حيث زعم الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه أنه رأى صورا لمَن سمّاهم "إرهابيين" يقطعون رؤوس أطفال المستوطنين الإسرائيليين، قبل أن يتراجع البيت الأبيض عن هذه التصريحات التي أرجع مصدرها إلى تقارير إخبارية وادعاءات مسؤولين إسرائيليين. حيث نقلت صحيفة واشنطن بوست عن متحدث باسم البيت الأبيض قوله إنه "لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أميركي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشأن ذلك بشكل مستقل!
صحف عبرية و غربية تكشف المستور
بعد تحقيقات «يديعوت أحرونوت» و «ها آرتس» الإسرائيليتين، وسواهما من الصحف الأجنبية، انضمت «ليبراسيون» الفرنسية إلى قائمة الصحف التي كشفت أكاذيب الدعاية الأسرائيلية الأميركية عن جرائم حماس في كيبوتسات غزة يوم 7 أكتوبر الماضي.
الصحيفة الفرنسية، التي كانت في طليعة الصحف الغربية التي شاركت في اختلاق الأكاذيب والفبركات يوم 7 أكتوبر، راجعت نفسها و نشرت تحقيقاً مطولاً قالت فيه إن فريق التحقيق الخاص بها، الذي وصل إلى كيبوتسات «غلاف غزة» منذ أكتوبر الماضي، أنجز على مدى الشهرين الماضيين تحقيقاً مطولاً تبين له في النهاية أن الروايات الإسرائيلية حول قطع رِوس الأطفال واغتصاب النساء وبقر بطن الحوامل، زائفة. وكان هدفها تأليب الرأي العام الدولي وحشد الدعم من أجل عملية انتقامية ضد غزة.
و بحسب الصحيفة إن البيانات المتاحة تؤكد أن الفظائع الموصوفة في البداية لم تحدث. وتتعلق هذه الشهادات الكاذبة بشكل شبه خاص بمزاعم إساءة معاملة الأطفال، والتي كانت في قلب الحرب الإعلامية التي بدأت قبل شهرين، وقد تم تناقلها لأسابيع من قبل رجال الإنقاذ المتطوعين والجنود أو مسؤولي الجيش الإسرائيلي، ولكن أيضًا من قبل رأس الدولة والدبلوماسية الإسرائيلية. وكانت مادة دسمة للصحافة العالمية، وكذلك القادة السياسيين الغربيين.
نتنياهو و زوجته رأس الأفعى
بحسب تحقيق الصحيفة الفرنسية، فإن بنيامين نتنياهو و زوجته وزارة الخارجية الإسرائيلية وحتى المحامية ميخال هرتسوغ، زوجة الرئيس يتسحاق هرتسوغ، هم أول من قام بنشر الأكاذيب عن عمد، أحياناً في محادثات دبلوماسية على أعلى المستويات، بهدف حشد الدعم من الرأي العام الدولي.
وخلص التحقيق إن أول من وقف وراء فبركة هذه الأكاذيب مراسلة قناة «i24News » الإسرائيلية الناطقة بالإنكليزية، نيكول زيديك، التي زعمت أن أربعين طفلاً جرى قطع رؤوسهم، ثم تلاها ضباط إسرائيليون ومنظمات «خيرية» إسرائيلية، ومجلة نيوزويك الأميركية في 27 أكتوبر، التي نشرت تقريراً، بناء على رسالة من السفارة الإسرائيلية في واشنطن، تحت عنوان «صمت السلطات الدولية في مواجهة عمليات الاغتصاب الجماعية التي ترتكبها حماس هو خيانة لجميع النساء»، وعلى شهادة من المحامية ميخال هيرتزوغ ( زوجة الرئيس الإسرائيلي) زعمت فيها أنها رأت شريطاً « يظهر إرهابيي حماس في أحد الكيبوتسات وهم يعذبون امرأة حامل ويستخرجون جنينها!
أما المنظمة التي لعبت الدور الأكثر إجرامية في تلفيق هذه القصص فهي United Hatzalahالتي تجمع المتطوعين وعمال الطوارئ وعمال الإسعاف للتدخل في مواقع الكوارث في إسرائيل.
من الجدير بالذكر أن الصحف الإسرائيلية كانت اعترفت لاحقاً بأن القتلى المدنيين الإسرائيليين يوم 7 أكتوبر سقطوا بنيران الدبابات وطائرات "أباتشي" الإسرائيلية التي تلقى طياروها أوامر بتنفيذ "بروتوكول هانيبال"( أي قتل الأسرى والآسرين معاً).
كفر عزة و الرواية الملفقة
وفي 17 أكتوبر، قام موقع “تايمز أوف إسرائيل” بتغطية زيارة وفد من البرلمانيين الفرنسيين إلى كيبوتز كفر عزة. وروى العقيد جولان فاخ، قائد وحدة الإنقاذ الوطني التابعة للجيش الإسرائيلي، الذي رافق الوفد، بحسب هذه الصحيفة، أنه ‘قام بنفسه بنقل جثث الأطفال مقطوعة الرأس’، لكن هذه القصة تتناقض اليوم مع التقييمات.
قبل أربعة أيام، قال المقدم المتقاعد يارون بوسكيلا لصحيفة إيبوك تايمز إنه تحدث إلى حاخام قيل إنه زار كيبوتز كفر عزة: “حتى أنني نادم على لقاء الحاخام. كان وصفه للأشياء التي رآها صادمًا للغاية، لدرجة أنني تقيأت”. وبحسب بوسكيلا، فقد رأى الحاخام أطفالاً معلقين في صف واحد على حبل الغسيل، مع حمالات صدر أمهاتهم. ويارون بوسكيلا هو جزء من منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي (IDSF)، وهي منظمة أسسها جنرالات الجيش المتقاعدون، والتي تمارس الضغط (على المستوى الدولي بشكل خاص) للدفاع عن فكرة أن السلام في إسرائيل لا يمكن الحصول عليه إلا بالقوة.
وفي 28 نوفمبر، أجرى يارون بوسكيلا مقابلة جديدة مع الصحفي يشاي كوهين من موقع “كيكار هاشابات” الإخباري. قصته هي نفسها، مع الفارق أنه يدعي هذه المرة أنه رأى بأم عينيه “أطفالاً، أطفالاً رضعاً معلقين على حبل الغسيل”. وسرعان ما تم إبلاغ يشاي كوهين عبر شبكات التواصل الاجتماعي بالتناقضات في الشهادة، بسبب عدم وجود أطفال ماتوا في كفر عزة. لقد حذف المحادثة، دون الإشارة إلى أن المقابلة عرضت عليه “من قبل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي”.
وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية مقالاً يزعم أن امرأة تايلاندية، رهينة لدى حماس، أنجبت في الأسر، والمعلومات التي نفتها عائلة الرهينة المعنية التي تم إطلاق سراحها في الأيام التالية.
و في مثال أخر عن زيف الإعلام العبري كانت قناة «كان 11»، وهي إحدى شاشات شبكة البث الإسرائيلية الرسمية، قد نشرت شهادات لناجين مزعومين من «مذبحة حماس» تتضمن شهادة للفنان «نيكو أوستروجاNiko Ostroga» ادعى فيها أنه شاهد 29 شخصاً من أصدقائه يُذبحون على أيدي مقاتلي «حماس» خلال مهرجان الموسيقى يوم 7 أكتوبر. ويتضمن التقرير أيضاً شهادة من المدعو « يوني سعدون Yoni Saadon »، وهو رجل غامض برز من عالم الغيب، ادعى أنه شاهد عشرة من إرهابيي حماس يغتصبون بالتناوب امرأة ذات وجه ملائكي في حقل»، وهو ما زعمه «أوستروجا» أيضاً! وقد تبين لاحقاً أن الفنان المحتال لم يحضر الحفل أصلاً، ولم يكن مدعواً إليه، وأنه «لفق شهادته من أجل الحصول على تعويضات مالية من حكومة كيان الاحتلال».
حملة تنظيف لمواقع إعلامية صهيونية
بعد ما كشف العالم زيف ماكينة الأكاذيب الصهيونية لجأت وسائل الإعلام في كيان الاحتلال الاسرائيلي لحملة تنظيف لمواقعها من التقارير المضللة ولكن السؤال: ماذا سيفعلون بتلك المواد التي احتفظ بها الناس حول العالم منذ اللحظات الأولى بعد 7 أكتوبر في أكبر ساحة دجل وتلفيق إعلامية انقلبت على رؤوس صانعيها
إنجازات وهمية
في ليلة 28 أكتوبر/تشرين الأول، وتزامنا مع الساعات الأولى لبدء جيش الاحتلال التوغل البري في قطاع غزة مدعوما بسلاحَيْ الجو والبحر، قامت عدة حسابات ناطقة بالعِبرية بنشر مقاطع لجنود إسرائيليين يرفعون علم كيان الاحتلال الإسرائيلي في مكان يُشبِه قطاع غزة، وسط مزاعم بأن تلك القوات وصلت سريعا إلى داخل القطاع، في محاولة للترويج إلى أن تل أبيب حققت إنجازات و انتصارات سريعة ومن ثمَّ زعزعة معنويات الشارع العربي و العالمي الداعم للقضية الفلسطينية. ولم تمضِ ساعات على تلك الرواية التي استهدفت رفع معنويات الإرائيليين، الذين اتهموا حكومتهم بالتقاعس عن العمل الجاد لحماية و استعادة الأسرى، حتى تبيَّن أن النقطة التي وصلها إليه جيش الاحتلال لا تبعد سوى ثلاثة كيلومترات عن السياج الحدودي، في أقصى شمال غزة وفي منطقة غير مأهولة بالسكان. لقد احتاج الاحتلال إلى خلق رواية مُضلِّلة عن الحرب في ظل تصدي وحدات المقاومة لمحاولات التوغل البري، في وقت أطلقت فيه الكتائب رشقات صاروخية على تل أبيب وزعزعت ثقة الإسرائيليين في جيشهم، لكن الكذبة انكشفت في النهاية.
محاولات اغتيال معنوي للمقاومة
مررت إسرائيل أكاذيبها طيلة الأسابيع الماضية، وقد شارك الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا) بنشر صورة ادَّعى أنها لغلاف عدد أكتوبر/تشرين الأول من مجلة "فوربس" (Forbes) الأميركية، وعليه صورة رئيس حركة حماس في الخارج "خالد مشعل"، زاعمة أن ثروته تبلغ خمسة مليارات دولار. ورغم نفي المجلة الأميركية للصورة المفبركة، فإن الحساب الرسمي للاحتلال على "إكس" نشر صورة أخرى لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، على غلاف مفبرك لمجلة "فوربس" أيضا، وادَّعى فيها أن ثروته تبلغ أربعة مليارات دولار (5) (6). وقد هدفت تلك الأكاذيب إلى تشويه قادة الحركة في أعين الفلسطينيين والعرب المناصرين للقضية الفلسطينية والمتعاطفين مع المقاومة.
المقاوم الفلسطيني .. المقاوم الإنسان
مشاهد طفلة صغيرة بجديلة طويلة وملابس أنيقة، يغمرها الفرح ولا تكف عن الابتسام والتلويح لرجل مدجج بالسلاح، وبقدر ما تبدو سعيدة باللحظة الراهنة، تحرص على اغتنام كل الوقت المتبقي للتعبير عن الرضا والامتنان. مثل هذه المشاعر طبيعية جدا من طفلة نحو جندي من وطنها افتكها من بين يدي مجرم أو أنقذها من موت محقق في حادث سير خطير.
ولكن الطفلة الباسمة ليست سوى ابنة العدو الأول (كيان الاحتلال الاسرائيلي) لهذا الرجل المدجج بالسلاح (المقاوم الفلسطيني)، حيث يمطره كل يوم بالقنابل ويمنع عنه الغذاء والدواء ويضرب عليه حصارا مطبقا منذ سنوات.
هذه هي حكاية المقاوم الأنسان الحكاية التي يحاول الكثيرون تضليلها و لايريدون للعالم أن يراها حتى لا تتناقض و تفضح مايتواطأ عليه الغرب من وصف حركات المقاومة الاسلامية الفلسطينية بالحركات االإرهابية.
فقد حكى تسليم الأسرى الإسرائيليين للصليب الأحمر من قبل المقاومة الاسلامية فصل واضح بين صورة المقاوم الفلسطيني ذي البأس الشديد في الميدان، وصورته كإنسان يعطف على الضعيف والصغير ويحترم الشرائع والمواثيق.
أمام الكاميرات ظهر الأسرى المفرج عنهم بصحة جيدة ويرتدون ملابس مرتبة، وظهرت فتيات وسيدات يبتسمن لرجال المقاومة ويلوحن لهم بالود والتودد ولم يكن من الممكن ادعاء أن هؤلاء الأسرى تعرضوا لمعاملة قاسية لا من حيث الجانب النفسي ولا الجسدي، ولذلك اعترف كيان الاحتلال الإسرائيلي أنهم كلهم عادوا في وضعية صحية جيدة وفي ظروف نفسية طبيعية.
فيما بيدو أن أصواتا في كيان الاحتلال ضاقت بالصورة الإنسانية المكثفة القادمة من غزة التي يتوقع منها الانتقام والحقد أمام عدوان إسرائيلي همجي أدى لسقوط آلاف الشهداء معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير القطاع الصحي ومختلف المرافق الحيوية وتهجير وتجويع السكان.
ورفض ناشطون إسرائيليون نشر مقاطع فيديو تسليم حماس للأسرى، قائلين إنهم لم يقتنعوا بما سموها الدعاية الفظيعة التي تنتجها حماس.
لكن حديث المفرج عنهم ، كشف أن مقاطع التسليم لم تكن عملا دعائيا، وإنما كانت انعكاسا فعليا للمعاملة الحسنة التي تلقوها منذ اقتيادهم إلى غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى لحظة الإفراج عنهم.
وفي حديث نقلته جيروزاليم بوست، روت الإسرائيلية أدريانا أن جدتها يافا عادت من غزة "جميلة ومشرقة" وفي وضعية صحية جيدة.
وفي شهادة أخرى، قال قريب لإحدى الأسيرات "لحسن الحظ، لم يتعرضوا لأي تجارب غير سارة أثناء أسرهم، بل تمت معاملتهم بطريقة إنسانية.. خلافا لمخاوفنا، لم يواجهوا القصص المروعة التي تخيلناها.
وبالفعل، فإن المقاومون المؤمنين بالقرآن، يثخنون في عدوهم في جبهات المعارك وفي الوقت ذاته يعطفون على الأطفال والنساء "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا".
ختام القول، يبدو أن الدعاية الإسرائيلية لتشويه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تفرغ بعد ما في جعبتها، ففي كل يوم تقدّم ادعاء جديدا يثبت عدم صحته لاحقا، بعد أن تكون قد ورّطت معها دولا وشخصيات غربية تجبرها على الاعتذار والتراجع عن تصريحاتها.
لكن المؤسف حقا أنه بعد أكثر من شهرين على الحرب، لم تشكل أي لجنة تحقيق دولية لتوضيح ما جرى بالضبط في 7 أكتوبر، وأهمية ذلك أن جيش الاحتلال الاسرائيلي ضخم أعداد القتلى ولفق تهم لحماس ثبت كذبها مثل حرق الأطفال وقطع رؤوسهم واغتصاب النساء، وانطلاقا من هذه السردية برر قتل آلاف الأطفال الفلسطينيين.
لكن الأسوأ من ذلك أنه حتى بعد اكتشاف جملة من الأكاذيب الإسرائيلية، إلا أن ذلك لم يكن له تأثير كبير على مواقف الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إزاء دعمها الأعمى لجيش الاحتلال الإسرائيلي.