لذلك، يتوقف الأمر على الإسرائيليين لتحديد وتقديم قوائم بأسماء الأفراد الذين يُسمح لهم بالخروج، وعندما يقومون بذلك، نقوم بتسهيل عملية عودتهم إلى وطنهم"، وفيما يتعلق بالحفاظ على معبر رفح، أوضح شكري أن هذا الهدف يأتي لضمان استمرارية عمل المعبر، وليس لتأثيره على تدفق المساعدات الإنسانية، وأشار شكري في حواره قائلاً: "تعرض معبر رفح لأربع هجمات جوية، وعند محاولتنا إصلاحه، تعرضنا للهجوم مرة أخرى ما أسفر عن فقدان أرواح، ونحن نجري حوارًا يهدف إلى السماح بإدخال المساعدات بطريقة آمنة، ونأمل في فتح المعبر".
أثارت تصريحات شكري جدلاً واسعًا، وقام الكاتب الصحفي مصطفى بكري بالتعليق على ذلك اليوم، حيث قال إنه سأل السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، حول هذا الادعاء الذي يتم تداوله، أجابه السفير قائلاً: "هذا الادعاء غير صحيح تمامًا من جميع الجوانب، أحد الصحفيين سأل الوزير: لماذا يتم التأخير في الإفراج عن الأجانب؟ رد الوزير قائلاً: إن هذا يحدث بسبب بُطء الإجراءات الإسرائيلية لتحديد أسماء الأجانب، وأضاف: 'هذا الأمر مقيد بالأجانب فقط، أما المصريون فلا تُعرض أسماؤهم للسلطات الإسرائيلية للدخول عبر معبر رفح، ولن يحدث ذلك أبدًا'.
وبعدما نفى وزير الخارجية المصرية سامح شكري الادعاءات حول تأخير "إسرائيل" في خروج العالقين من غزة عبر معبر رفح، قام الكاتب الصحفي مصطفى بكري بتوضيح السياق، في اتصال هاتفي، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية: "ما يتم ترويجه هو كلام مبتور وغير صحيح، ونطالب بالالتزام بمواثيق الشرف"، أضاف إن الكلام المنشور لا يعكس الإجابة الحقيقية على سؤال الوزير حول تأخير خروج الأجانب من غزة عبر معبر رفح، وأوضح أن السائل لم يستفسر عن أوضاع المصريين.
وتوضيح المتحدث الرسمي في الخارجية المصرية أثار استياء بين بعض الأشخاص، حيث اعتبروا أن حديث شكري قد زعزع مبدأ السيادة المصرية، وفي ختام الجدل، تم التأكيد على أن أمريكا و"إسرائيل" يمثلان وجهين لعملة واحدة، وحث البعض العرب والمسلمين على الوقوف بقوة في دعم فلسطين بكل السبل الممكنة، مشددين على أهمية الخروج من "بيت الطاعة" وتعزيز الدعم لفلسطين قبل أن يكون الأوان متأخرًا، ويقع معبر رفح البري جنوب قطاع غزة، في أقصى جنوب محافظة رفح بين مدينة رفح وشوكة الصوفي، وعلى الجهة الغربية من فلسطين بين الحدود الفلسطينية والمصرية، يعد المعبر منفذًا دوليًا يصل قطاع غزة بشبه جزيرة سيناء المصرية.
ويعمل المعبر وفق اتفاقية المعابر بالشراكة بين الإدارتين الفلسطينية والمصرية، وتُشرف عليه من الجانب الفلسطيني هيئة المعابر والحدود التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني، ويتم ذلك تحت رقابة الاتحاد الأوروبي، وترتبط أراضي قطاع غزة بمصر من خلال معبرين رئيسيين: "معبر رفح" و"بوابة صلاح الدين"، لا يخضع أي منهما رسميًا لسيطرة "إسرائيل" ، إلا أنها تمارس ضغوطًا بشكل مباشر أو غير مباشر للتحكم في فتحهما وإغلاقهما.
ويحمل المعبر أهمية كبيرة للفلسطينيين المقيدين داخل قطاع غزة، حيث يُعد بوابتهم الرئيسية للتواصل مع العالم الخارجي، يعتبر أيضًا:
ممرًا حيويًا للسلع والأفراد: يسمح لحركة الأفراد عبره لزيارة العائلة والأصدقاء، وكذلك للعمل.
بوابة السفر للفلسطينيين: يُعتبر المعبر الوسيلة الرئيسية للسكان الراغبين في السفر خارج فلسطين.
إدخال البضائع والمساعدات الإنسانية: يُتيح المعبر دخول الإمدادات الغذائية والمواد الأساسية والأدوية والمعدات الطبية.
تصدير البضائع الفلسطينية: في بعض الأحيان، تسمح مصر بتصدير بعض المنتجات الفلسطينية، ما يثير اعتراضًا من "إسرائيل".
تنشيط حركة التجارة: يُسهم المعبر في تعزيز حركة التجارة بين غزة ومصر في مجالات الاستيراد والتصدير.
وتم تحويل كل حركة البضائع إلى معبر كرم أبو سالم الحدودي، ووفقًا لاتفاقية المعابر الموقعة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، يقتصر استخدام معبر كرم أبو سالم على حاملي بطاقة الهوية الفلسطينية، باستثناء حالات خاصة يتم التنسيق بشأنها مع الحكومة الإسرائيلية، وتشمل هذه الحالات: الدبلوماسيين والمستثمرين الأجانب حيث يتم التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية قبل 48 ساعة من عبورهم، والممثلين الأجانب لهيئات دولية: يتم التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية قبل 48 ساعة من عبورهم، والحالات الإنسانية: يتم التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية قبل 48 ساعة من عبورهم، وتُبلغ الحكومة الإسرائيلية بأي اعتراضات قد تكون موجودة خلال 24 ساعة، مع ذكر أسباب الاعتراض.
تاريخ طويل من التدخلات السافرة
بعد انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، تم إلغاء الحدود بين مصر وغزة، وخضعت المنطقة للسيطرة المصرية، ومع استعادة "إسرائيل" السيطرة على المنطقة وشبه جزيرة سيناء في حرب الأيام الستة، تم إغلاق الحدود وقطع الاتصال بين غزة ومصر، وبعد احتلال "إسرائيل" للقطاع خلال حرب عام 1967، تم إغلاق الحدود، ما أدى إلى فرض حصار إسرائيلي صارم على الغزيين، تمت إعادة تشييد "معبر رفح البري" رسميًا بعد اتفاق المصالحة المصري الإسرائيلي عام 1979 وانسحاب "إسرائيل" من شبه جزيرة سيناء في عام 1982، بموجب اتفاقية أوسلو عام 1993، حيث تم الاتفاق على إعادة فتح المعبر للأفراد والبضائع.
وظلت هيئة المطارات الإسرائيلية تسيطر على إدارة معبر رفح حتى انسحابها من قطاع غزة وإغلاق المستوطنات في 11 سبتمبر/أيلول 2005، وقد نشر مراقبون أوروبيون لمراقبة حركة المعبر بالتعاون مع مصر، وشهد المعبر تدخلات إسرائيلية وإغلاقات مستمرة، حيث تم تعليق العمل في المعبر في 7 سبتمبر/أيلول 2005، استعدادًا لعملية فك ارتباط "إسرائيل" من القطاع، وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، بدأ العمل باتفاقية المعابر، وتم فتح المعبر جزئياً بين 4 و5 ساعات في اليوم لمدة 3 أسابيع، بحجة عدم استكمال أفراد بعثة المساعدة الحدودية للاتحاد الأوروبي، وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول 2005، تمت زيادة عدد ساعات عمل معبر رفح إلى 8 ساعات يوميًا، واستمر هذا الجدول الزمني حتى مستهل عام 2006، حيث وافقت "إسرائيل" على تشغيل المعبر لمدة 10 ساعات يوميًا.
وفي 25 يونيو/حزيران 2006، قامت "إسرائيل" بتصعيد الحصار على قطاع غزة بصورة غير مسبوقة، ردًا على احتجاز الجندي جلعاد شاليط من قبل 3 مجموعات فلسطينية مسلحة في معبر كرم أبو سالم، وتم إغلاق المعبر بالكامل من قبل سلطات الاحتلال، باستثناء فتحه لفترات زمنية محدودة ومتباعدة، لا تلبي حاجات سكان القطاع، بهدف فرض ضغوط على الفلسطينيين للإفراج عن الجندي شاليط، وهو انتهاك صريح لاتفاقية المعابر، وبعد أن تولت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) السيطرة على القطاع في يونيو/حزيران 2007، بدأت التغييرات الإدارية والخلافات حول من يتحكم في المعبر ويديره.
وبسبب رفض حماس لمشاركة "إسرائيل" في تشغيل المعبر وتوقف الرقابة الأوروبية بسبب غياب قوات السلطة الفلسطينية، تم إبقاء معبر رفح مغلقًا، حيث رفض الأوروبيون التعامل مع موظفين تابعين لحماس، ما زاد من تعقيدات الأوضاع، وحماس تطالب بفتح معبر رفح دون قيود، وتجعل ذلك أحد شروط التهدئة مع "إسرائيل" أو التوصل إلى مصالحة مع السلطة الفلسطينية، كما تدعو مصر لتحمل المسؤولية في هذا السياق بغض النظر عن موقف السلطة الفلسطينية والكيان.
وتعتبر مصر أن غياب السلطة الفلسطينية وعدم وجود رقابة أوروبية يعني أن الشروط الواردة في الاتفاق لا تتوافر في معبر رفح، ونتيجة لهذا، اعتبرت مصر أنها في حالة حِلٍ من تشغيل المعبر بشكل طبيعي، على الرغم من قدرتها الفعلية على فتح المعبر، إلا أن مصر أغلقته نتيجة الضغوط التي تتعرض لها، ونتيجة للتوترات بين الجهات المعنية، شهد المعبر فتحًا وإغلاقًا متكررين على مدار السنوات، حيث تعتبر وسيلة لمصر للضغط على حماس، عادة ما كانت مصر تفتح المعبر في حالات الطوارئ الإنسانية أثناء حروب "إسرائيل" على غزة، بما في ذلك إدخال المساعدات الإنسانية.
وبعد ثورة 25 يناير في مصر عام 2011، قررت الحكومة المصرية فتح معبر رفح بشكل دائم اعتباراً من مايو/أيار في العام نفسه بعد أربع سنوات من الإغلاق، ولكن فُرضت إجراءات صارمة لرصد ومراقبة حركة الأفراد والبضائع، ومنذ الانقلاب على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في عام 2013، زادت معاناة السكان في قطاع غزة بسبب إغلاق المعبر من قبل السلطات المصرية لفترات طويلة، ولم يتم فتحه إلا في ظروف استثنائية لبعض الحالات الإنسانية، وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وقعت حماس وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) اتفاق مصالحة في القاهرة، ينص على تسليم السلطة الفلسطينية إدارة القطاع بهدف إنهاء الانقسام الداخلي الذي استمر منذ منتصف 2007، ومع ذلك، عاد الخلاف والانقسام ما حال دون تنفيذ الاتفاق، وفي مايو/أيار 2018، قررت مصر فتح معبر رفح بعد سنوات من الإغلاق شبه الدائم، حيث كان يفتح لمدة 5 أيام في الأسبوع بسعة استيعاب محددة.
حرب إسرائيليّة على المعبر
تعرض معبر رفح لقصف إسرائيلي عدة مرات خلال عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، واستهدف القصف المنطقة العازلة بين البوابتين المصرية والفلسطينية للمعبر، ما أدى إلى حدوث أضرار جعلته غير قادر على العمل واستدعى الإغلاق، وتهديدت "إسرائيل" بقصف الشاحنات التي تحمل وقودًا ومواد إغاثية من مصر والمتجهة إلى قطاع غزة، ما دفع تلك الشاحنات إلى العودة من معبر رفح إلى سيناء، وفي يوم التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت "إسرائيل" فرض حصارٍ شامل على قطاع غزة، ما أدى إلى منع وصول الماء والكهرباء والغذاء والوقود.
وفي اليوم التالي، طلبت الحكومة المصرية وقف الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من معبر رفح لتمكين فتحه، رفضت مصر فتح المعبر ما لم تحصل على ضمانات لحماية موظفيها، في هذا السياق، طالبت عدة دول غربية بفتح المعبر للسماح بمرور حاملي الجوازات الأجنبية في غزة، وعلى الرغم من عدم وجود قوات إسرائيلية على الحدود بين مصر وغزة بشكل دائم، إلا أن "إسرائيل" تحتفظ بسيطرة مباشرة وغير مباشرة على إمكانية فتح معبر رفح، وقد وضعت "إسرائيل" شروطًا تتعلق بإبلاغ السلطة الفلسطينية بأسماء الأشخاص الراغبين في استخدام المعبر قبل 48 ساعة، لكي تقرر ما إذا كانت ستسمح لهم بالعبور أو تمنعهم.
ووفقًا لتقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بلغ عدد الإغلاقات الكاملة لمعبر رفح خلال الفترة بين 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 و31 ديسمبر/كانون الأول 2006 ما يصل إلى 159 يوم إغلاق كامل، في حين تم فتح المعبر لمدة 31 يومًا بشكل جزئي ولفترات زمنية محدودة، وإغلاق معبر رفح كان مستمرًا خلال الفترة من بداية عام 2007 وحتى التاسع من يناير/كانون الثاني 2008، حيث أغلقت سلطات الاحتلال المعبر لمدة 308 أيام، وبلغت نسبة الإغلاق منذ توقيع اتفاقية المعابر إلى التاسع من يناير/كانون الثاني 2008 نحو 59%، كان المعبر مغلقًا معظم أيام السنة، مع فتحه في أيام وساعات محددة فقط للحالات الطبية الطارئة والمرضى.
الخلاصة، إن إغلاق معبر رفح أحدث تأثيرات وخيمة على سكان قطاع غزة، حيث أدى إلى إعاقة حصولهم على الخدمات الطبية غير المتاحة داخل القطاع، وتأجيل فرص الدراسة الأكاديمية أو العمل في الخارج أو حتى في الضفة الغربية، كما تسبب إغلاق المعبر في أضرار كبيرة على الاقتصاد والأعمال، وزاد من تفرق الأسر بين جانبي الحدود، ما يعزز الشعور بالاختناق والعزلة في القطاع، ويقوي إحساس السكان بفقدان الفرص الحقيقية لمغادرته، حتى في حالات الطوارئ.