وفي هذا الصدد، تحدثت وسائل إعلام ومصادر محلية عن تصاعد التوتر في الجبهة الجنوبية خلال اليومين الماضيين، والذي ظهر بشكل أكبر في ثلاث حالات:
الحالة الأولى هي الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام اللبنانية عن هجمات عديدة لمقاتلات الجيش الصهيوني على بلدة حدودية تدعى عيترون، و3 هجمات على محيط مارون الرأس، أدت إلى تدمير حي كامل.
وبالتوازي مع عمليات حزب الله المتواصلة، تعرض عدد كبير من المناطق الحدودية في لبنان، بما فيها محيط الناقورة، قنين، محيب، رامية، عيتا الشعب، مروحين، الطيبة، كفركلا، لقصف مدفعي صهيوني عنيف.
کما تعرضت مناطق الجبعين وخلة موسى في محيط رميش، والمنطقة الواقعة بين الناقورة وعلما الشعب قرب مخفر الشرطة وتلة العويضة في الطيبة وتلة حمامس في سردة، للقصف أيضًا.
أما الحالة الثانية فكانت "انتهاك" الأجواء اللبنانية كافة من قبل المقاتلات الصهيونية، والحالة الثالثة هي قيام حزب الله برفع مستوى عملياته العسكرية ضد المقرات العسكرية المحيطة بالحدود، والمستوطنات الصهيونية الحدودية.
بالأمس نفذت مجدداً طائرات المقاومة الانتحارية المسيرة عملية ضد مقر القيادة الجديد لجيش الاحتلال الصهيوني في الجهة الغربية جنوب ثكنة يارا (بعمق حوالي 2 كيلومتر في الأراضي المحتلة)، وأصابت أهدافها بدقة، وأوقعت إصابات في صفوف جنود الاحتلال.
وبعد ذلك، ضربت المقاومة اللبنانية موقع جل العلم وزبدين والرمثا في تلال كفرشوبا، وتجمعاً آخر في قلعة حونين (قرية حونين المحتلة في لبنان) في مزارع شبعا بصواريخ بركان، ونتيجةً لهذه الهجمات، ورغم الرقابة الإخبارية المشددة في الجبهة الصهيونية، أكد جيش الکيان مقتل جندي وجرح جندي آخر.
من جهة أخرى، أعلن الجيش الصهيوني، الأحد الماضي، أنه هاجم البنية التحتية لحزب الله ومنصات إطلاق الصواريخ في لبنان.
ومع ذلك، على الرغم من احتدام الصراعات، إلا أن هذه المواجهات ما زالت تجري في منطقة جغرافية "مسيطر عليها"، وبنمط سلوك محسوب يمنع حرباً واسعة النطاق مع حزب الله، وحسب الخبراء فإن ذلك يظهر مدى القلق والحذر الشديد لدى الصهاينة من فتح جبهة كبيرة شمال الأراضي المحتلة.
في تقييم هذا النهج الذي يتبعه الصهاينة، فإن العنصر الأساسي والحاسم هو مدى نجاح ورضا هذا الکيان عن التطورات الميدانية في غزة.
ولذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن الجيش الصهيوني لم يحقق حتى الآن نتيجةً ميدانيةً ملموسةً لإضعاف القوة العسكرية لحركة حماس، وتشير التقارير إلى أن الخسائر في صفوف جنود الکيان في تزايد، نتيجةً لذلك يشعر المسؤولون في تل أبيب بقلق بالغ إزاء نشوب حرب كبرى على الجبهة الشمالية.
كما أن هناك أمراً آخر لا ينبغي تجاهله، وهو مفاجأة الصهاينة بتفعيل جبهة البحر الأحمر ضد التجارة البحرية والهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على موانئ الأراضي المحتلة، وهو ما جعل "تهديد اليمنيين" خطيراً للغاية.
ومن ناحية أخرى، فإن الهجمات الصهيونية على لبنان تهدف أكثر إلى التحذير، وتحييد النجاحات التي حققها حزب الله خلال حرب غزة، للتعزيز والانتشار العسکري في الجغرافيا المتنازع عليها لحدود لبنان الجنوبية مع الأراضي المحتلة.
وقد تجلت هذه الحقيقة بالكامل في تكثيف التحركات السياسية والدبلوماسية للداعمين الغربيين للكيان الصهيوني، ومطالبة قادة هذا الکيان بتنفيذ القرار 1701.
فبعد أن زار المسؤولون الفرنسيون، ومن بينهم "جان إيف لودريان" الممثل الخاص للرئيس الفرنسي، و"برنار إيمييه" رئيس جهاز المخابرات الفرنسية، لبنان الأسبوع الماضي، وناقشوا تطورات حرب غزة مع سلطات هذا البلد، ذكرت وسائل الإعلام اللبنانية أن تطبيق القرار 1701 قد تم تأجيله في هذه المفاوضات.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب: "إن وفداً فرنسياً أبلغنا أن الأوضاع قبل 7 تشرين الأول ليست كما كانت بعده، وشدّد هذا الوفد على ضرورة تنفيذ القرار 1701، كما أعلنا استعدادنا للالتزام به".
تجدر الإشارة إلى أن القرار 1701 هو أحد قرارات مجلس الأمن التي صدرت في 11 أغسطس 2006، لإنهاء الحرب بين حزب الله اللبناني والکيان الإسرائيلي، ويؤكد على ضرورة العودة إلى حدود عام 1943.
لکن إثارة هذه القضية في الوضع الحالي، هي بالتأكيد خدمة للكيان الصهيوني لضمان أمن المستوطنات الصهيونية حول الحدود الجنوبية مع لبنان، والتي نزح عنها سكانها إلى المناطق الوسطى من الأراضي المحتلة بعد تصاعد التوترات، ولا يرغبون في العودة إلى هذه المناطق دون ضمانات أمنية واسعة النطاق.
من الواضح أن الکيان الإسرائيلي يسعى إلى خلق وضع سياسي منشود من خلال إبعاد حزب الله عن الحدود، لأنه الآن أيضًا حيث لم تكن هناك حرب واسعة النطاق، فقد عززت قوات رضوان التابعة لحزب الله مواقعها في مزارع شبعا المحتلة، ومن ناحية أخرى، اضطر الصهاينة إلى نشر جزء مهم من قواتهم ومعداتهم العسكرية في الجبهة الشمالية، الأمر الذي منع الجيش من التركيز على جبهة حرب غزة.
في هذه الأثناء، أدى عجز حكومة نتنياهو عن كسب الحرب مع حماس، إلى اشتداد الضغوط الداخلية، وخاصةً من جانب عائلات الأسرى، على ائتلاف اليمين.
من الواضح أن جهود الغرب هي جهود يائسة، لأن الصهاينة الذين ظلوا غير راغبين في الانسحاب من الأراضي المحتلة في العقود الماضية، دون أدنى مراعاة للأنظمة الدولية وقرارات مجلس الأمن، عبر الاستيطان العشوائي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانيتين، هم الآن يطلبون المساعدة من الدبلوماسية الغربية لتحقيق الأمن والحفاظ على مكاسبهم غير المشروعة.
نهج حزب الله: غزة أولاً، وليس القرار 1701
أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن حزب الله أبلغ جان إيف لودريان أن القرار 1701 غير مطروح حالياً، لأن لبنان في حالة حرب مع "إسرائيل".
ويظهر كلام مسؤولي حزب الله، وخاصةً السيد حسن نصر الله، أن الوضع على الجبهة الجنوبية مرتبط بعملية حرب غزة، ومع توقف الهجمات على غزة، يمكن أيضاً وقف عمليات حزب الله العسكرية في الجنوب.
ويعتقد المطلعون على موقف حزب الله، أن هذا الحزب سيواصل عملياته العسكرية انطلاقاً من معادلة "غزة أولا وليس القرار 1701"، ونتيجةً لذلك، فإن اللجوء إلى التكتيك السياسي المتمثل في العودة إلى القرار 1701 لإجبار المقاومة على التراجع ليس له أفق تنفيذي، وتقديم التنازلات ليس في مصلحة لبنان والمقاومة في هذا الوقت.
لذلك، فمن المتوقع أنه بعد أن تحقق المقاومة أهدافها التكتيكية المتمثلة في توجيه ضربات موجعة إلى مقرات الجيش الصهيوني على طول الحدود، فإنها ستضع الهدف الاستراتيجي المتمثل في استعادة الأراضي اللبنانية المحتلة في منطقتي شبعا وكفرشوبا على جدول الأعمال طويل المدى.
وهذا الأمر متاح الآن بالكامل، بالنظر إلى أن الوضع الميداني قد تغير عن السنوات السابقة، وقد تمكنت المقاومة اللبنانية من تعزيز ترسانتها العسكرية.
وباختصار، إن الجهود التي يبذلها الغربيون لدفع المفاوضات حول العودة إلى القرار 1701 لمنع لبنان من الانجرار إلى حرب شاملة، هي جهود منحازة تماماً ومخطط لها بما يتماشى مع مصالح الکيان الصهيوني.