وقد وصل هذا الاتهام إلى حد أن بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، انتقد إدارة بايدن، وأعلن أن مظاهرات مؤيدي فلسطين في الجامعات لا يمكن وصفها بمعاداة السامية.
وفي الوقت نفسه، تعتبر معاداة السامية الذريعة الرئيسية للسلطات السياسية والأمنية في واشنطن، لقمع الحركة الطلابية المؤيدة لفلسطين، فهل يمكن وصف احتجاجات الطلاب المؤيدين لفلسطين في الجامعات الأمريكية، بأنها معادية للسامية؟
ما هي معاداة السامية؟
في مقالته عام 2014 حول معاداة السامية في أستراليا في المجلس التنفيذي اليهودي الأسترالي، قدّم ناثان جولي تعريفًا شاملاً لمعاداة السامية، وقال إن معاداة السامية أو كما تسمى باللغة الإنجليزية Antisemitism، هي العداء لليهود ونظرة سلبية وحاقدة مع التحيز تجاه ما هو يهودي، والشخص الذي لديه مثل هذه النظرة يسمى معادياً للسامية.
وفقاً لهذا التعريف، تعتبر معاداة السامية شكلاً من أشكال العنصرية، ويمكن لهذا التعريف أن يحلّ إلى حد كبير الغموض المحيط بتعريف معاداة السامية، وبناءً على ذلك، فإن معاداة السامية لها عنصران: العداء لليهود والنظرة السلبية نحوهم، ويمكننا تعريف الأفعال المعادية للسامية في إطار هاتين السمتين.
هل احتجاجات مؤيدي فلسطين في أمريكا معادية للسامية؟
كما ذكرنا، فإن عنصري العداء تجاه اليهود والنظرة السلبية نحوهم، هما سمتان مهمتان لمعاداة السامية، لكن هاتين السمتين لا علاقة لهما بالاحتجاجات الداعمة لفلسطين.
لا توجد شعارات معادية لليهود
في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، ليس فقط في أمريكا بل في أي مكان في العالم، لا يتم رفع أي شعارات ضد اليهود، ويعيش مسلمو فلسطين والمجتمعات الإسلامية الأخرى بسلام مع اليهود.
إن ما يحاربه المسلمون والفلسطينيون وغيرهم من أنصار فلسطين، هو الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والجبهة المناهضة للاحتلال حددت هدفها بمحاربة الصهيونية، وليس اليهودية.
وجود اليهود في الحركة الاحتجاجية الطلابية
في الحركة الاحتجاجية للطلاب الأمريكيين، من بين المتظاهرين طلاب يهود وأساتذة جامعات أمريكية يحتجون على الاحتلال في فلسطين والجريمة في غزة.
حتى أن بعض الأساتذة المعتقلين في الجامعات الأمريكية، كانوا من الأساتذة اليهود الذين دعموا فلسطين، ومن بينهم الدكتورة أنيليس أورليك، الأستاذة اليهودية في جامعة دارتموث البالغة من العمر 65 عامًا، والتي اعتقلتها الشرطة الأمريكية لمشاركتها في الاحتجاجات الداعمة لفلسطين.
مواجهة أنصار فلسطين بحجة معاداة السامية
تم الإعلان عن إجمالي عدد الاعتقالات المرتبطة بالحركة الطلابية الأمريكية خلال الأسبوعين الماضيين، بما يصل إلى 2300 شخص.
لكن بعض الاعتقالات التي تمت في الجامعات الأمريكية، والتي من بينها أعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات، كانت صاخبةً للغاية، وتمت معظم هذه الاعتقالات بتهم مزعومة، بما في ذلك الإخلال بالقانون والنظام ومعاداة السامية.
وفي الواقع، يبدو أن معاداة السامية أصبحت هذه الأيام ذريعةً للحكومة الأمريكية، لمحاربة وقمع الحركة الاحتجاجية الداعمة لفلسطين، إلا أن تصريحات أساتذة الجامعات أنفسهم، ترفض أيضًا مسألة معاداة السامية في احتجاجات أنصار فلسطين.
وقالت نارا ميلانيتش، الأستاذة بجامعة كولومبيا، وهي يهودية، لبي بي سي إنها شعرت بالحزن والانزعاج بسبب أعمال العنف التي وقعت في حرم الجامعة الأسبوع الماضي.
وأشارت إلى أن العديد من الطلاب اليهود يشاركون أيضًا في الاحتجاجات ضد الإبادة الجماعية في غزة، وقالت: "نشعر بالصدمة والاشمئزاز من قيام إدارة الجامعة بدعوة الشرطة إلى الجامعة للمرة الثانية للتعامل مع المتظاهرين".
معاداة السامية، مفتاح قمع الحركة المدنية الأمريكية
هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها حكومة الولايات المتحدة بقمع ومحاربة الحركات المدنية السلمية، بحجة معاداة السامية.
ويبدو أن "معاداة السامية" بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت ذريعةً "للنظام العالمي الجديد" الذي تقوده أمريكا لقمع أي معارضة للهيمنة الغربية، وسابقاً، في ستينيات القرن الماضي، تم تنفيذ جزء من قمع الحركة السوداء ضدهم بحجة معاداة السامية، كما تم توجيه الاتهام نفسه أيضاً ضد بعض النشطاء المدنيين الأمريكيين وأساتذة الجامعات.
وبعبارة أخرى، فإن توجيه تهمة معاداة السامية لأي معارضة للإبادة الجماعية التي يرتكبها الکيان الإسرائيلي في فلسطين، ليس سوی تجريم أي معارضة لسياسات إثارة الحرب، والغرض من هذا الاتهام، هو منع انتشار الحركة المناهضة للحرب والاحتجاجات واسعة النطاق على مستوى الجامعة والمجتمع.
كما يمكن تقييم مهاجمة الطلاب المحتجين في الجامعات الأمريكية واعتقالهم واتهامهم بمعاداة السامية، على أنها محاولة لمنع اتحاد الحركات الطلابية المناهضة للحرب في مختلف الجامعات الأمريكية، وهو ما يثير قلق السلطات الأمريكية بشدة هذه الأيام.