مهمة متعثرة وقلق عربي
بشكل غامض، تعثرت مهمة الوفد الوزاري العربي الخماسي، الذي يشارك فيه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في واشنطن، وتقول مصادر قريبة من الوفد إن مسؤولين في الخارجية الأمريكية وفي البعثة الأمريكية في مجلس الأمن نصحوا الوفد مسبقًا بالتوقف عن محاولاته لوقف إطلاق النار في غزة، ما يظهر أن الحسم الأمريكي قد حاز الأفضلية لمصلحة التصوّر الإسرائيلي، ومن ثم يتضح بشكل ضمني أن مهمة الوفد قد فشلت في كواليس مشاورات مجلس الأمن يومي الخميس والجمعة، مع إشارة إلى إمكانية عودة الوفد بخفي حنين.
ولذلك، قرر الوفد العربي الذي يقوده وزير الخارجية السعودي استبدال مهمته المتعلقة بتحقيق إمكانية التأثير في الموقف الأمريكي، بعد ظهور علامات وإشارات تدل على اعتماد الفيتو، من خلال حوارات ونقاشات مع أعضاء في الكونغرس، وبعد ذلك بندوة "إعلامية" في واشنطن، يوحي حضور الوزراء الخمسة للندوة بالفشل، ويظهر أيضًا أن مهمة الوفد بدأت تتحول إلى مشروع دعاية وإعلام وسياحة سياسية فقط، كانت النتيجة الوحيدة لوفد واشنطن، الممثل لقمة الرياض، هي "وعود" في الخارجية الأمريكية باتخاذ خطوات إضافية لحماية المدنيين وتوسيع المساعدات، مع التأكيد على أن الفرصة غير متاحة حاليًا للمزيد من "الهدن الإنسانية".
ولكن النقطة الرئيسية، في ظل "تقارير الميدان"، هي تكوّن الانطباع الدبلوماسي الأردني من أن ما يحدث على الأرض يشير إلى تقدم خطوات فعّالة نحو سيناريو التهجير لسكان غزة، بعد تعريضهم للجوع والعطش، على الرغم من جميع التصريحات والتأكيدات الأمريكية المعاكسة، في سياق ميداني، أفادت تقارير أردنية عن "تزاحم ديمغرافي كبير" عند أبواب مدينة رفح، مع قلة في الخيارات الجغرافية للهاربين من الوضع المأساوي الذي يخلّفه الهجوم الإسرائيلي، كما تحدثت التقارير عن تشدّد كبير في إيصال المساعدات بعد استهداف البنية التحتية الصحية بشكل خاص، إلى جانب تأثير الهجمات على خدمات الطاقة والمياه.
وبالإضافة إلى ذلك، تناولت التقارير عمليات القصف العنيفة التي استهدفت النازحين في شمال غزة، مع التركيز على تجمعات ومحيط خان يونس، حيث تعاني المنطقة الآن من نقص حاد في المياه والغذاء، يصعب تفسير هذه الوضعية من وجهة نظر أردنية ومصرية إلا عندما يُلقى الضوء على إحساس الأهالي بخداع محتمل وتصعيد عمليات التهجير، وفي سياق متصل، اعتبر وزراء عرب في واشنطن أن ما يحدث هو فعلاً "خطوات تدفع بأهالي القطاع قسراً نحو سيناء المصرية"، ويعكس هذا التقييم الواقعي والميداني للأحداث على الأرض، رغم تصريحات واشنطن المغايرة والصمت الإسرائيلي بشأن هذا السيناريو.
وفي الوقت الحالي، تجدر الإشارة إلى أن الأردن يتطلع بشدة إلى عودة الهدوء في المنطقة، ولكن يعتبر أن فرصة عودة الاستقرار قد فاتت، وفقًا لتقييم السلطات الأردنية، لا توجد مؤشرات تشجع على التفاؤل بوقف الصراع العسكري والعودة إلى عملية سياسية في الوقت الحالي، ترى المؤسسات الأردنية أن المجتمع الدولي قد يلجأ إليها في المستقبل للمساهمة في تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وعلى الرغم من التصريحات العامة، تشير المعلومات إلى أن أي محادثات سياسية تتعلق بالملف الفلسطيني والصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تنطلق إلا بعد تحقيق الهدف المعلن، والذي تتفق عليه القوى الداعمة للحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية، هذا الهدف يتمثل في تقويض القدرات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، خلال العملية العسكرية الجارية.
وتُبذل جهود كبيرة من قبل الأردن لإقناع بعض الأطراف الدولية بقبول فكرة وقف إطلاق النار من جديد، ولكن حتى الآن، لم تحقق هذه المحاولة النجاح، في الوقت نفسه، يشهد التهجير القسري لسكان قطاع غزة تطورًا دراماتيكيًا وواقعيًا داخل القطاع، وفي هذا السياق، تتداول أفكار حول كيفية التعامل مع أزمة النزوح والسكان، وخاصة في ضوء القصف الإسرائيلي الوحشي المتواصل، وبالرغم من ذلك، يحاول الأردن بجهود متواصلة إقناع بعض الدول الأوروبية من خلال اتصالات خاصة بالبحث عن هدنة إنسانية للتعامل مع أزمة النزوح، بهدف تجنب التهجير القسري على نطاق واسع.
وتواجه الدولة الأردنية تحديات كبيرة في ظل الأحداث الجارية في قطاع غزة، حيث تتحدث التقارير عن إجبار ما لا يقل عن مليون و400 ألف مواطن في غزة على ترك منازلهم، وهو السيناريو الذي يشكل الهاجس الأساسي للأردن حتى الآن، يُعتبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي هذا السيناريو حربًا على بلاده، ويشاهد الأردن الأحداث بترقب شديد وتحفظ، مع تعبير عن قلق من أن تأخذ الأمور منحى غير مستقر، ويزيد من همومه المرتبطة بالمسألة الإنسانية للاجئين وإمكانية عبورهم إلى مصر، وحتى الآن، لا تظهر هناك مؤشرات أردنية واضحة تشير إلى وجود خطط لوقف إطلاق النار مجددا، ولا توجد مبادرات دولية أو إنسانية ملموسة، التقسيط المزعج للمساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، برعاية الأمم المتحدة، أصبح جزءًا من العوامل التي تثير التوقعات الأردنية بتدهور الوضع والتحول نحو الأسوأ بشكل سريع، وفقًا لمصادر رسمية أردنية.
وتخشى مصر من تدفق اللاجئين الفلسطينيين نحو أراضيها، حيث يتوقع أن يبحثوا عن مأوى في شبه جزيرة سيناء، أفاد مسؤول إسرائيلي بأن المسؤولين المصريين أعربوا عن قلقهم بشدة حيال احتمال نزوح آلاف المدنيين من غزة إلى مصر، وقد حذروا "إسرائيل" من أن هذا السيناريو قد يتسبب في تصاعد الأزمة وتأثير سلبي كبير على العلاقات مع الكيان، وفي هذا السياق، يُشار إلى أن مصر قد نقلت تحذيراتها بشأن تصاعد الأزمة وتأثيرها السلبي المحتمل على العلاقات مع الكيان، وتشارك مصر الولايات المتحدة المخاوف نفسها، حيث أعرب مسؤول أمريكي عن قلقه إزاء احتمال تصاعد الأزمة الإنسانية وتأثيرها على العلاقات بين مصر وتل أبيب.
ومن جانبه، أشار وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أن نقل المدنيين الفلسطينيين من غزة إلى مصر لا يتفق مع القانون الدولي ويعتبر غير مناسب، وفي سياق متصل، أضاف وزير الخارجية المصري خلال مشاركته في منتدى آسبن الأمني في واشنطن أن هذا ليس السبيل الصحيح للتعامل مع الصراع، مشددًا على أنه يجب عدم معاقبة المدنيين الفلسطينيين، وأنه ينبغي لهم البقاء في أراضيهم، وأشار إلى أهمية منح السلطة الفلسطينية القدرة على حكم قطاع غزة والضفة الغربية، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه من السابق لأوانه مناقشة أي تفاصيل حول هذه القضية، كما أكد أن هذه المسألة يجب أن يحددها الشعب الفلسطيني، وأعرب عن رأي مصر بأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير يمثلان ممثلين شرعيين للشعب الفلسطيني.
وفيما يتعلق بالتطورات الحالية، عبرت مصر عن قلقها وقد قامت بتوجيه تحذيرات إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشأن تداول اللاجئين الفلسطينيين نتيجة للعملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب غزة، وأفادت تقارير بأن مسؤولين مصريين قد أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين بقلقهم الكبير حيال احتمال تداول اللاجئين عبر حدود سيناء، ما قد يؤدي إلى تأثير كبير وسلبي على العلاقات بين مصر و"إسرائيل"، وتشدد مصر على عدم السماح بنقل اللاجئين إليها خلال العمليات العسكرية في غزة، معتبرة ذلك انتهاكًا للقانون الدولي.
تجربة تهجير جديدة
الفلسطينيون يعيشون تجربة تشبه تلك التي مروا بها خلال تهجيرهم الأول، حيث يعبرون عن تجاربهم بالقول إنهم سيظلون في منازلهم ولن يتركوها حتى في حالة تدخل من قبل الكيان أو الولايات المتحدة وأي دولة أخرى، يتذكرون التهجير الذي تعرضوا له من منازلهم وقراهم إلى قطاع غزة، الذي أصبح واحدًا من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في العالم، عاشوا الحروب والمجازر الإسرائيلية على مر العقود، ولا يزالون يتحملون أعباء تلك التجارب حتى اليوم.
وتاريخ تشريد الفلسطينيين جزء أليم ومثير للجدل في التاريخ الحديث، يعود تشريدهم إلى حوالي 700 ألف فلسطيني خلال النكبة في عام 1948، حيث تعرضوا للتهجير وفقدان منازلهم خلال فترة إقامة الكيان الإسرائيلي، وأجبرت الظروف العديد منهم على اللجوء إلى الدول العربية المجاورة، حيث يقيمون اليوم وأحفادهم، رغم التاريخ المؤلم لتشريدهم، ترفض "إسرائيل" الاعتراف بحقيقة طرد الفلسطينيين وتدعي أنها تعرضت لهجمات من خمس دول عربية بعد تأسيسها.
وتجد "إسرائيل" نفسها في صراع حاليًا، حيث تشن هجمات قوية على المدنيين العزل وتعهد بمحاولة القضاء على حركة حماس في قطاع غزة، كرد على هجمات قام بها مقاتلون من حماس، يتزايد التوتر وتتسارع الأحداث، وهناك خطر متزايد على السكان المدنيين في القطاع، وتصف "إسرائيل" عمليات التهجير الجماعي باعتبارها "لفتة إنسانية" لحماية السكان الذين دمرت منازلهم فوق رؤوسهم، بينما تستمر في محاولة القضاء على مقاتلي حماس، وحذرت الأمم المتحدة من أن نقل أعداد كبيرة من الأشخاص بأمان داخل القطاع المحاصر قد يسبب كارثة إنسانية.
ويشير الإجرام الإسرائيلي الحالي إلى تدهور الوضع الإنساني في غزة، حيث يغادر الكثيرون من سكان القطاع منازلهم للجوء إلى مناطق آمنة داخل القطاع، يحمل الصراع معه تأثيرات كبيرة على السكان المدنيين ويثير قلقًا حول حجم الكارثة الإنسانية الممكنة، وقضية اللاجئين الفلسطينيين تظل واحدة من القضايا المعقدة والمثيرة للجدل في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية المتوقفة، ويصر الفلسطينيون والدول العربية على أهمية أن يشمل أي اتفاق سلام حق عودة هؤلاء اللاجئين وأحفادهم، بينما ترفض قوات الاحتلال هذا الأمر بشكل دائم، يعتقد أهالي غزة أن هناك مؤامرة من الولايات المتحدة و"إسرائيل" لتهجير الفلسطينيين إلى مصر أو الأردن، على الرغم من عدم وجود أي دليل على أن مصر أو الأردن تعتزمان فتح أبوابهما للاجئين الفارين من غزة، يؤكد سكان غزة على قرارهم بالبقاء في القطاع ومواجهة الاستيطان الإسرائيلي واحتلال الأراضي الفلسطينية بمقاومة دائمة ومستمرة، يشجعون من قبل الشعوب الأخرى على مواصلة المقاومة بأي وسيلة ضد الاحتلال، مهما كان الثمن.