0
الثلاثاء 19 كانون الأول 2023 ساعة 11:39

التكتيكات النفسية للکيان ‘‘الإسرائيلي‘‘ في حرب غزة

التكتيكات النفسية للکيان ‘‘الإسرائيلي‘‘ في حرب غزة
بالطبع، نحن نعلم أن الحرب بشكل عام هي مزيج من العمليات العسكرية والعمليات النفسية، ويحاول كل طرف دفع عقل خصمه في اتجاه ما من خلال القيام بسلسلة من الإجراءات، والتغلب عليه بتكلفة أقل، كما أن من حيل العدو لتغطية نقاط ضعفه ومنع الخصم من استغلالها، هو استخدام العمليات النفسية.

وحرب غزة ليست استثناءً من هذه القاعدة، لكن الاعتماد على العمليات النفسية في هذه الحرب يتجاوز هذه الحدود. وبينما لم يتمكن الکيان الصهيوني من إيجاد طريقة لإعادة ما خسره في 7 أكتوبر خلال 70 يوماً، إلا أنه يقدم صورةً عن نفسه وكأنه حقّق ما يريد! وهنا عدة أمور نشرحها فيما يلي:

1- يدعي الکيان الصهيوني بأنه يستطيع تدمير أنفاق المقاومة والوصول إلى القوات ومستودعات الأسلحة وتنظيم المقاومة عبر ضخ المياه، ثم عرض بعض الصور للأنابيب التي يقع أحد طرفيها في البحر الأبيض المتوسط، واعتبر ذلك بدايةً لعملية هدم الأنفاق.

في هذه الأثناء، وبما أن معظم الرأي العام ليس لديهم فكرة واضحة عن قضية الأنفاق، فإنهم يعتقدون أن المقاومة علی وشك الانهيار، هذا على الرغم من أن الأنفاق كانت منذ أكثر من 20 عاماً سلاحاً استراتيجياً للمقاومة وخطراً أساسياً على الکيان، ولو كان الکيان الإسرائيلي يستطيع وكان هناك مثل هذا الطريق السهل تحت تصرفه، فإنه لم يكن ليتسامح مع ذلك طوال عقدين من الزمن.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه الأنفاق ليست أنفاقاً للري، بل هي أنفاق عسكرية تتم فيها مراعاة الترتيبات الفنية المختلفة، بما في ذلك تقنيات التعامل مع تسرب المياه.

2- يتظاهر الکيان الصهيوني من خلال الدعاية، بأنه يقترب من النقطة التي يتعين فيها على حماس أن ترفع يديها علامةً على الاستسلام، ولكي يكون هذا التكتيك النفسي فعالاً، فإنه يستخدم أسلوب الكذب في تضخيم حجم شهداء المقاومة.

لأنه في ساحة المعركة، يكاد يكون من المستحيل على شخص ليس في مكان الحادث وليس لديه أي وسيلة للتقييم، الحکم بمدى صحة أو خطأ ادعاء من هذا النوع.

كما لجأ الکيان الإسرائيلي إلى أسلوب الكذب بشأن إحصائيات قتلاه العسكريين، واستغل جهل عامة الناس وقال إنها قليلة جداً، بل يتراجع أحياناً إلی الوراء، لدرجة أن البعض قد سخر منه قائلاً إنه تم إحياء عشرة قتلى إسرائيليين من الأمس إلى اليوم!

سبب اللجوء إلى التلاعب بعدد قتلى حرب غزة، هو أن "القتل" بالنسبة لليهود هو أمر لا يتسامح فيه، وإذا لم تتم السيطرة عليه فسيتحول إلى أزمة للکيان وجيشه.

ومن أجل إدارة المشهد، يزيد الکيان الإسرائيلي عدد الشهداء الفلسطينيين عدة مرات، ويقلل عدد قتلاه عدة مرات، هذا على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يضطر إلى تعريض قواته ميدانياً أكثر من المقاومة، وهذا التعرض يسبب زيادةً في الخسائر البشرية والعتاد العسكري.

واللافت أن إظهار الانخفاض في خسائر الجيش الإسرائيلي في حرب غزة، يأتي بينما زاد الکيان الإسرائيلي حجم قواته المدرعة في الحرب وضاعفها في الأسابيع الأخيرة، وبينما تتزايد أعداد قتلی الکيان بعملية حسابية بسيطة، ولکنها تتناقص في إحصائيات الجيش الإسرائيلي.

وفي الوقت نفسه، فإن إحدى وسائل قياس المشهد هي مقاومة غزة واتجاه أعمالها الهجومية، فإذا ما تم توجيه ضربة قوية للمقاومة في غزة، كما يزعم الکيان، کان يجب أن نرى تراجعاً في العمليات العسكرية التي تقوم بها حماس في الأيام الأخيرة.

ولکن باعتراف الکيان الإسرائيلي نفسه، فقد تزايدت عمليات حماس باتجاه المناطق والقواعد الإسرائيلية، وفي المشهد العسكري، مقارنةً بالمرحلة الأولى من الحرب، أضيف ما بين 20 إلى 30 في المئة إلى العمليات الهجومية للمقاومة في غزة.

3- الأسلوب الآخر للعمليات النفسية يتعلق بفترة الصراع، حيث يثير الجيش الإسرائيلي ادعاءين معًا؛ أحد الادعاءين هو أن المقاومة في غزة تعرضت لأضرار جسيمة، وهناك ادعاء آخر، يناقض هذا، يرتكز على ادعاء رغبة الجيش الإسرائيلي في مواصلة الحرب خلال الأشهر القليلة المقبلة.

حسناً، إذا ضعفت مقاومة غزة فيجب تقليص مدة الحرب، بدلاً من أن يقول الکيان الإسرائيلي سنقاتل لعدة أشهر وربما أكثر من عام لتحقيق هدفنا، وهو القضاء على حماس، فما هو الهدف من هذين الادعاءين؟

لأن الکيان الإسرائيلي يعلم أنه لن يحصل على نتائج من قصفه ووجوده المدرع الثقيل على المدى القصير والمتوسط، وعليه أن يبقي جيشه في الميدان على أمل تحقيق النتائج، وفي الوقت نفسه، يجب أن يقول للقوی الداعمة له أن ينتظروا بعض الوقت، فالعمل يقترب من نهايته.

لكن الواقع هو أن الأمل في النجاح يقترب من نهايته في جيش الکيان، إن الجيش الإسرائيلي يتعامل مع عدو يعرفه، ويعرف أن هذا العدو سوف يدافع عن مُثُله وسيفعل كل ما هو ضروري، ولذلك، بتغيير لون الصورة، لا يستطيع نتنياهو أن يغير طبيعة الجيش الذي ذاق مراراً وتكراراً طعم الهزيمة المريرة على يد المقاومة الفلسطينية.

بالطبع، يقاتل هذا الجيش بالإكراه، ويقوم أحياناً بالدبکة والمسرحية، لكن آذانه تسمع جيداً هدير صواريخ المقاومة المضادة للدبابات. ولن يتمكن نتنياهو من تحقيق النصر بهذا الجيش، لكنه يريد إبقاء الجميع منشغلاً على أمل إيجاد الطريق، ولذلك، في تعريف المشهد، فإنه يقدم ادعاءين متناقضين.

المقاومة في غزة تتم بشكل رئيسي تحت الأرض وبين السكان، ذخائرها موجودة تحت الأرض، ومعظم قواتها العملياتية موجودة فوق الأرض، وترتبط هذه القوات بالخارج بمعدات اتصالات خاصة، وتقوم بمتابعة الميدان وتدخل المكان في اللحظة المناسبة وتضرب وتعود. 

لكن في حين أن الجانب الآخر لا يعرف ما هو تحت الأرض ليتمكن من إلحاق الضرر به، إلا أنه معرض لهجوم مقاومة غزة من فوق الأرض وتحتها، وهکذا، من الواضح تمامًا أي جانب لديه نسبة ضرر أعلى في هذا المشهد.

وفي بعض الأحيان، لا يتم تنسيق العمليات النفسية الإسرائيلية بشكل دقيق، ولذلك، نرى أن مسؤولي الجيش يدعون التفوق في مكان، ويعترفون في مكان آخر أنه من الصعب جداً التعامل مع حماس ومن الصعب التقدم.

4- جانب آخر من العمليات النفسية للکيان الإسرائيلي، هو أنه يقدم نفسه على أنه "نشط" وفاعل، وبناءً على ذلك، ظهر المسؤولون العسكريون والأمنيون الإسرائيليون - في عملية عكسية - في وسائل الإعلام والتعليقات أكثر من المسؤولين السياسيين، فالقوات العسكرية والأمنية تقوم بالعمل على أرض المعركة، وإذا حققت شيئاً يتحدث عنه المسؤولون السياسيون والإعلاميون.

لكن عندما لا يكون هناك إنجاز عسكري، وبسبب ذلك يتعرض القطاع العسكري لضغوط من القطاع السياسي، يقوم القادة العسكريون بتسلية الجمهور وتسليط الضوء على أعمالهم واستراتيجياتهم لملء الفراغ.

وفي هذا المشهد، نرى التصريحات اليومية للمسؤولين العسكريين الإسرائيليين، وقد أصبحت تقارير وسائل الإعلام المختلفة كل يوم تحمل عبارات "قال غالانت"، "قال المتحدث باسم الجيش"، "قال إيزنكوت"، و"الاقتراب من تدمير حماس".

من الواضح أن قادة الجيش يغطون ضعفهم الشديد أمام حماس، ولو كانت هناك صورة انتصار لما احتاجوا إلى التعليق والقسم بالتلمود، ويشارك الجيش الإسرائيلي، بفرقتين ولواءين خاصين، في السيطرة على 360 كيلومتراً مربعاً منذ نحو 70 يوماً.

إذا استولی خلال هذه الفترة على خمسة كيلومترات مربعة يومياً، أي 357 متراً مربعاً يومياً لكل من الألوية الـ 14 المشاركة في حرب غزة، فإن المنطقة بأكملها کانت قد أصبحت الآن تحت سيطرته، لكن خلال 70 يوماً، وباستخدام 14 وحدة عسكرية، أي 14 لواء، ورغم الاستخدام المكثف للقاذفات، واجتياح أقل من 100 كيلومتر مربع من كامل مساحة غزة، لم يسيطروا حتی على كيلومتر واحد منها، بل تم ضربهم في كل مكان.

رغم مرور 70 يوماً، وهي أطول حرب خاضها الکيان حتى الآن، إلا أن هذا الجيش واجه فشلاً ذريعاً، وحتى لا تظهر هذه الإهانة، فإن قادة الجيش يعدون بالنصر غداً من جهة، ومن جهة أخرى يقدمون أنفسهم في قلب صيغة حل المشكلة.

وبينما يضغط الجيش على نتنياهو للتوصل إلى حل سياسي، ورئيس الموساد يخيم في الدوحة، يتظاهر بأنه لن يقبل بوقف إطلاق النار إلا إذا تم إطلاق سراح الأسرى، وبناءً على ذلك، تمتلئ الصفحات الإعلامية بتصريحات من قبيل "قال غالانت لن يتم وقف إطلاق النار دون إطلاق سراح الأسرى".

الجيش يحتاج إلى هذا الأمر حتى يظهر نفسه فاعلاً قوياً، لكن الحقيقة هي أن المبادرة بيد حماس، وحماس ستجبر الکيان الإسرائيلي على وقف الحرب، وربما ظنّ الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأولى أن صمود المقاومة وشعب غزة لن يدوم أكثر من بضعة أسابيع، ولكن الآن بعد مرور عدة أشهر، أدرك أنه ارتكب خطأً استراتيجياً في حساب حجم قدرة غزة على الصمود، ولا يمكن تخفيض تكاليف هذا الخطأ الاستراتيجي من خلال العمليات النفسية.

فالمقاومة تستطيع أن تدير مشهد الحرب كيفما تشاء، وبالتالي يمكنها أن تقاوم لفترة طويلة، ولكن هل المجتمع الإسرائيلي قادر على البقاء في الملاجئ المظلمة والمرعبة لفترة مجهولة؟.
رقم : 1103548
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
طوفان الأقصى حرر العقول
22 تشرين الثاني 2024
إخترنا لکم