وفي هذا الصدد، دخلت المدمرة الإيرانية "ألبرز" على شكل الأسطول 94 للبحرية الإيرانية، البحر الأحمر يوم الاثنين الماضي عبر المرور بمضيق باب المندب.
رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تمر فيها المدمرة الإيرانية العملاقة من مضيق باب المندب لتصل إلى البحر الأحمر، حيث يعتبر الإبحار في المياه الدولية من المهام المعتادة لهذه المدمرة، لكن دخولها البحر الأحمر في وقت وصل فيه التوتر في هذا الممر المائي الدولي إلى ذروته، لا يبدو طبيعياً.
يأتي وصول المدمرة الإيرانية بعد يوم واحد فقط من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية يوم الأحد الماضي، أنها استهدفت ثلاثة زوارق تابعة لحرکة أنصار الله اليمنية، كانت تخطط لمهاجمة سفينة ميرسك، وقتلت 10 من ركابها.
هذا في حين أن أنصار الله كثفت هجماتها ضد السفن الصهيونية دعماً لشعب غزة الأعزل، وأمريكا باعتبارها حليفاً استراتيجياً لتل أبيب، وبمساعدة عدد قليل من حلفائها، شكلت مؤخراً تحالفاً بحرياً أطلقت عليه اسم "حارس الازدهار"، للتعامل مع التهديدات اليمنية.
ويزعم المسؤولون الأمريكيون أن هدفهم من تشكيل التحالف، هو ضمان أمن الشحن الدولي، لكن هذا هو ظاهر الأمر، والغرض الرئيسي من هذا الإجراء، هو تأمين المصالح الاقتصادية للكيان الصهيوني، الذي تعرض لأضرار جسيمة بسبب عمليات أنصار الله.
ولذلك، تحاول واشنطن إزالة القلق الأكبر للصهاينة، من خلال القضاء على التهديدات القادمة من اليمن والبحر الأحمر، حتى يتمكنوا من مواصلة جرائمهم في غزة مرتاحي البال.
بدايةً، يبدو أن طهران تريد إرسال هذه الإشارة إلى الأطراف الغربية الداعمة للکيان الصهيوني، بأن أمن البحر الأحمر ليس منفصلاً عن أمن المنطقة برمتها، وإذا كان هدف الغربيين هو إرساء الأمن، فيجب أن يشمل المنطقة بأكملها، وليس نقطةً معينةً فقط.
لقد كانت أمريكا والأوروبيون السبب الرئيسي لكل الأزمات التي شهدها غرب آسيا في العقد الماضي، ومن خلال تأجيج التوترات في فلسطين والعراق وسوريا واليمن، أشعلوا نار الحرب في المنطقة. والآن من خلال دعم کيان الاحتلال، نفذوا مذبحةً کبيرةً بحق الفلسطينيين.
لكنهم في المقابل يزعمون أن اليمن هو السبب الرئيسي لحالة عدم الاستقرار الأخيرة في المنطقة، والتي يجب معالجتها، في حين أعلنت أنصار الله رسمياً أن نيتها من مهاجمة السفن المتجهة إلى الأراضي المحتلة، هي الضغط على قادة تل أبيب لوقف الحرب والجرائم ضد أهل غزة، وهو الهدف نفسه الذي ظلت قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تطالب به خلال الشهرين الماضيين، ويتجاهل الصهاينة هذا المطلب الدولي في ظل دعم واشنطن.
ولذلك، فإن التحالف الاستعراضي الأمريكي لا يتشكل بهدف الاستقرار والأمن فحسب، بل مع المغامرات العسكرية يقود المنطقة نحو الصراع المتزايد.
وكانت بعض المصادر قد أعلنت في الأيام الأخيرة، عن احتمال وقوع هجوم عسكري أمريكي على مواقع الجيش اليمني، وذكرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الاثنين الماضي، أن مسؤولي الدفاع أعدوا خططاً لمهاجمة قواعد الصواريخ والطائرات دون طيار في اليمن، لكن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مترددة في القيام بذلك.
كما ذكرت مجلة "تايمز" أن الجيش البريطاني يعدّ خطةً استفزازيةً لشن موجة من الضربات الجوية ضد مواقع القوات اليمنية في البحر الأحمر، ما يثير احتمالات تصعيد كبير للتوترات في المنطقة.
وتأتي هذه الدعوات للحرب بحجة ضمان الأمن البحري الدولي، فيما أكدت قيادات أنصار الله دائماً أن عملياتها موجهة فقط ضد سفن الکيان الإسرائيلي، ولا يوجد أي تهديد للدول الأخرى. لكن واشنطن التي تعتبر اليمن تهديداً للأهداف الصهيونية، تركب هذه الموجة وتحاول إعطاءها بعداً دولياً، وزيادة الضغط العالمي على أنصار الله.
ويحذر قادة أنصار الله كل يوم من أنه إذا تصرف أعضاء التحالف البحري بحماقة، فإن الرد المؤلم ينتظرهم، وقال "علي القحوم"، عضو المكتب السياسي لأنصار الله، لوكالة سبوتنيك للأنباء، مساء الاثنين الماضي: "إن الهجوم على الزوارق البحرية اليمنية في البحر الأحمر، فتح باباً لن يستطيعوا إغلاقه، وأشعل حرباً لن يستطيعوا الخروج منها بسهولة، وستكلفهم غالياً وستجلب لهم البلاء والشر".
ولذلك، في مثل هذا الوضع الحرج الذي تعيش فيه المنطقة في خزّان بارود، فإن وجود المدمرة الإيرانية في البحر الأحمر، هو بمثابة إنذار للدول الغربية بأنها إذا ارتكبت أخطاء وأخطأت في حساباتها، فإن إيران ستتعامل مع هذه التحركات.
وفي الأشهر الثلاثة الماضية، حذرت السلطات الإيرانية وقادة فصائل المقاومة مراراً وتكراراً من إمكانية توسيع نطاق الحرب، إذا لم يتم إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.
لم تسع الجمهورية الإسلامية قط إلى خلق التوتر في المنطقة، وحاولت دائماً إرساء الاستقرار، لكنها لن تلتزم الصمت إزاء مغامرات الغرب، ويتمتع اليمن باستقرار وسلام نسبيين منذ نحو عام، ومن الممكن أن تؤدي الهجمات الغربية المحتملة على هذا البلد إلى إشعال نار الحرب، وفي هذه الحالة فإن إيران ستدعم الشعب اليمني في مواجهة أمريكا وحلفائها.
وفي هذا الصدد، أكد ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية هذه المسألة، وقال: "إن إرسال مدمرات وسفن بحرية إلى المنطقة، يظهر رسالة دعم إيران لليمنيين ضد الولايات المتحدة، وإنهم حلفاء إيران الاستراتيجيين، ولذلك، على الأمريكيين أن يعلموا أنهم إذا أرادوا بدء حرب في المنطقة ضد قوى المقاومة، فإن النار ستأكلهم".
لقد قالت السلطات الإيرانية مراراً وتكراراً إن الجهات الفاعلة الأجنبية يجب أن تغادر الخليج الفارسي، وتترك توفير الأمن لدول المنطقة، لأن وجود الأجانب لم يجلب السلام فحسب، بل قاد المنطقة إلى الصراع من خلال خلق الأزمات.
إن وجود المدمرة "ألبرز" في البحر الأحمر، هو رسالة واضحة للعالم بأن الجمهورية الإسلامية قد انضمت إلى مجموعة اللاعبين في مجال القوة البحرية، والتي لا تسعى لتحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية في الخليج الفارسي فقط، بل حددتها خارج الحدود الجغرافية وفي الأماکن البعيدة أيضًا.
كما أنها تحذر أمراء الحرب في البيت الأبيض وتل أبيب، من أن إصبع إيران وفصائل المقاومة على الزناد، والوضع سينفجر بمجرد ارتكاب الأعداء لأدنى خطأ.