وشدد ولايتي على أن إيران والسعودية، باعتبارهما قوتين إقليميتين ودوليتين رئيسيتين، يمكنهما توجيه المعادلات الإقليمية والعالمية في اتجاه يضمن مصالح الدول الإسلامية.
وجاءت تصريحات المسؤول الإيراني الكبير في لقاء خاص بالجزيرة نت في مكتبه بطهران، تناول التطورات التي يشهدها الشأن الإيراني إقليميا، ولا سيما بعد الاتفاق مع السعودية والتطورات في الملف السوري والتوتر مع أذربيجان. وعلى الصعيد الدولي أوضح ولايتي موقف بلاده إزاء الحرب الأوكرانية.
وفي ما يلي نص المقابلة:
كيف تقيّم العلاقات بين إيران ومنطقة الشرق الأوسط بعد الاتفاق الأخير مع السعودية، وكيف تؤثر هذه المصالحة على أمن المنطقة؟
لم نشهد قط صراعا حقيقيا بين إيران وشبه الجزيرة العربية طيلة تاريخ الإسلام. كما أن وجود مكة المكرمة والمدينة المنورة في الحجاز، كان دائما سببا رئيسا لسعي البلدين للحفاظ على أمن هذه الأماكن المقدسة.
يحترم المسلمون المدن الإسلامية المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويشكل هاجس استمرار علاقتهم مع هاتين المدينتين سببا رئيسا للحفاظ على الأخوة فيما بينهم.
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، اشتدت الاستفزازات الأميركية والبريطانية في شبه الجزيرة العربية ضد إيران، وشهدت علاقات البلدين بعض التوترات، وإن كان التعاون والتفاعل بينهما يتزايد تدريجيا بجهود الجانبين، كما كان يسير في اتجاه التنمية والتعاون في فترات مختلفة.
وتقول المؤشرات إن تحسين العلاقات سيكون مستقرا ومستمرا بإذن الله، حيث أعيد فتح السفارات واستؤنفت الزيارات على مستويات مختلفة.
لا شك أن إيران والمملكة العربية السعودية دولتان مهمتان في المنطقة، وسيكون للمصالحة بينهما تأثير على المنطقة بأكملها كما كان للصراع بينهما تأثير كبير عليها. بالإضافة إلى ذلك، تعد إيران والمملكة قطبين مؤثرين في المنطقة الإستراتيجية والحساسة، ولكل منهما دور مهم في تطوراتها.
ما تقييمكم لاستقبال دول المنطقة الاتفاق بين إيران والسعودية وكيف سينعكس عليها؟
نرى أنه بالاتفاق بين إيران والسعودية، نشأت موجة إيجابية في المنطقة، واتجهت العلاقات بين دول الخليج والمنطقة إلى مزيد من الاستقرار والسلام.
يمكن لإيران والسعودية، باعتبارهما قوتين إقليميتين ودوليتين رئيسيتين، توجيه المعادلات الإقليمية والعالمية في اتجاه يضمن مصالح الدول الإسلامية.
وفي ظل وضع نشهد فيه تطورات جادة على الساحة الدولية خاصة في غرب آسيا (منطقة الشرق الأوسط) وتغير التوازنات والمعادلات، فإن مصالح الدول تقتضي أن تغتنم هذه الفرصة لحل المشاكل وخلق بيئة جديدة قائمة على مصالح دول المنطقة. ومن مصلحة دول المنطقة أن تتفاعل فيما بينها وتتحد ضد العدو المشترك أي الصهاينة.
ما تأثير الاتفاق مع السعودية على العلاقة مع الدول التي طبّعت مع إسرائيل؟
إن التغيير في سياسة السعودية ومواقفها تجاه الصهاينة ومؤيديهم تسبب في تغيير اتجاهات الدول الموالية للرياض أيضا، وإضعاف خطط التطبيع مثل اتفاقية "أبراهام".
ومن أسباب التغيير في موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه السعودية هو الموقف الأكثر واقعية للرياض ضد الصهاينة، ونأمل أن يؤدي استئناف العلاقات بين البلدين إلى استقرار الأمن والسلام بين الدول الإسلامية والعالم أجمع.
هل التقدم في العلاقات بين تركيا وسوريا يمثّل واقعا يمكن تحقيقه؟
المشكلة الأساس بين سوريا وتركيا تكمن في جزء من السياسات التركية تجاه سوريا. لا بد لتركيا من معرفة أن وجودها في جزء من الأراضي السورية لن يمكّنها من تحقيق أهدافها، وبعض هذه الأهداف غير مقبول كونه ضد سوريا.
وبالتأكيد، لا يمكن لأي بلد أن يقوم بتأليب دولة ضد أخرى، وأنقرة نفسها تعرف ذلك جيدا.
من طرفنا في إيران، نعارض مثل هذه الإجراءات، ونأمل أن يتم اتباع المبدأ الذي يحكم العلاقات بين دول المنطقة على أساس حسن الجوار وندعم ذلك دون أي تحفظات.
بعد حرب أوكرانيا، يبدو أن العلاقة بين إيران وروسيا تطورت بشكل ملحوظ، وأصبحت طهران متهمة بدعم موسكو في الحرب.. ما قراءتكم لهذا المشهد وهل العلاقة مع الصين بمستوى العلاقة مع روسيا؟
تطورت العلاقات بين إيران وروسيا بعد الثورة الإسلامية، وأصبحت الآن علاقات إستراتيجية، ورأينا أن البلدين طورا تعاونهما بشكل كبير.
ومن المؤكد أن نوعا من العلاقات الثلاثية الإستراتيجية بين إيران وروسيا والصين تتشكل تدريجيا، وهو أمر غير مسبوق في السياسة الخارجية للدول الثلاث. وقد أصبحت عضوية هذه الدول في "ميثاق شنغهاي" حاسمة للغاية ومؤثرة في التوازن والعلاقات الإستراتيجية.
أما التدريبات العسكرية المشتركة للدول الثلاث (إيران وروسيا والصين)، فهي بطريقة ما للدفاع عن أمنها ضد معاهدة "أوكوس" (Aukus) الجديدة بين أميركا وبريطانيا وأستراليا، وهذا الترتيب يحدد مستقبل التوازن الدفاعي في آسيا والمحيط الهادي.
هل علاقة إيران مع روسيا شراكة أم تحالف إستراتيجي؟
حاليًا، تعمل إيران وروسيا كشريكين اقتصاديين. وفي الواقع، الدولتان شريكتان إستراتيجيتان وليستا حليفتين إستراتيجيتين، لأن كلا البلدين يخضعان لعقوبات أميركا والدول الغربية الأخرى. إضافة إلى ذلك، أدت السياسات العدائية الأميركية ضد إيران وروسيا إلى قيام البلدين بتوسيع تعاونهما في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
ترحّب روسيا بتطور العلاقات مع إيران، خاصة العلاقات ضد أميركا والغرب، ومن ناحية أخرى، فإن نهج النظر إلى الشرق هو أحد الأسس الرئيسية لقوة جيش إيران الإسلامي لمواجهة أميركا وحلف شمال الأطلسي. هذا النهج، الذي اتبعته حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي بجدية، عزز توجّه روسيا نحو تطوير وتعزيز العلاقات مع إيران.
كيف تؤثر الاختلافات في وجهات النظر مع روسيا على العلاقة الإستراتيجية؟
تعتبر روسيا أن حرب الولايات المتحدة والناتو ضد إيران ومحاولات إضعاف الجمهورية الإسلامية تهديد لأمنها ومصالحها. وعلى الرغم من أننا قد نختلف مع روسيا في بعض القضايا، فإن هذه الاختلافات لا تضر بالعلاقة بين البلدين كشريكين إستراتيجيين.
تعمّقت العلاقات بين إيران وروسيا منذ التعاون بين البلدين في سوريا، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، وخاصة مع المشاركة في منظمات إقليمية ودولية مهمة مثل "منظمة شنغهاي للتعاون"، توسّع نطاق التعاون بيننا وبين الدول المهمة في المنطقة وأيضا تعاوننا مع الصين وجنوب القوقاز ومنطقة أوراسيا، بالإضافة إلى مناطق مهمة أخرى في العالم.
وبالطبع، نحن مدينون بجزء مهم من هذا النوع من العلاقات الودية والإستراتيجية لجهود الشهيد اللواء الحاج قاسم سليماني.
تشهد العلاقات الإيرانية الأذربيجانية توترات حقيقية.. ما تقييمكم لمستقبل هذه العلاقة؟
ليس لدينا أي مشاكل مع الشعب الأذربيجاني ونحمل تجاه بعضنا بعضا مشاعر القرابة. هناك عدد قليل من الدول التي لديها الكثير من القواسم المشتركة كما لدينا نحن وأذربيجان.
ونأمل أن يتفهم المسؤولون في باكو عمق العلاقات الأخوية والقواسم المشتركة بين الجانبين ويعرفون أن إيران لن تقبل أبدا بفرض التوتر في العلاقات بين الجارتين والدول الشقيقة.
بعد الاتفاق مع السعودية، هناك أنباء عن اتفاق مع مصر.. هل هناك مبادرات حقيقية؟
إن استئناف العلاقات بين إيران ومصر مهم للغاية من الناحية الإقليمية والسياسية، وفي ظل الاتفاق مع السعودية فيمكن أن يؤدي استئناف العلاقات مع مصر إلى تشكيل نظام جديد في المنطقة وفي العلاقات الدولية.
ومثلما يمكن للعلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، كدولتين قويتين في المنطقة، أن تكون لها تأثيرات عديدة في النظام الدولي، فإن العلاقات بين إيران ومصر ستكون بالتأكيد مهمة في التوازن الإقليمي وخلق قطب جديد في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
تتمتع إيران ومصر بخصائص فريدة في العالم من حيث الأهمية الإستراتيجية والجغرافيا السياسية، والتي يمكن أن تلعب دورا خاصا في تحسين مستوى الاستقرار والأمن في المنطقة من خلال استخدام هذه الطاقات. مثال على ذلك السيطرة على مضيقين إستراتيجيين في العالم، مما يمكن أن يزيد بشكل كبير من التفاعلات بين البلدين.
كما يمكن أن يؤدي التعاون والتبادل بين البلدين، خاصة في المجالات الفكرية والثقافية، إلى تقوية العلاقات بين العالم الإسلامي. ومن حيث المبدأ، لا توجد مشكلة في تطوير العلاقات بين البلدين، وتعتبر العلاقات العميقة الجذور بينهما عاملا فعالا في هذا المجال.