0
الجمعة 1 كانون الأول 2023 ساعة 17:51

جرائم حرب في غزة... هل يفلت كيان الاحتلال من العقاب كالعادة؟

جرائم حرب في غزة... هل يفلت كيان الاحتلال من العقاب كالعادة؟
دعوات أممية للتحقيق في جرائم حرب ارتكبها كيان الاحتلال في غزة

في رابع أيام الأهدنة الإنسانية المؤقتة دعا خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيقات مستقلة في "ادعاءات حول ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" من كل الأطراف منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وهجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأكد بيان مشترك صادر عن موريس تيدبول بينز، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعنيّ بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، وأليس جيل إدواردز المقررة الخاصة المعنية بالتعذيب، على الحاجة إلى إجراء "تحقيقات سريعة وشفافة ومستقلة" والمحاسبة.

وقال البيان "يجب منح المحققين المستقلين الموارد اللازمة والدعم والوصول المطلوب لإجراء تحقيقات سريعة وشاملة ومحايدة، في الجرائم التي يُزعم أن جميع أطراف النزاع ارتكبتها".

وحسب الخبراء فإن "واجب التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك أي عمل من أعمال القتل بإجراءات موجزة أو خارج نطاق القضاء، أو التعذيب أو غيره من الاعتداءات على الكرامة الإنسانية، هو التزام قانوني أساسي".

ومن الجدير بالذكر أن الخبراء الأمميين مستقلون لا يتحدثون نيابة عن الأمم المتحدة فهم معينون من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وفي هذا السياق كانت جهات حقوقية عديدة بينها منظمة العفو الدولية و"مراسلون بلا حدود" والمقررة الأممية لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيز وغيرهم، قد تحدثوا عن أدلة دامغة لجرائم حرب ارتكبتها "إسرائيل" في حربها التي انتهكت القانون الدولي الإنساني على قطاع غزة.

جرائم الحرب حسب القانون الدولي الإنساني

بموجب القانون الدولي الإنساني، يجب على جميع أطراف النزاع، في جميع الأوقات، التمييز بين المدنيين والأعيان المدنية، والمقاتلين والأهداف العسكرية، وتوجيه هجماتهم فقط على المقاتلين والأهداف العسكرية؛ فالهجمات المباشرة على المدنيين أو الأعيان المدنية محظورة، وتُعتبر جرائم حرب، كما تُحظر أيضًا الهجمات العشوائية – تلك التي لا يمكن أن تميّز بين ما هو مدني وما هو عسكري على النحو المطلوب، وعندما يؤدي هجوم عشوائي إلى مقتل أو إصابة مدنيين، فإنه يرقى إلى جريمة حرب، كما يُحظر أي هجوم غير متناسب – وهو الهجوم الذي يكون فيه الضرر المتوقع للمدنيين والأعيان المدنية مفرطًا “في تجاوز ما يُنتظر أن يسفر عنه من ميزة عسكرية ومباشرة”، إن شن هجوم غير متناسب عن علم هو جريمة حرب، وحسب منظمة العفو الدولية فإن القوات الإسرائيلية نفذت هجمات انتهكت القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك عن طريق التقاعس عن توخي الاحتياطات الممكنة لدرء الخطر عن المدنيين، أو عن طريق شن هجمات عشوائية لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية، أو القيام بهجمات ربما كانت موجهة مباشرة ضد أعيان مدنية.

أدلة دامغة

محو عائلات بأكملها؛ في حوالي الساعة 8:20 مساءً، من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، شنت القوات الإسرائيلية غارة جوية على مبنى سكني مكون من ثلاثة طوابق في حي الزيتون بمدينة غزة، حيث كانت تقيم ثلاثة أجيال من عائلة الدوس، وقُتل في الهجوم 15 من أفراد الأسرة، منهم سبعة أطفال؛ ومن بين الضحايا عوني وابتسام الدوس، وأحفادهما عوني (12 عامًا)، وابتسام (17 عامًا)؛ وعادل وإلهام الدوس وأبناؤهما الخمسة، وكان الطفل آدم، الذي لم يتجاوز عمره 18 شهرًا، أصغر الضحايا.

وأخبر محمد الدوس، الذي قُتل ابنه راكان البالغ من العمر خمس سنوات في الهجوم، منظمة العفو الدولية:

“نزلوا قنبلتين فجأة على سطح المبنى ودمروه دماراً شاملاً، كنت أنا وزوجتي محظوظين وظلينا عايشين لأننا كنا في الطابق الأخير، وكانت زوجتي حاملاً في الشهر التاسع، وولدت بمستشفى الشفاء بعد يوم من الهجوم، تدمرت عيلتنا كلها".

وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلة مع أحد جيرانه الذي تضرر منزله في الهجوم، ومثل محمد الدوس، قال إنه وعائلته لم يتلقوا تحذيرًا من القوات الإسرائيلية.

يدعم امتلاء المبنى بالمدنيين وقت الغارة الجوية شهادة الناجين الذين قالوا إن القوات الإسرائيلية لم تصدر أي تحذيرات، وقد استغرق انتشال الجثث من تحت الأنقاض أكثر من ست ساعات من الأقارب والجيران، وفرق الإنقاذ.

ولم يعثر بحث منظمة العفو الدولية على أي دليل على وجود أهداف عسكرية في المنطقة وقت الهجوم، وإذا هاجمت القوات الإسرائيلية هذا المبنى السكني، علمًا منها بوجود مدنيين فقط وقت الهجوم، فيكون ذلك هجومًا مباشرًا على أعيان مدنية أو على مدنيين، وهو أمر محظور، ويشكل جريمة حرب، ولم تقدم "إسرائيل" أي تفسير بشأن الحادث، مع أنّه يتعيّن على المعتدي إثبات شرعية سلوكه العسكري، ويُعتبر الهجوم عشوائيًا أيضًا، حتى لو استهدفت القوات الإسرائيلية ما اعتبرته هدفًا عسكريًا مشروعًا، بمهاجمة مبنى سكني، في وقت كان مليئًا بالمدنيين، في قلب حي مدني مكتظ بالسكان، بطريقة تسببت في سقوط هذا العدد من الضحايا المدنيين وهذا الدمار الهائل، تُعتبر الهجمات العشوائية التي تقتل وتصيب المدنيين جرائم حرب.

غارة جوية تقتل 12 فرداً من عائلة واحدة، في 10 أكتوبر/تشرين الأول، أسفرت غارة جوية إسرائيلية على منزل إحدى العائلات عن مقتل 12 فردًا من عائلة حجازي وأربعة من جيرانهم، في شارع الصحابة بمدينة غزة، وكان من بين القتلى ثلاثة أطفال، وذكر الجيش الإسرائيلي أنه ضرب أهدافًا لحماس في المنطقة، لكنه لم يقدم معلومات إضافية، ولم يقدم أي دليل على وجود أهداف عسكرية مشروعة، ولم يجد بحث منظمة العفو الدولية أي دليل على وجود أهداف عسكرية مشروعة في المنطقة وقت الهجوم، ما يشير إلى أن هذا قد يكون هجومًا مباشرًا على المدنيين أو على أعيان مدنية، وهو أمر محظور ويُعد جريمة حرب.

تحذيرات مضللة

وفي كثير من الحالات التي وثقتها منظمة العفو الدولية، وجدت مرارًا وتكرارًا أنّ الجيش الإسرائيلي إما لم يحذّر المدنيين على الإطلاق، أو أصدر تحذيرات غير كافية ومضللة، وفي بعض الحالات، أبلغ شخصًا واحدًا عن هجوم انتهى بتدمير مبانٍ بأكملها أو شوارع مكتظة بالناس، أو أصدر أوامر “إخلاء” غير واضحة، ما ترك السكان في حيرة من أمرهم بشأن الإطار الزمني، ولم تضمن القوات الإسرائيلية بأي حال من الأحوال توفير مكان آمن للمدنيين للجوء إليه، وفي إحدى الهجمات على سوق جباليا، غادر الناس منازلهم استجابة لأمر “الإخلاء”، ليُلاقوا حتفهم في المكان الذي فروا إليه.

في 8 تشرين الأول/أكتوبر، شنت القوات الإسرائيلية غارة جوية على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل محمد وشروق النقلة واثنين من أطفالهما، عمر، ثلاثة أعوام، ويوسف، خمسة أعوام، وإصابة ابنتهما مريم، البالغة من العمر عامَيْن، وابن أخيهما عبد الكريم، البالغ من العمر ثلاث سنوات، كما أصيب في الهجوم نحو 20 شخصًا آخرين.

وقال إسماعيل النقلة، شقيق محمد ووالد عبد الكريم، لمنظمة العفو الدولية إن جارهم تلقى مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي في حوالي الساعة 10:30 صباحًا، يحذر فيها من أن المبنى الذي يسكنه على وشك التعرّض للقصف، فغادر إسماعيل ومحمد وعائلتاهما المبنى على الفور، كما فعل جيرانهما، وبحلول الساعة 3:30 مساءً، لم يحدث أي هجوم، لذا عادت عائلة النقلة، وآخرون إلى منازلهم لجمع الضروريات، وأوضح إسماعيل أنهم اعتقدوا أن ذلك آمن بعد مرور خمس ساعات على التحذير، لكنهم كانوا ينوون المغادرة بسرعة فور جمع أغراضهم.

أثناء عودتهم إلى شققهم، استهدفت غارة المبنى المجاور، فدمرت منزل عائلة النقلة وألحقت أضرارًا، بمنازل أخرى قريبة، وكان محمد وعائلته لا يزالون في باحة المبنى الذي يسكنون فيه عندما قُتلوا. ووصف إسماعيل رؤية جزء من دماغ ابن أخيه يوسف البالغ من العمر خمس سنوات “خارج رأسه”، وقال إن انتشال جثة عمر البالغ من العمر ثلاث سنوات من تحت الأنقاض لم يكُن ممكنًا قبل اليوم التالي، وأبلغ منظمة العفو الدولية أن الطفلَيْن الناجيَيْن مريم وعبد الكريم، خرجا من المستشفى سريعًا لأن مستشفيات غزة مكتظة بالضحايا.

لا يعفي توجيه إنذار القوات المسلحة من التزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولي الإنساني، وبالنظر إلى الوقت الذي انقضى منذ صدور الإنذار، كان ينبغي على منفذي الهجوم التأكد من وجود مدنيين قبل الشروع في الهجوم، علاوة على ذلك، إذا كان هذا، كما يبدو، هجومًا مباشرًا على هدف مدني، فهو جريمة حرب.

قصف مركّز لقوات الاحتلال على المناطق المكتظة بالمدنيين

راجع مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية ستة مقاطع فيديو تظهر آثار الغارة الجوية على سوق مخيم جباليا، وتظهر الصور منطقة مكتظة بالسكان وبها مبانٍ متعددة الطوابق، وتُظهر مقاطع الفيديو، وصور الأقمار الصناعية، ما بعد الحادث، ما لا يقل عن ثلاثة مبانٍ متعددة الطوابق مدمرة بالكامل، كما لحقت أضرار جسيمة بالعديد من المباني في المناطق المحيطة، وشوهدت العديد من الجثث تحت الأنقاض في اللقطات المصورة، بناءً على شهادات الشهود وصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو الموثقة فإن الهجوم الذي أسفر عن خسائر كبيرة في أرواح المدنيين كان عشوائيًا، ويجب التحقيق فيه على أنه جريمة حرب واضحة.

قصف مشفى المعمداني و اقتحام مستشفى الشفاء جرائم حرب

بلغ الاستخفاف لدى الاحتلال بردود الفعل العالمية إلى أن قصف جيش الاحتلال مستشفى المعمداني في غزة ما أدى إلى استشهاد 500 فلسطيني وإصابة 28 بجروح حرجة، و314 آخرين بجروح مختلفة.

فيما اعتبر مركز "بتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي، أن قصف مستشفى الشفاء في مدينة غزة، "جريمة حرب"، ادعت "إسرائيل" بأن حماس اختارت إنشاء قاعدة عسكرية تحت المستشفى لكن هذه الادعاءات "لا تمنح إسرائيل تصريحا بأن تقوم بقصف المستشفى"، لأن القصف "سيؤدي إلى المس بالمواطنين بصورة مرعبة، وغير محتملة وسيشكل جريمة حرب"، حيث إن قوات الاحتلال ملزمة بالتمييز بين المواطنين المدنيين والمقاتلين، وبالامتناع عن تنفيذ هجمات تمس بالمواطنين، و لا سيما حين يكون هؤلاء المواطنون مرضى، جرحى وعاجزين، وكانت حركة "حماس" نفت مرارا ادعاءات الجيش الإسرائيلي عن وجود مركز لها أسفل المستشفى، ودعت إلى تشكيل لجنة دولية لزيارة مستشفيات غزة للتحقق من رواية "إسرائيل" "الكاذبة" بشأن استخدام الحركة لمستشفى الشفاء، كمواقع "مقاومة".

التهجير القسري جريمة حرب

 ويتعرض الفلسطينيون منذ 75 عاما للتهجير القسري الذي يصنف أيضا كجريمة ضد الإنسانية، وهو سياسة ممنهجة يمارسها ضدهم الاحتلال الإسرائيلي منذ نكبة عام 1948.

فيما يُشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في آخر تحديث لبياناته أن ما يقرب من مليون و400 ألف فلسطيني، بقطاع غزة قد أجبروا على ترك منازلهم، بعد أن تم تدميرها بالكامل إثر القصف الجوي لقوات الاحتلال، نصفهم يوجد في مراكز الإيواء وخاصة بمدراس وكالة الغوث الدولية.

كما ألقى الطيران الإسرائيلي منشورات فوق مناطق شمال غزة تأمر سكانها بالتحرك صوب الجنوب، وتم إرسال تحذيرات عبر الهواتف المحمولة في أنحاء قطاع غزة.

ومن ثم، تُعد هذه الانتهاكات جريمة إسرائيلية جديدة ضد الإنسانية تستهدف تهجير سكان غزة من المدنيين قسراً، وإجبارهم على ترك منازلهم دون مبررات يسمح بها القانون الدولي

ختام القول، يبدو الإرهاب أصيلاً في بنية الأيديولوجية الصهيونية، ولأنها استعمار استيطاني يسعى للتخلص من السكان الأصليين، كان يُدرك مُنظِّروها أن أصحاب الأرض سيقاومون، وبالتالي جعلوا قتل الأمل لدى الفلسطينيين، إحدى آليات محاولة إنشاء جدار من الخوف والرعب فيهم، لذلك فإن واشنطن و جميع الدول الداعمة للكيان الصهيوني يجب أن تكون أمام مساءلة جنائية لقيامها بالمشاركة في جرائم كيان الاحتلال، ومن الطبيعي أن اتخاذ الإجراءات القانونية ضد "إسرائيل" وداعميها يحتاج لإرادة وطنية فلسطينية، ومتابعة من القانونيين أمام المحاكم والهيئات الأممية ذات الصلة على الرغم من أن المنظومة الدولية ما زالت أعجز من أن تُحاسِب أو تعاقب الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت الولايات المتحدة توفر للاحتلال حماية وغطاء لجرائمه، وما زالت البيئة العربية والإسلامية ضعيفة ومفككة وأفشل من أن تفرض إرادتها دولياً.
رقم : 1099511
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
طوفان الأقصى حرر العقول
22 تشرين الثاني 2024
إخترنا لکم