الرجل، لم يكن سوى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد البطل ، مهندس طوفان الاقصى، الشهيد يحيى السنوار. والمكان هو تل السلطان في مدينة رفح، والذي لا يبعد سوى عشرات الامتار عن موقع لقوات الاحتلال الاسرائيلي متقدم في غزة.
اللافت في الفيديو، هو ان كاميرا "كواد كوبتر" التي وثقت المشهد، توحي للمشاهد، وكأن "الموت" كان يخشى ان يقترب من السنوار المضرج بالدماء، فنظرات السنوار الثاقبة من وراء الغبار والاتربة، كانت وكأنها تزرع الرعب في "قلب الموت"، الذي كان يخشى ان يقع في قبضة السنوار، الذي قذفه بعصا كانت بيده.
كان الكيان الاسرائيلي، الذي فشل على مدى عام كامل في الوصول الى الشهيد السنوار، حاول خلال هذا العام التغطية على فشله وفشل حماته من الامريكيين والغربيين، من خلال الترويج لاكاذيب باتت معروفة بـ"السردية الاسرائيلية" التي كانت تقول ان السنوار يتخذ من الاسرى دروعا بشرية، الامر الذي جعل قوات الاحتلال تجد صعوبة في قتله، فاذا بالفيديو الذي بثته وسائل اعلام اسرائيلية، يقلب السردية رأسا على عقب. فظهر السنوار دون اي دروع بشرية، قاتلهم قتال الابطال حتى الرمق الاخير.
من المؤكد ان الكيان الاسرائيلي الذي كان يبحث عن توثيق "لحظة ذلة" للسنوار، من اجل التعويض عن فشل استخباراته واستخبارت امريكا والغرب في الوصول الى الرجل على مدى عام، ندم كثيرا على بث هذا التسجيل، لأنه وبكل بساطة جعل من مشهد السنوار وهو يطارد الموت، يتحول الى إيقونة ستدخل التاريخ من اوسع ابوابه.
الفيديو جاء ليؤكد، ان السنوار وبعد ان يأس من وصول قوات الاحتلال الاسرائيلي اليه، قام هو بالوصول اليها، ولم يفصل بينه وبينها سوى امتار، واشتبك معها وجها لوجه، فاستخدموا ضده الدبابات والطائرات المسيرة، دون ان يعرفوا ان الرجل الذي جاءهم على حين غرة هو السنوار، الذي عجزوا عن الوصول اليه خلال اكثر من عام.
الكيان الاسرائيلي، كان يتصور انه من خلال بث فيديو مشهد استشهاد السنوار، يزرع اليأس والاحباط في قلوب المقاومين في غزة، فاذا به يزرع الاقدام والعنفوان في قلوبهم، وهم يرون كيف كان الموت يفر خوفا من قائدهم، فانقلب سحر نتنياهو عليه وعلى كيانه، ومنذ اليوم، على نتنياهو ان ينتظر المفاجآت من قبل رجال السنوار، وهي مفاجآت، ذاق وطأتها، من قبل ابطال حزب الله، لاسيما بعد استشهاد سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصرالله رضوان الله عليه.
وانا ارى المشهد الاسطوري لاستشهاد السنوار، وكيف كان يرمق الردى، المتمثل بالطائرة المسيرة، وهي تخاف من الاقتراب منه، قفزت الى ذهني بعض ابيات قصيدة "الفدائي" للشاعر ابراهيم طوقان، والتي جسدت خير تجسيد مشهد الاستشهاد، حيث يقول:
"هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فاهدئي يا عواصف
خجلاً من جرأته
صامتٌ لو تكلما.. لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته... خلق الحزم أبكما
وأخو الحزم لم تزل.. يدهُ تسبقُ الفما"
فسلام على ابي ابراهيم السنوار.. يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.