اهتمام قليل بالانتخابات المصرية
على مدار الأسابيع الأخيرة، تراجعت التغطية الإعلامية والاهتمام العام بالانتخابات الرئاسية الرابعة في مصر، التي تعود إلى الـ25 من يناير (كانون الثاني) 2011، حين قادت ثورة إسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، كانت هذه التراجعات نتيجة تركيز الانتباه على التطورات في قطاع غزة نتيجة للتصعيد الحالي، وباستثناء بعض اللافتات الانتخابية في الميادين والشوارع الرئيسية، التي تحمل غالبًا صور الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، لم يُعقَد مناظرات بين المرشحين ولم تحدث مؤتمرات جماهيرية ضخمة بشكل ملحوظ، وكان لافتًا عدم مشاركة الرئيس السيسي في أي فعالية انتخابية أو ظهور إعلامي للحديث عن برنامجه الانتخابي.
وتبدأ عملية الاقتراع اليوم الجمعة وتستمر لمدة ثلاثة أيام للمصريين في الخارج، ومن المقرر أن تُجرى في الداخل خلال أيام 10 و11 و12 من الشهر نفسه، يليها إعلان النتائج في 18 ديسمبر، إذا تم حسم السباق في الجولة الأولى، وفقًا للجدول الزمني المعلن من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، ويشهد السباق الرئاسي الحالي منافسة بين الرئيس السيسي ورئيس حزب الوفد عبدالسند يمامة ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، الذي يعتبر نفسه المعارض الوحيد للسلطة الحالية، ودخل المنافسون في السباق الانتخابي بتأييد قوي من أعضاء البرلمان، وفي المقابل، فشل النائب السابق أحمد الطنطاوي، وهو من أبرز وجوه المعارضة في الفترة الأخيرة، في الحصول على الدعم الكافي للترشح.
وتتباين الدعوات بين دعوات "عدم المشاركة" وأخرى تحث على "ممارسة حق المواطن الدستوري والمشاركة في تشكيل مستقبل البلاد" من خلال تفعيل حضوره فيما يُعتبر "اختياره"، وتترقب الأنظار نسب المشاركة المتوقعة في الانتخابات الحالية، إذ تُعتبر هذه النسب عاملاً مهمًا في تشكيل المسار السياسي للبلاد خلال السنوات الست القادمة، وفي ظل الحرب الجارية في غزة وتفاقم الأزمة الاقتصادية، يتباين موقف المواطن المصري بين مؤيد ومعارض للمشاركة في الانتخابات المقبلة، تزايدت التوترات بين المؤيدين والمعارضين، وخاصة بعد دعوة تسعة أحزاب من الحركة المدنية في مصر إلى "عدم المشاركة" في الانتخابات، احتجاجًا على ما اعتبروه "انتهاكات" في مرحلة جمع التوكيلات، وخصوصاً بعد فشل البرلماني السابق أحمد الطنطاوي في جمع الدعم الكافي من المواطنين، وهذا الوضع أدى إلى انقسام داخلي في الحركة المدنية، حيث قام حزبا "المصري الديمقراطي الاجتماعي" و"العدل" بتجميد عضويتهما فيها نتيجة لموقفهما من الانتخابات الرئاسية.
وعلى الجانب الآخر، شددت السلطات المصرية والأحزاب الموالية لها جهودها لتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات، قادت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، سها جندي، جولة خارجية لتحفيز المواطنين في الخارج ضمن حملة "شارك بصوتك"، كما أعلنت وزارة الشباب والرياضة مبادرة تحمل شعار "شارك الكلمة كلمتك" بهدف تعزيز المشاركة، في هذا السياق، نظمت أحزاب تؤيد الرئيس السيسي مؤتمرات عامة في محافظات مختلفة، ونظمت الحملة الرسمية للسيسي لقاءات مع ممثلين لفئات متنوعة لتشجيع المواطنين على المشاركة، كما حث مدير حملة السيسي، محمود فوزي، المصريين على التصويت خلال مؤتمر صحفي، قائلاً: "انزلوا لصناديق الاقتراع، وانتصروا لوطنكم، وعبروا عن أحلامكم".
اختلاف في وجهات نظر المحللين
فيما يتسارع التباين في وجهات النظر، يختلف مراقبون حول جدوى المشاركة الانتخابية في هذا الوقت، يرى وكيل مؤسسي الحزب الليبرالي المصري، شادي العدل، أن "مقاطعة الانتخابات تُعَدُّ جريمة سياسية، إذ إنها تُفقِدُ التيار أو الحركة أو الحزب السياسي قدرته على التواصل مع الشارع بصورة كبيرة"، معتبراً أن "الخيار الأفضل هو المشاركة حتى لو عبر إبطال الناخب صوته، والذي يُعَدُّ في النهاية موقفاً سياسياً"، وفيما يتسارع التباين في وجهات النظر، ويختلف المراقبون حول جدوى المشاركة الانتخابية في هذا الوقت، فالبعض يرى أن "مقاطعة الانتخابات تُعَدُّ جريمة سياسية، إذ إنها تُفقِدُ التيار أو الحركة أو الحزب السياسي قدرته على التواصل مع الشارع بصورة كبيرة"، وأن "الخيار الأفضل هو المشاركة حتى لو عبر إبطال الناخب صوته، والذي يُعَدُّ في النهاية موقفاً سياسياً".
ويضيف البعض إن "مشاركة المواطنين في الانتخابات وممارسة حقهم الدستوري يعزز من الثقافة السياسية لديهم ويجعلهم مشاركين بصورة رئيسة في صياغة مستقبل بلادهم"، وأن الموقف الذي أعلنته الحركة المدنية بـ"عدم المشاركة" يعد تراجعاً عن توجهاتها بصورة واضحة بعد عدم ترشح أحمد الطنطاوي، ويضيف "أثناء سعي المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي إلى استكمال أوراق ترشحه اجتمعت الحركة المدنية، والتي هو جزء منها، برموزها وأعضائها الذين من بينهم الطنطاوي والمرشحان المحتملان حينها فريد زهران وجميلة إسماعيل (رئيسة حزب الدستور)، وتوصل المجتمعون إلى دعم من يستكمل السباق حتى نهايته.
إلا أن القائمة النهائية للمرشحين ضمت فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فيما انسحب الآخرون، وفوجئنا في النهاية بقرار الحركة عدم دعم أي مرشح وعدم المشاركة، ما يعني في النهاية أن موقف الحركة كان إما دعم الطنطاوي وعدم دعم أحد، وهو ما أثر في الحركة المدنية ومستقبلها في الحياة السياسية المصرية"، وفي سياق مختلف، يؤكد المتحدث باسم الحركة المدنية، خالد داوود، في حديثه معنا أنه لم تكن هناك دعوة من الحركة المدنية إلى مقاطعة الانتخابات، بل كانت دعوة من مجموعة من أحزاب الحركة إلى عدم المشاركة، وذلك في ظل المشكلات التي واجهت حملة أحمد الطنطاوي خلال الأشهر الماضية أثناء محاولته الدخول في انتخابات الرئاسة.
وفيما يتعلق بأحمد الطنطاوي، فإنه لم يتمكن من جمع التوكيلات اللازمة للمشاركة في سباق الانتخابات، وقد أرجع الأمر في الـ13 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى ما وصفه بـ"التضييقات الواسعة والممنهجة" ضد حملته، كما اتهم الحكومة بـ"منعه بصورة مباشرة" من التنافس في الانتخابات، ومع ذلك، نفت الهيئة الوطنية للانتخابات في أكثر من مناسبة وجود أي عراقيل وأكدت "التزامها الحياد"، وتُفسر المقاطعة الحالية على أنها مقاطعة سلبية، أي إنها ليست جزءًا من خطاب سياسي وحملات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، ولكن الوضع في مصر يُظهر أن المقاطعة والعزوف عن المشاركة هي جزء من الثقافة السياسية السائدة.
ويرى آخرون أن الانتخابات في مصر غالبًا ما تكون محسومة مُسبقًا لمصلحة أي مرشح يحظى بدعم من الدولة، ومع الأوضاع الحالية، يُفسرون أن الكثيرين يرون أن الانتخابات محسومة لمصلحة الرئيس السيسي، ما يجعل عددًا كبيرًا من الناس غير مهتمين بالمشاركة، ويضيف البعض الآخر إن تأثير الحرب في غزة وتصدرها للأحداث يزيد من تقليل الاهتمام بالانتخابات في الوقت الحالي، وهو ما قد يجعل معدل المشاركة التصويتية محدودًا، وفي الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت عام 2018، شارك 24،3 مليون ناخب من إجمالي 59،1 مليون مواطن يحق لهم التصويت، بنسبة مشاركة بلغت 41،05 في المئة.
الحرب على غزة أولوية أكبر
يشير الكثيرون إلى تأثير الحرب الحالية في قطاع غزة بين "إسرائيل" والفصائل الفلسطينية على زخم الانتخابات المصرية وتراجع الاهتمام العام بها، ويعتبر محللون أن الحرب في غزة أدت إلى فقدان الانتخابات للكثير من الزخم والاهتمام، ولكنه في الوقت نفسه، يُظهر أن هذا الضعف في الزخم خدم الرئيس الحالي، حيث أدى إلى تقليل حدة الانتقادات الموجهة نحو سياساته الداخلية والاقتصادية، ما يعني أن قضية غزة أصبحت أولوية على حساب الأزمة الاقتصادية، وهو أمر يعكس الاتجاه الطبيعي في كثير من الدول عندما يظهر إحساس بالتهديد الخارجي، حيث يتجه الناس نحو دعم القيادة في مثل هذه الظروف، في الوقت الحالي، يُعتبر تهديد الأمن القومي المصري نتيجة لحرب غزة وجهود "إسرائيل" المستمرة لنقل سكان القطاع إلى سيناء المصرية.
ومن جهة أخرى، يشير وكيل مؤسسي الحزب الليبرالي المصري شادي العدل إلى عدم تفاؤله بزيادة نسب المشاركة في الانتخابات، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها الحرب الجارية في قطاع غزة بين "إسرائيل" والفصائل الفلسطينية، وتأثيرها المباشر على الأمن القومي المصري، وتوضح تصريحات البعض أن أحداث الحرب في قطاع غزة قد أخذت من حيز الاهتمام العام في مصر، وأن الحديث الرئيسي في الشارع المصري تحول إلى تطورات الحرب بدلاً من الانتخابات، وأن هذا التزامن مع الأحداث الإقليمية قد أضعف بشكل كبير الاهتمام بالعملية الانتخابية.
الخلاصة، هناك عدة عوامل أخرى قد تقلل من نسب المشاركة، بما في ذلك إهمال الشباب من قبل الدولة والأحزاب، ما قد يقود الشباب إلى الابتعاد عن المشاركة الانتخابية، كما يشير إلى شعور بعض المواطنين بحالة من الإحباط والشك بشأن إمكانية حدوث أي تغيير فعّال من خلال الانتخابات الحالية، ما قد يكون دافعًا لعدم المشاركة، وتعبر وجهات نظر البعض عن تأثير مختلف للحرب على غزة على مشاركة المواطنين في الانتخابات الرئاسية، وأن الأحداث في غزة قد كشفت عن حجم المؤامرات والضغوط التي تواجهها مصر من العالم، ويعزون الحرص المتزايد على الأمن والاستقرار لتصاعد التهديدات، وخاصة بعد تصريحات الكيان حول نية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ويتوقع البعض أن تكون هناك مشاركة قوية في الانتخابات بسبب حجم الإنجازات التي حققها الرئيس السيسي وبسبب الوعي المتزايد بالتحديات الأمنية والضغوط الدولية التي تواجه مصر، ويرون أن المواطنين قد يرون في المشاركة الفعّالة في الانتخابات وسيلة للدفاع عن أمن البلاد والتصدي للتحديات.