قيل الكثير عن الاسباب التي كانت وراء عدم تمكن الاطراف المعنية من تمديد الهدنة، ولكن كان واضحا ان قرار عدم تمديد الهدنة قد اتخذ في واشنطن، وان القرار نقله الى زعماء الكيان الاسرائيلي، وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن، الذي وصل الاراضي الفلسطينية المحتلة يوم الخميس الماضي، ولم يمض سوى ساعات على لقائه برئيس الكيان الاسرائيلي إسحق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تل أبيب والقدس، حتى استأنفت قوات الاحتلال عمليات القتل الممنهجة للمدنيين الفلسطينيين، وبشكل اكثر وحشية وقسوة.
كل ما قيل عن وجود خلاف في المواقف بين الادارة الامريكية وحكومة نتنياهو، ازاء تمديد الهدنة، لم يكن سوى ذر للرماد في العيون، بل ان كل ما قيل عن وجود تمرد داخل الادارة الامريكية، وخاصة في وزارة الخارجية الامريكية، ازاء سياسة الرئيس الامريكي جو بايدن، بسبب دعمه المطلق لـ"اسرائيل" في عدوانها على غزة، وما ترتكبه من فظائع، يندرج ايضا في سياق لعبة تبادل الادوار بين الامريكيين و"الاسرائيليين"، وهذا ما بدا واضحا من كلام بلينكن مع "الاسرائيليين"، كما نقل الاعلام الاسرائيلي، عنه انه خاطبهم قائلا، ان"امامكم أسابيع، وليس أشهرا"، واللافت انه لم ينس ان يذكر نتنياهو، بضرورة حماية المدنيين في جنوب القطاع في حال استؤنف القتال وتجنب الحاق الأذى بهم!.
منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، كان اكثر وضوحا في تصريحاته من بلينكن، عندما اكد وبشكل لا لبس فيه:"إذا قررت إسرائيل العودة لضرب حركة حماس فسنواصل دعمنا لها في ذلك".
يرى بعض الخبراء، ان الضوء الاخضر، الذي منحته امريكا لنتنياهو برفض الهدنة واستئناف الحرب في غزة، جاء بعد رأت امريكا ان فترة الـ50 يوما التي منحتها للكيان الاسرائيلي لتحقيق اهدافه في غزة، كانت طويلة جدا، ولم تحقق اي هدف، كما انها كلفت امريكا أثمانا سياسية باهظة على الصعيد الدولي، لدعمها الاعمى لـ"اسرائيل"، لذلك يرى هؤلاء الخبراء، ان يكون الهجوم هذه المرة بمشاركة امريكية مباشرة ومكثفة، بهدف الوصول اتفاق يصب باكمله في صالح الكيان الاسرائيلي، ويتم باسرع ما يمكن، تفرضه امريكا على حماس، تحت ضغط القصف المكثف على المناطق السكنية.
كما ان امريكا رأت ان عمليات تبادل الاسرى خلال الهدنة، نسفت الرواية الاسرائيلية الامريكية، وعززت مصداقية وانسانية المقاومة، امام الراي العام العالمي ، لاسيما في الغرب وخاصة امريكا، لذلك اتخذت الاخيرة ايضا قرار استئناف الهجمات على غزة، للتغطية على فضيحتها وفضيحة "اسرائيل"، الا ان الذي تناسته امريكا، وهي تغرق في وحل غزة، ان الكيان الاسرائيلي لا قبل له في الدخول في حرب طويلة الامد، فكلما طال امد الحرب في غزة، كلما زاد الرافضون لها داخل الكيان، لانهم يعرفون انهم غير قادرين على خوض حرب طويلة، فهذا الكيان ورغم سياسة الارض المحروقة التي مارسها في غزة، خلال 50 يوما، لم يفرض سيطرته الا على مناطق ضيقة على اطراف القطاع، وهذا ما أكدته عمليات تبادل الاسرى، حيث ظهر العديد من مقاتلي حماس، خلال عمليات تبادل الاسرى، في مناطق مختلفة من غزة، كان جيش الاحتلال، زعم انه سيطر عليها خلال هجومه البري، لذلك نعتقد ان الايام القليلة القادمة، ستشهد عودة بلينكن، او مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" ويليام بيرنز، الى المنطقة، لا لفرض شروطهم، بل لاستجداء هدنة جديدة مع حماس، فأسراهم لن تحررهم الحرب ابدا، ولا سبيل امام بايدن ونتنياهو، لتحريرهم، الا بوقف اطلاق النار، واطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين.