صحيفة "القدس العربي"، أعلنت عشائر غزة في بيان لها أمس، دعمها للمقاومة وأن إدارة غزة هي قضية فلسطينية، وكلام قيادات كيان الاحتلال عن إدارة الحياة المدنية من قبل عشائر غزة بعد تدمير حماس أمر مثير للسخرية، وهو أن "لا يؤمن به إلا من يدور في فلك الاحتلال وأعوانه وهو أمر غير مقبول".
وفي حين أكدت العشائر الفلسطينية دعمها للمقاومة الفلسطينية، أعلنت أن "المقاومة قادت معركة الأقصى بكل مهارة واقتدار وأحدثت تغييرا استراتيجيا على مستوى القضية الفلسطينية، بل حتى على مستوى القضية الفلسطينية في العالم أجمع."
ورفضت هذه العشائر كافة مشاريع كيان الاحتلال الصهيوني فيما يتعلق بإدارة غزة، مؤكدة أن الأهالي "مستمرون في دعم المقاومة وضمان أمن الجبهة الداخلية".
كما دعت عشائر وقبائل فلسطين الأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى وقف العدوان والتعبير عن الغضب الشعبي ضد كيان الاحتلال الصهيوني ومصالحه وسفاراته وداعميه، لوقف مشاريع تصفية الشعب الفلسطيني وقضيته، وتحييد مشاريع تهجير أهلنا من أرضهم لاتخاذ الإجراءات الفورية".
وحسب حديث المسؤولين الصهاينة عن تهجير أهل غزة من أرضهم، أكدت القبائل والعشائر الفلسطينية أن الفلسطينيين لن يغادروا أبدا، وأي ثمن نقدمه لفلسطين رخيص بسبب ذلك، هذه أرض مقدسة ونطلب من قوة المقاومة أن تضرب المحتلين في كل مكان حتى يستسلموا لشروط شعبنا ويخرجوا من غزة.
مخطط "إسرائيل" الخطير لغزة
وجاء نشر بيان عشائر غزة بعد أن كشف وزير الحرب الإسرائيلي غالانت، مساء الخميس، عن خطط "إسرائيل" للمرحلة المقبلة من التعدي على غزة ورؤيتها للترتيبات المستقبلية لإدارة هذا القطاع من خلال "نظام مدني فلسطيني لقطاع غزة تحت السيطرة الأمنية الشاملة لإسرائيل".
وقال: "سكان غزة هم فلسطينيون، وبالتالي فإن المنظمات الفلسطينية ستتحمل مسؤوليتها، بشرط ألا يكون هناك عداء أو تهديد ضد إسرائيل".
ولم يقدم بيان غالانت أي تفاصيل حول نوع المنظمة الفلسطينية التي يريد أن تحكم غزة، لكنه قال إن ذلك "يعتمد على قدرات الآلية الإدارية القائمة (الممثلة باللجان المدنية) في غزة، وهي محلية".
وفي السياق نفسه، أوضحت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في تقرير لها، الخميس، أن فكرة مسؤولي وزارة الدفاع الإسرائيلية هي "استبدال حماس بمجموعات قبلية غير تابعة للحركة وتكون مسؤولة عن إدارة الغذاء، والمياه والموارد الرئيسية الأخرى".
وكتبت الصحيفة أن الفكرة تمثل تحديا كبيرا نظرا لأن حماس تحكم غزة منذ 16 عاما، في حين لم يوضح مسؤولو الدفاع الإسرائيليون كيفية تنفيذ الخطة.
ومن ناحية أخرى، فإن الحديث عن إدارة قطاع غزة يجري بالتوازي مع الطلبات المستمرة للسلطات الصهيونية التي تتحدث عن ضرورة ترحيل وتهجير جزء من أبناء قطاع غزة، ومثال آخر على هذه التصريحات في الأيام الأخيرة كان من عميحاي إلياهو، وزير التراث في هذا الكيان، الذي قال: "يجب علينا كسر حلمهم الوطني، والاستيلاء على الأراضي، وتدمير المنازل والتحفيز على الهجرة الطوعية؛ وهذا ما يجب القيام به".
كما أن بيتسليل سموتريش، وزير مالية الكيان الصهيوني المعروف بتصريحاته المتطرفة، قال مؤخراً في مقابلة مع القناة 12 العبرية: "غزة لن تكون مكاناً لمليوني شخص يريدون تدمير إسرائيل، نريد تشجيع الهجرة الطوعية".
وبينما كان التطهير العرقي لسكان قطاع غزة وترحيلهم إلى صحراء سيناء المصرية أحد الأهداف الأساسية للعملية العسكرية الصهيونية في غزة والتي فشلت، فقد تم طرح سيناريوهات بديلة أخرى على أجندة الصهاينة، بما في ذلك نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى البلدان الأفريقية، وفي هذه الأثناء، رغم نفي جمهورية الكونغو الديمقراطية المزاعم التي تناقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن محادثات بين الجانبين بشأن قبول اللاجئين الفلسطينيين من غزة، أفاد موقع إخباري إسرائيلي (تايم إسرائيل) بأن تل أبيب تجري مفاوضات مع تشاد ورواندا لقبول الفلسطينيين من غزة كجزء من خطة إعادة التوطين "الطوعية".
كما لاقت الخطط الصهيونية لإدارة غزة مستقبلاً بمشاركة العشائر رفضاً شديداً من قبل السلطة الفلسطينية، وفي هذا الصدد أعلنت السلطة الفلسطينية: رداً على المخططات التي يتم نشرها حول قطاع غزة في فيما يسمى اليوم التالي للحرب، يؤكد الرئيس الفلسطيني مرة أخرى على الموقف الواضح والحاسم للفلسطينيين، وهو أن الأولوية هي وقف الحرب والعدوان على شعبنا في غزة والضفة الغربية والقدس.
من جهة أخرى، أكدت وزارة الخارجية وشؤون اللاجئين الفلسطينيين في بيان لها أن "الكارثة الإنسانية التي يتم تلخيصها وتجسيدها حاليا في مدينة رفح تختبر مصداقية المجتمع الدولي ومجلس الأمن وكل الأطراف من المؤسسات الدولية ذات الصلة".
وقالت وزارة الخارجية في بيان أصدرته الجمعة الماضية: "لليوم الـ91 على التوالي، تواصل الحكومة الإسرائيلية الحرب والإبادة الجماعية والدمار الشامل والتهجير في قطاع غزة وتخلف التفجيرات وإطلاق النار المزيد من القتلى والجرحى والدمار، بما في ذلك تدمير كل المؤسسات التي تقدم الخدمات الإنسانية للمواطنين".
غزة قديمة قدم التاريخ
عرب الهناجرة، عرب العوالي، عرب النجمات، الطرابين، المحمدين والعزازمة ما هم إلا جزء من عشائر غزة العديدة التي وقفت دائما وتاريخيا ضد احتلال الكيان الصهيوني، والآن تدعم حماس وجماعات المقاومة الأخرى.
والحقيقة أن لغزة تاريخ طويل ومتجذر في التاريخ والحضارة، حيث يقدر بعض العلماء الوجود البشري والحياة الحضرية هناك بما يعود إلى 3300 قبل الميلاد، والبعض الآخر.
وقد عرفت هذه المدينة عشائر كثيرة جاءت إليها من المشرق والمغرب، كانت غزة خلال تاريخها القديم تحت سيطرة قدماء المصريين والبابليين والآشوريين واليونانيين والفرس والرومان، ومع تغيرات وتحولات الأمم التي ارتبطت بها أو حكمتها لفترة، أصبح اسمها أيضًا تغير.
أطلق عليها العرب اسم غزة، وسماها الكنعانيون هزاتي، وسماها المصريون القدماء غازاتو، وسماها الآشوريون عزاتي، ومن المؤرخين اليونانيين القدماء هناك من يقول إن غزة مشتقة من الكبرياء والتي تدل على القوة والمجد، والبعض يقول إنها تعني الكنز الملكي أو الثروة، كما ورد في القاموس اليوناني أنها كانت تسمى على مر العصور بأسماء مختلفة مثل "يوني" و"مينوا" و"كونستانديا"، كما أطلق عليها الصليبيون اسم "قادريس".
وتأتي أهمية غزة عند العرب من كونها تربط مصر والهند وكانت أفضل طريق تجاري لهم مقارنة بالشحن في البحر الأحمر، ومن هنا تأسست مدينة غزة واكتسبت شهرتها التاريخية.
بدأت التجارة من جنوب شبه الجزيرة العربية في اليمن، حيث كانت تجارة هذا البلد متصلة بالهند، ثم انتقلت شمالاً إلى مكة ويثرب (المدينة المنورة الحديثة) والبتراء، ثم تشعبت بعد ذلك إلى فرعين، أحدهما يؤدي إلى غزة عن طريق البحر الأبيض المتوسط والثاني إلى الطريق الصحراوي إلى تيماء ودمشق ثم تدمر.
ومن هنا استنتج المؤرخون أن مملكتي معين وسبأ كانتا أولى الممالك العربية التي أنشأت مدينة غزة، وحسب العارف، فإن "أفيان" و"عناكيت" اللذين يقال إنهما فلسطينيان قديمان ومذكوران في كتب العهد القديم، هما أول من استوطن غزة.
كما استوطن في هذه المدينة "الديانون" من نسل النبي إبراهيم، "الأدوميون" وهم عشائر بدوية تعيش في جنوب الأردن، و"الأموريون" و"الكنعانيون" الذين لهم جذور مختلفة.
ونقل المؤرخ الإسلامي ابن خلدون عن ابن جرير وذكر أن الكنعانيين انقرضوا من العرب.
وفي العصر الإسلامي، كانت غزة تسمى أيضًا "غزة هاشم" نسبة إلى جد نبي الإسلام "هاشم بن عبد مناف" الذي توفي هناك، هذه المدينة هي مسقط رأس ووفاة العديد من العلماء العرب والإسلاميين الآخرين، وعلى سبيل المثال، يقال إنها مسقط رأس الإمام الشافعي، مؤسس المذهب السني الشهير.
شعبية المقاومة بين البدو الفلسطينيين
لكن بالإضافة إلى عشائر غزة، أصبح اليوم توسع نفوذ المقاومة بين بدو صحراء النقب وحتى عشائر صحراء سيناء في مصر يشكل تحدياً كبيراً أمام الكيان الصهيوني للمضي قدماً في خططه في المناطق المجاورة لغزة.
وهذا التأثير ليس بلا سبب، فبالإضافة إلى الارتباط التاريخي بين بدو النقب وعشائر غزة، كانت المقاومة دائمًا تدعم نضالات سكان النقب وحقوقهم.
مطلع العام الماضي (10 كانون الثاني 2023) طالبت فصائل المقاومة والعائلات البدوية في قطاع غزة بالتصدي لـ”انتهاكات” "إسرائيل" بحق الأقلية العربية في منطقة النقب.
أصدرت حركتا حماس والجهاد الإسلامي بيانين منفصلين بمناسبة الذكرى الأولى لانطلاقة انتفاضة النقب في يناير/كانون الثاني 2022، وأعلنتا دعمهما الكامل لهذه الانتفاضة المناهضة للاحتلال.
تعتبر صحراء النقب في جنوب فلسطين أكبر محافظات فلسطين حيث تبلغ مساحتها أكثر من 14 ألف كيلومتر، جغرافياً، هذه المنطقة جزء من شبه جزيرة سيناء.
وللنقب، الذي يشبه هندسيا مثلث متساوي الساقين المقلوب، حدود طويلة مع الأردن من جانبه الشرقي ومصر من جانبه الغربي. وقاعدة هذا المثلث، الذي يشكل الجزء الشمالي من صحراء النقب، لها حدود مشتركة مع الضفة الغربية والقدس وغزة، كما يصل طرف سهم هذا المثلث إلى خليج العقبة في أقصى جنوب النقب.
ويقدر عدد المواطنين العرب في النقب بحوالي 300 ألف نسمة (من أصل 600 ألف نسمة يعيشون في المنطقة)، ويملكون 5% من أراضي المنطقة، وحسب مصادرهم فقد تمت مصادرة 95% من الأراضي من قبل "إسرائيل" منذ عام 1948.