وأكدت الجمعية أن هذا هو التقدير الأولي للخسائر المباشرة، والتقدير الحقيقي، بما في ذلك الخسائر الناجمة عن الهجمات المباشرة بالصواريخ والطائرات دون طيار على المصانع والمجمعات الصناعية، وإلغاء العقود، وانخفاض المشتريات وانخفاض قيمة الشيكل مقابل الدولار، لا يمكن التحقق منه إلا بعد انتهاء الحرب.
انخفاض المعاملات التجارية
أفادت المؤسسة المالية البريطانية "برايس ووترهاوس كوبرز" بأن الاقتصاد الإسرائيلي انخفض بنسبة تزيد على 46% في قيمة المعاملات التجارية، و23% في عدد العقود التجارية المبرمة مقارنةً بالعام الماضي.
وحسب هذا التقرير، فقد بلغت القيمة الإجمالية للمعاملات التجارية هذا العام (2023) نحو 9.8 مليارات دولار، وهو المبلغ الأدنى خلال السنوات العشر الماضية، ويظهر انخفاضاً كبيراً مقارنةً بـ 18 مليار دولار في عام 2022.
وحسب التقرير نفسه، انخفض متوسط قيمة المعاملات بنسبة 35% إلى 131 مليون دولار هذا العام مقارنةً بالعام الماضي، في حين انخفض عدد المعاملات الكبيرة التي تزيد قيمتها على مليار دولار، ما يشير إلى التوجه نحو المعاملات منخفضة المخاطر.
ركود سوق الإسكان والبناء
تراجعت مبيعات العقارات في الكيان الصهيوني بعد 7 أكتوبر، للمدن التي تقع في مرمى صواريخ المقاومة، بشكل كبير.
وأعلن مركز الإحصاء الصهيوني أن مبيعات العقارات في مدينة عسقلان (جنوب فلسطين المحتلة) انخفضت بنسبة 78%، مسجلةً أعلى نسبة انخفاض بين مدن فلسطين المحتلة.
وسجلت مدينة تل أبيب ثاني أكبر تراجع في مبيعات العقارات، بنسبة انخفاض بلغت 65.6 بالمئة، وتعتبر مدينة تل أبيب أحد الأهداف الرئيسية لصواريخ المقاومة الفلسطينية، وقد دفع هذا الأمر معظم المستوطنين الصهاينة إلى الامتناع عن شراء المساكن هناك.
إن وقف الأعمال العدائية، حسب التقديرات، لن يؤدي إلى تحسن في سوق الإسكان، وسيعتمد على انتعاش الاقتصاد بشكل عام، الذي تضرر بشكل كبير جراء العدوان على غزة.
منذ بداية اجتياح جيش الاحتلال لقطاع غزة، أصيب قطاع البناء في الکيان الإسرائيلي بالشلل التام، وفي هذا الصدد، أعلن اتحاد مقاولي البناء في الكيان الصهيوني، أن هناك 11 ألفاً و 600 مبنى و160 ألف وحدة سكنية قيد الإنشاء في "إسرائيل"، وأن حجم الاستثمار في هذا القطاع يزيد على 60 مليار دولار.
کما توقف نشاط شركات المقاولات في شمال فلسطين المحتلة بشكل كامل بسبب هجمات حزب الله، وفي الجنوب بسبب هجمات المقاومة الفلسطينية، ولم يتم إبرام أي عقود جديدة.
وقال شموئيل أبرامسون، كبير الاقتصاديين في وزارة المالية في الكيان الصهيوني، إن انخفاض الشعور بالأمن سيقلل من رغبة المستهلكين في الشراء، وقطاع الإسكان هو الضحية الأولى.
إثارة الشکوك حول الصناعات العسكرية
أعلن مركز دراسات الأمن القومي للكيان الصهيوني، في تقرير بعنوان "الصناعة الدفاعية الإسرائيلية والمساعدة الأمنية الأمريكية" نشر عام 2020، أن نحو 600 شركة تنشط في قطاع الصناعات الدفاعية للكيان الصهيوني.
تبلغ مبيعات هذه الشركات السنوية 10 مليارات دولار، ويعمل في هذه الشركات أكثر من 45 ألف شخص، ويتم تصدير 70% من منتجاتها، کما أن شركات الأسلحة الإسرائيلية الكبرى، مثل شركة صناعات الفضاء الجوي وشركة رافائيل للأسلحة المتقدمة، مملوكة بالكامل أو جزئيًا للحكومة الإسرائيلية.
إن خطوط دفاع الكيان الصهيوني مع قطاع غزة، المجهزة بأحدث أنظمة المراقبة والحماية والتجسس، قد انهارت في 7 تشرين الأول/أكتوبر أمام عملية طوفان الأقصى. لقد تم تدمير الجدار العازل، ودبابة الميركافا، والقبة الحديدية بصواريخ المقاومة محلية الصنع، وتضررت صورة الأسلحة الإسرائيلية المتطورة، وتم التشكيك في كفاءتها.
وهذه ضربة قوية للصناعة العسكرية للكيان الصهيوني، وللدخل الناتج عن تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى، وحسب وزارة الحرب في الكيان الصهيوني، وصلت مبيعات الأسلحة إلى الدول الأجنبية إلى 12.5 مليار دولار في عام 2022، وهو المبلغ الأعلى.
وحسب تقرير موقع إنتليجنس أونلاين Intelligence Online، فإن كوريا الجنوبية بدأت بمراجعة فعالية نظام المراقبة والحماية، الذي اشترته من شركة إلبيت سيستمزElbit Systems الإسرائيلية لمراقبة المنطقة العازلة مع كوريا الشمالية، بعد الفشل في حماية الجدار العازل.
وبالنظر إلى أن مبيعات الأسلحة مبنية على عقود يستغرق الاتفاق عليها وتنفيذها عدة سنوات، فإن عواقب فعالية الأسلحة الإسرائيلية في غزة على مبيعاتها، ستستمر في الظهور في السنوات المقبلة، وخاصةً بيع الأسلحة التي ثبت عدم نجاحها.
وقال زياد ناصر الدين، الخبير في الشؤون الاقتصادية، إن أنظمة التنصت وتكنولوجيا المعلومات العسكرية ومعدات التجسس وأنظمة التعرف على الوجه، لم تستطع منع عملية طوفان الأقصى، وعدم فعالية هذه المعدات ضد عمليات المقاومة الكبرى، سيؤدي إلى إلغاء عقود شراء هذه المعدات والأنظمة.
حقول الغاز في مرمى صواريخ المقاومة
كان لهجمات المقاومة الصاروخية على الأراضي المحتلة، عواقب واسعة النطاق على قطاع الطاقة في الکيان الصهيوني، حيث أوقفت وزارة الطاقة في هذا الکيان إنتاج وتصدير الغاز من حقل غاز "تمار"، الذي يقع على بعد 20 كم من ساحل عسقلان.
وأفادت مصادر إعلامية تابعة للکيان، بأن 70% من احتياجات "إسرائيل" الكهربائية والداخلية يتم إمدادها من هذا الحقل الغازي، وأن إغلاقه يتسبب بأضرار بملايين الدولارات أسبوعياً، کما أوقفت شركة شيفرن الأمريكية التي تدير إنتاج حقل غاز تمار، نشاطها بسبب الانفلات الأمني.
وأعطى مجلس وزراء الكيان الصهيوني الإذن لوزير الطاقة في هذا الکيان، يسرائيل كاتس، بإعلان حالة الطوارئ في إمدادات الغاز وإدارة التخفيض الحاد في إنتاج الغاز، وتنفيذ خطة التوفير.
ومن ناحية أخرى، تشعر تل أبيب بالقلق من سحب مليارات الدولارات من رؤوس الأموال الأجنبية من قطاع الطاقة الإسرائيلي، إذ دخلت الحرب على غزة شهرها الثالث، واستمرار الهجمات الصاروخية للمقاومة على مناطق مختلفة من الأراضي المحتلة، وعجز القبة الحديدية عن حماية حقل الغاز، جعل المستثمرين الأجانب يشعرون بخيبة أمل متزايدة، وجعل قرارهم بسحب أموالهم من الکيان الإسرائيلي أكثر خطورةً.
ويقول مصطفى جباعي الخبير الاقتصادي والسياسي في بيروت: إن قصف فلسطين المحتلة بالصواريخ من غزة ولبنان والعراق واليمن، سيؤثر على إنتاج الغاز داخل الکيان الصهيوني، وسيوقف حركة السفن التجارية ونقل الطاقة في المنطقة والعالم.
كما نعلم، فإن أوروبا تعاني من نقص الطاقة منذ أكثر من عامين، بسبب الحرب في أوكرانيا وتوقف صادرات الطاقة الروسية، وتمكن الأوروبيون من توفير بعض احتياجاتهم من الطاقة من الدول الخليجية والإقليمية، ومع انعدام أمن طرق الشحن في مياه المنطقة، سيصل سعر النفط إلى أكثر من 200 دولار للبرميل.
وأضاف هذا الخبير الاقتصادي: هل ستتمكن أمريكا وأوروبا من شراء النفط بهذا السعر؟ كما ستتأثر التجارة الدولية وسترتفع أسعار السلع والمواد الغذائية، ونتيجةً لذلك ستشمل موجة التضخم أمريكا وأوروبا، ومن المؤكد أن وضعهما الاقتصادي سيصبح أكثر صعوبةً.
قطاع التقنيات المتقدمة
ذكرت قناة "الجديد" أن قطاع التقنيات المتقدمة (High tech)، شكّل 56% من صادرات الكيان الصهيوني.
وأدى انخفاض التقييمات العامة للاقتصاد الإسرائيلي وارتفاع أسعار الفائدة، إلى انخفاض الاستثمار في الشركات الإسرائيلية الخاصة في مختلف الأسواق، وخاصةً في قطاع البرمجيات، ويوجّه النقص المفاجئ في الاستثمار ضربةً مؤلمةً لصورة الکيان الإسرائيلي، الذي يوصف بأنه "أرض الشركات الناشئة".
وأعلنت أكثر من 40% من شركات التكنولوجيا تأجيل أو إلغاء عقودها الاستثمارية، و10% فقط من هذه الشركات لم تفقد الاتصال بالمستثمرين، كما أعلن أكثر من 70% من 507 شركات تكنولوجية إسرائيلية كبيرة، عن تأجيل أو إلغاء طلباتها ومشاريعها الكبيرة.
وقال ربيع بعلبكي، رئيس الجمعية اللبنانية لتكنولوجيا المعلومات، حول تداعيات عملية طوفان الأقصى على مجال التكنولوجيا، إن قيمة سهم بورصة التقنيات المتقدمة انخفضت بنسبة 6% بسبب الحرب، ومن ناحية أخرى، ستتأثر شركات التكنولوجيا الكبرى التي لها فروع في الكيان الصهيوني.
وأوضح رئيس الجمعية اللبنانية لتكنولوجيا المعلومات أن نشاط هذه الشركات قد انخفض، وأضاف إن 16% من القوى العاملة في الکيان الإسرائيلي الذين يعملون في هذه الشركات، سيكونون عاطلين عن العمل، كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع بشكل حاد ووصلت إلى 6.7 مليارات دولار، بانخفاض قدره 41% مقارنةً بالعام الماضي.
انخفاض الاستثمار الأجنبي
أعلنت وزارة المالية في الكيان الصهيوني في تقرير لها، أن الاستثمار الأجنبي منذ بداية العام الجاري (2023) وحتى قبل حرب غزة، دفع العديد من المستثمرين الأجانب إلى الحذر من الاستثمار في الکيان الإسرائيلي، وذلك بسبب الاضطرابات السياسية والصراع الداخلي ضد التغييرات القضائية.
وحسب هذا التقرير، فقد انخفض الاستثمار الأجنبي بشكل ملحوظ في الربع الأول من العام الجاري (2023)، وبلغ نحو 2.6 مليار دولار، وهو ما يمثّل انخفاضاً بنسبة 60% مقارنةً بالمعدلات الموسمية في عامي 2020 و2022. كما أدى ذلك إلى هروب رؤوس الأموال من الکيان الإسرائيلي إلى الخارج.
وشهد قطاع رأس المال المجازف في الکيان الإسرائيلي انخفاضاً حاداً في الصفقات منذ بداية الحرب في غزة، والذي أضر بصناعة التكنولوجيا.
وفي هذا السياق، حذّر 300 من كبار الاقتصاديين الصهاينة في رسالة إلى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وبتسليل سموتريش، وزير مالية هذا الکيان، من أن الاقتصاد الإسرائيلي يمر بفترة صعبة تتطلب تحركاً فورياً.
وجاء في هذه الرسالة: "أنتم لا تدرکون حجم الأزمة التي يواجهها الاقتصاد، يجب عليكم التصرف بشكل مختلف، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع أضرار جسيمة على الفور".
مطارات فارغة
أعلن مطار بن غوريون الدولي في الکيان الإسرائيلي، يوم 18 ديسمبر/كانون الأول، عن إرسال 600 موظف في إجازة إجبارية غير مدفوعة الأجر، بسبب الأزمة المالية التي يواجهها، كما حدّ من واجبات ومسؤوليات ألف موظف آخر بهدف تخفيض أجورهم.
وقال الرئيس التنفيذي لمطار بن غوريون في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية، إن هذا المطار يضم 4 آلاف و600 موظف، وسيتم تخفيضه إلى 3 آلاف موظف، کما انخفض الطلب العالمي على السفر إلى فلسطين المحتلة بشكل ملحوظ، بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وعلقت معظم شركات الطيران الدولية رحلاتها إلى "إسرائيل".
کذلك، ألغت حوالي 50 شركة طيران دولية والشركات الصغيرة التابعة لها رحلاتها المقررة من وإلى فلسطين المحتلة، في الأسبوع الأول من عملية طوفان الأقصى.
وأفادت شركة سيكرت فلايتس Secret Flights لتتبع الرحلات الجوية، بأن الرحلات الجوية من وإلى مطار بن غوريون الدولي انخفضت بنسبة 80 بالمئة في المتوسط منذ 7 أكتوبر.
وحسب هذا التقرير، تم تنفيذ ما معدله 100 رحلة جوية في مطار بن غوريون خلال الحرب، بينما في فترة ما قبل الحرب تم تنفيذ ما معدله 500 رحلة يومياً، ومعظم الرحلات الحالية تابعة لثلاث شركات طيران: "العال وأركيا وإسرائيل".
ويرى الخبير الاقتصادي حسام طالب، أن التبعات الاقتصادية لعملية طوفان الأقصى على الكيان الصهيوني، أكبر بكثير من عواقبها العسكرية والأمنية.
وأكد هذا الخبير في القضايا الاقتصادية العربية، أن خروج الأراضي الخصبة المحتلة في مناطق شمال غزة من زراعة وإنتاج المنتجات الزراعية وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، وضع القطاع الزراعي التابع للكيان الصهيوني تحت ضغط شديد، وكانت نسبة كبيرة من سلة غذاء المستوطنين، تأتي من المنتجات الزراعية لشمال غزة.
وأضاف حسام طالب إنه تم تجنيد 340 ألف عامل كقوات احتياط في الجيش الصهيوني، وهؤلاء کانوا يعملون في المصانع والمراكز الإنتاجية والصناعية، وقُتل العديد منهم في حرب غزة، وخروج هذا العدد من العمال من سوق العمل في الکيان الصهيوني، له عواقب مباشرة على اقتصاد الکيان والقطاع الخاص ودخل أسر هؤلاء الأشخاص.