حملت الثورة المباركة معها منظومة تغييرية على كافة الصعد سيما بواقع المرأة في إيران فقد غدت بعد انتصار الثورة الشريك الأساس في بناء الدولة سيما وانها لعبت الدور الحيوي والهام في إنجاح هذه الحركة التغييرية التاريخية, حول هذه القضية كان للدكتورة دلال عباس الاستاذة والمترجمة في الجامعة اللبنانية هذا الرأي:
" إن قضية المرأة لدى الإمام الخمي ني (حقوقاً وواجبات ودورًا ومكانة...) لا تنفصل عن تصوره العام للمجتمع الإسلامي عمومًا، فثمة حضور مباشر لها في أعماله كافة، والمرأة مفردةً من مفردات مشروعه الفكري والاجت هادي تتكرّر في إنتاجه المختلف، سواءً قصد المرأة تحديدا أو استخدم المرأة أنموذجا لضرب الأمثلة أو للوعظ والتوجيه. في كتابه الأشهر "الح كو مة الإسل امي ة"، في سياق حديثه عن شروط الحاكم في زمن الغيبة، يتساءل الخميني (قده): إن لم يحدّد الله عزّ وجلّ شخصا للقيام بأمر الحكومة في ظل غياب الإمام، فهل يعني ذلك أن نتخلى عن الدين؟ يجيب بالنفي ضاربا مثلاً بوجود صفات أساسية متى توافرت وتحققت بها كفاية الشخص للحكم تثبت له الولاية، ويكون قيما على الأمة، لا يختلف دوزه عن دور المرأة القيمة على الصغار من الناحية الوظيفية والدور الجلل الذي تضطلع به، وقد شهد الوجود المكثف للمرأة في خطاب الإ مام الخمي ني تطورًا نوعيًّا من مرحلة إلى أخرى، فمن الحديث عن أحكام الزواج والطلاق في أربعينيات القرن الماضي، بدأ الخ مي ني في الخمسينيات مناقشة أزمة الوعي لدى المرأة المسلمة واستعادتها لذاتها ولهويتها . وقد اختلف نهج الإمام الخ مين ي عن نهج الاتجا هات الإس لامية السائدة خارج إيران التي كانت تقول بان الإسلام حزر المرأة وأعطاها حقوقها، من دون أن تفسر كيف تقرأ هذه المقولات العامة في ظل الواقع حيث عد في الخمسينيات قضية المرأة أنموذجا للمشكلة التي يعانيها المجتمع الإيراني، والتي لا تعود فقط إلى الاستبداد السياسي بفرض العلمانية فرضا على مجتمع متدين بطبيعته، بل أيضاً وهذا هو الأهم باستغراق أولي العلم يقصد الفقهاء في أحكام القضايا القديمة والمشكلات التي كان يعيشها مجتمع سابق بظروف مختلفة عن المجتمع المعاصر.
وعلى هذا النحو، فقد شخص الإمام الخميني قضية المرأة تشخيصا مركبا مزج فيه بين مسؤولية النخبة والمجتمع معا عن وضع المرأة، ولهذا كان حديثه عن المرأة بندًا ثابتا في كتبه ورسائله وخُطبه المتعلقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية، وجاء طرحه في هذا السياق أطروحة ضمن ح ركة تمكين المرأة التي بدأت مع نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، واستمرت خلال القرن العشرين. وكان ما قدمه الامام الخم يني (قده)في الواقع من محاولة تأصيله لحقوق المرأة بدأ مع اهتماماته الفقهيّة المرتبطة بالتجديد في الفقه الإسلامي والاجتهاد بصورة عامة".
اما عن دور الإمام الخم يني في إعادة الحقوق المستلبة إلى المرأة فتتابع د. عباس قائلة :" كان الإمام الخم يني يؤمن بأنّ الإسلام أولى المرأة اهتمامًا كبيرًا يكاد يفوق الاهتمام والعناية بالرجل: ومن أقواله في هذا المجال: "لقد قدم الإسلام للمرأة خدمات تفوق ما قدمه للرجل " و"إنّ العناية التي يوليها الإسلام للنساء تفوق العناية التي يوليها للرجال " ، و " إن مبدأ جميع السعادات ينطلق من حضن المرأة، وينبغي أن تكون المرأة مبدأ جميع السعادات "، و"المرأة مظهر تحقق آمال البشر، والمرأة هي التي تربي الرجال العظام والنساء العظيمات، فمن حضن المرأة يعرج الرجل ".
من هذا الإيمان بدور المرأة المنبثق من اعتقاد الإمام - كسائر علماء الشيعة بالمقام الشامخ للسيدة فاطمة الزهراء (ع)، كونها (وهي امرأة) قدوة لجميع المسلمين رجالاً ونساء، أعطى الإمام المرأة الإي رانية دورًا أساسيا في الثورة وفي العمل الاجتماعي والثقافي والسياسي، لم يسبق إليه في العالم الإسلامي. لذلك يمكننا القول، أنّه لو لم يكن الإما م الخميني هو قا ئد الثورة والمحضر والمنظر لها والمله م لصانعيها، ولو أنّ الذي قادها على سبيل الافتراض كان عالمًا آخر كبيرًا من علماء الحوزة، الذين كانت نظرتهم إلى المرأة نظرة دونية مستمدة من المفاهيم التقليدية والأعراف السائدة المنسوبة إلى الإس لام زورا، ومن ردات الفعل على ما كان يجري في إيران على يد رضا شاه أولا، ثم على يد ابنه باسم التحديث للمجتمع الإيراني، لكان وضع المرأة في إيران اليوم كوضعها في أفغانستان على أقل تقدير.".
ماذا عن دور المرأة الايرانية في انجاح الثورة المباركة وفي متابعة مسيرة الثورة من ناحية التطور والتقدم بكافة المجالات ان كانت تربوية سياسية اجتماعية، وهل فعلا تم الاعتماد عليها لنهضة الجمهورية الاسلامية؟
أشارت د. عباس أنه "لا بد من التوقف عند دورها في نجاح الثورة واستمراريتها : ما تجدر ملاحظته هنا هو الحضور الفاعل والراسخ للنساء في ساحة النض ال قبل انت صار الث و رة الإس لامية، وذلك في مق اوم تهن الصابرة لضغوط نظام الشاه وإيذائه لعوائلهن، وتحملهنَّ المخاطر والمشاكل، وتشجيع أزواجهن وأبنائهن وترغيبهم بالنضال، وتقديم المساعدة لهم في هذا المجال، كل ذلك كان عاملًا مؤثرًا في استمرار المسيرة نحو تكامل الثورة...
لقد وضع النظام الب هلوي المناضلين في السجون وعذبهم، وأغار على منازلهم، وكان يلجأ أحيانًا لإجبار المتهمين على الاعتراف، إلى إحضار زوجاتهم وأبنائهم وتعذيبهم أمامهم، ولكن كل هذه المعاناة لم تفتَّ فِي عَضُدِ النساء المؤمنات الصابرات. لقد تحملت زوجات المناضلين وأمهاتهم مسؤولية البيوت على عواتقهن، وتعرضن للأهوال والعقبات والخطر الدائم والمصائب واستشهاد أعزائهن...
في الواقع لولا هذا الصبر الإيماني، ولولا تأييد النساء للمناضلين ومساعدتهن لهم، ربما، ما كانت هذه الم قا و م ة قد استمرت، ولما ولدت هذه الجذور الصانعة للثورة. مع شروع المرحلة العامة للثورة التي بدأت مع شهادة السي د مصطفى الخميني، وكذلك نشر تلك المقالة المحيطة والمهينة [للإمام] في صحيفة "اطلاعات، صار حضور النساء لافتا للنظر وأكثر شمولية. فقد شاركت النساء مع أزواجهن وأولادهنّ في تلك المسي رات العظيمة، وعرضن صد ورهن لرص اص الج لادين، وهن يهتفن مطالبات بالح كم الإس لامي وسق وط الش اه، هذه المسيرات التي بدأت في مدينة "مشهد"، توسعت بسرعة في جميع المدن الإي رانية، وشاهد العالم حضور ملايين النساء المسلمات ومشاركتهن.
ان واقعة السابع عشر من شهريور 8 أيلول 1978م ، التي استشهد فيها آلاف النساء مع أطفالهن، هزت المعمورة، وعلى الرغم من مساعي الشاه للتعتيم على أبعاد هذه الفاجعة في العالم، إلا أن الصور والأخبار عمت جميع أنحاء الدنيا، ولم يتمكن نظام الشاه من الوقوف في وجه انتشار هذه الجناية وإعلانها. وعلى الرغم من استشهاد عدد كبير من الرجال في هذه الحادثة، إلا أن استشهاد النساء المظلومات البريئات كان له تأثير كبير في المجتمع، وأذى بدلاً من إفشال الانتفاضة - كما كان يريد الحكم إلى استمرار المسيرات والمظاهرات، وقد رفعت صور الشهي دات وأطفالهن، في أحياء المدينة التي يقطنها عموماً المتدينون ومتوسطو الحال.
وفي ذكرى الأسبوع وذكرى الأربعين خرجت مظا هر ات حاشدة من الرجال والنساء، بنت الشجاعة في نفوس الرجال وزادتهم إرادة وتصميما. كان حضور النساء في مسيرات التاسوعاء والعاشوراء من العام [1978م] التي تحولت إلى مظا هر ات ض د النظام الش اهن شا هي أكثر شمولية وبهاء، وتشير إلى الروحية العالية، والإرادة الصلبة، وعدم التواني لدى المرأة المسلمة التي كانت تطوي المسافات الطويلة، وهي تحتضن رضيعها، وتجر وراءها واحدًا أو اثنين آخرين، تسير ، وفي مواج ه تها الجنود المد ج ج ون بالأسلحة ينظرون إليها بوجوههم العابسة والمكفهرة، وطائرات الهليكوبتر تحلق فوق الرؤوس تهديدا، من دون أن يتسرب الهلع إلى قلبها، حتى أنهن كن يتعاملن مع الجنود المدججين بالأسلحة في الشوارع التي يصلن إليها كأمهات وأخوات حقيقيات لهم، وكن يدعونهنّ للانضمام إلى الأمة والتمرد على النظام الغاشم.
وتستطرد قائلة عن دور النساء بعد نجاح الثورة:
"استمر حضور النساء في الساحة السياسية بعد انتصار الثورة، وكان اندفاعهن اليومي نحو مقر إقامة الإمام في طهران وفي قم بيعة محكمة من النساء المؤمنات للقائد الذي كان يعرف آلام شعبه ومع اناته، وكنّ يُحببنه من أعماق وجودهن ويطعن أوامره. وحين جدّت احتياجات جديدة في المجتمع في أثناء الحرب المفروضة بين إيران والعراق، امتلات صفوف التدريب على الإسعافات الأولية، وعلى استخدام الأسلحة بالنساء؛ هؤلاء النساء أنفسهن كن منذ الشهور الأولى لبدء الحرب في مستشفيات الجبهات ووراء الجبهة، يقدمن الإسعافات
للجرحى والمصابين.
اذن كان للمرأة الايرانية الدور الاساس جنبا الى جنب الرجل في إنجاح الثورة المباركة وضحت بالكثير وقدمت ابنائها قرا بين لعزة وانتصار الجم هورية، ومنهن من اعتقلن واستشهدن وجرحن، امام كل هذه التضحيات والعطاءات كيف بادلها قادة الث ورة العطاء* ؟ تجيب الدكتورة دلال عباس قائلة :" نعم لقد شاركت المرأة كما ذكرنا في التحضير للث ورة. وكان لها دور فاعل في انتص ارها، لذلك كان من الطبيعي أن يردّ لها قادة الثورة الجميل، وأن يفسحوا في المجال أمامها للمشاركة في الحياة السياسية في الدولة الإسلامية، وكانت أولى الخطوات في هذا الطريق دعوة الإمام الخميني(قده) المواطنين جميعًا من دون استثناء، للمشاركة في الاستفتاء على النظام الجمهوري:" أذكركم أيها الأصدقاء الأعزاء بوجوب مشاركة النساء الشجاعات في جميع أنحاء البلاد في الاستفتاء، فالنساء اللواتي كان لهنّ تأثير أساسي إلى جانب الرجال بل أمامهم في انتصار الثورة، ستضمن مشاركتهنّ الفاعلة في الاستفتاء انتصار الأمة الإيرانية. إن المشاركة في الاستفتاء واجب ديني ووطني، وأنتن أيتها السيدات أحرار في إعطاء الرأي الذي ترونه... ومن واجب الشباب الغيورين أن يتجنبوا الغش وتزوير أراء الناس، وأن يكونوا أمينين في المحافظة على صناديق الأصوات لضمان نزاهة الاستفتاء".
بالطبع لم تمر هذه الحركة التغييرية العظيمة من دون تشكيك المتزمتين واعتراضهم أولئك الذين ركبوا قطار الثورة بعد نجاحها، ولم يكن لهم يد من قبل في التحضير لها، من الذين يحصرون دور المرأة في المنزل، ويتهمونها بالقصور والجهل والضعف بحيث يسهل التغرير بها... إلى الذين يفتون بتحريم مشاركة النساء في الترشيح للانتخابات أو في الانتخاب يقول الإمام: " هؤلاء الذين يفتون إذا كانوا مسلمين، فإننا نقول لهم، إن تخريب هذه الخدمات التي تؤذيها النساء من المعاصي الكبيرة " ، وطلب الإمام الخامنئي (دام ظ له) إلى هؤلاء أن يتعرفوا الإسلام الحقيقي، لأن من واجب المرأة الشرعي أن تتدخل في الدولة وأن تدافع عنها ، وأن تحافظ على حرمتها".