وعقب هذا الهجوم، أعلنت العلاقات العامة للحرس الثوري الإسلامي في بيان أدان فيه هذه الجريمة، "أن القائد محمد رضا زاهدي، أحد قادة فيلق القدس، ومحمد هادي حاج رحيمي، وخمسة من رفاقهم، استشهدوا في هذا العمل الإرهابي".
ونفذ الكيان الصهيوني مئات الهجمات على الأراضي السورية منذ عام 2011، لكنه ذهب في الأشهر الأخيرة إلى أبعد من ذلك وتجاوز الخطوط الحمراء لمحور المقاومة باغتيال كبار قادة الحرس الثوري المتمركزين في سوريا، ورغم أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري تجنب الرد على دور "إسرائيل" في الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، إلا أن البيت الأبيض أعلن أن تل أبيب أبلغت من قبل الولايات المتحدة قبل الهجوم، ونفت واشنطن أي تورط لها في الجريمة وقالت إنها تحقق في الأمر.
وأدانت سلطات الجمهورية الإسلامية بدورها هذه الجريمة وهددت بأن مرتكبي هذه الجريمة ينتظرون مصيراً سيئاً.
وقال سفير إيران في دمشق حسين أكبري، في حديث مع الصحفيين حول تفاصيل هذا العمل الشنيع: إن المقاتلات الصهيونية استهدفت مبنى القنصلية بستة صواريخ، وقال أكبري: إن وقف التصرفات الإسرائيلية يقع على عاتق المؤسسات الدولية، وإذا لم يتم ذلك فسوف يسبب الكثير من الأضرار.
اعتبر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في اتصال هاتفي مع نظيره السوري، الهجوم على مبنى القنصلية الإيرانية انتهاكا لكل الالتزامات والمواثيق الدولية، محملا الكيان الصهيوني عواقب هذا العمل، وشدد على ضرورة رد فعل جدي من قبل المجتمع الدولي على مثل هذه الأعمال.
كما غرد أمير عبد اللهيان: "في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي شنه الكيان الإسرائيلي على المبنى الدبلوماسي لقنصلية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق واستشهاد عدد من المستشارين العسكريين الرسميين لبلادنا، تم استدعاء مسؤول السفارة السويسرية إلى وزارة الخارجية الشؤون كحامٍ للمصالح الأمريكية في إيران، وفي هذا الاستدعاء تم إرسال رسالة مهمة إلى الحكومة الأمريكية باعتبارها داعمة للكيان الصهيوني، يجب محاسبة أمريكا".
كما اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، هذا العدوان انتهاكا واضحا للأنظمة الدولية، وخاصة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، وأكد: "يجب إدانة هذا العمل بأشد الطرق الممكنة من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المعتدي"، ويجري التحقيق في أبعاد هذا الهجوم البغيض، والذي تقع مسؤولية نتائجه على عاتق الكيان الصهيوني المعتدي، وقال كنعاني: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع احتفاظها بحق الرد، ستقرر طبيعة رد الفعل وستعاقب المعتدي".
أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، عقب اجتماعه برئاسة السيد إبراهيم رئيسي، رئيس الجمهورية، أنه سيتخذ القرارات اللازمة بشأن استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وحذر رئيسي الصهاينة من أن يعلموا أنهم لن يحققوا أهدافهم بمثل هذه الأفعال وأن هذه الجريمة لن تمر دون رد.
وطلب مندوب إيران في الأمم المتحدة من مجلس الأمن عقد جلسة حول هذا الهجوم الإرهابي على الفور، وحسب مندوب روسيا في الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن سيعقد اجتماعا مساء الثلاثاء للتحقيق في الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق.
من حق إيران أن تدافع عن نفسها
وأظهرت جريمة "إسرائيل" الأخيرة بمهاجمة القنصلية أن هذا الكيان انتهك كل القوانين الدولية وقواعد الصراع مع محور المقاومة، وإن الهجوم الأخير على المكتب الدبلوماسي الإيراني، والذي يقع أيضًا على أراضي دولة ثالثة، لا يشكل انتهاكًا لسلامة الأراضي السورية فحسب، بل يعد أيضًا انتهاكًا لجميع الاتفاقيات الدولية.
وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، يتم شرح احترام السفارات والقنصليات والدبلوماسيين وموظفي البعثات الدبلوماسية والقنصلية بشكل واضح، كما أن اتفاقية فيينا لعام 1963 بشأن طبيعة القنصلية وموظفيها تحظر التعدي على هذه الأماكن، ولهذا السبب أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة على الفور أنه يشعر بقلق بالغ إزاء الهجوم على القنصلية الإيرانية، لأنه حسب الخبراء، ومن حيث القانون الدولي، فإن الجمهورية الإسلامية تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها، ويرون أن طهران لن تبقى صامتة أمام هذا العمل الشنيع، وينبغي أن نرى متى وأين سيتم ذلك الوقت المناسب للرد عليه.
ويدرك الصهاينة أنفسهم أيضًا عواقب الهجوم على المكتب الدبلوماسي، وكما أعلنت القناة 12 التابعة للكيان الصهيوني: "إن الهجوم على القنصلية الإيرانية يعتبر هجومًا على أراضي هذا البلد، ولذلك، لن يلوم أحد إيران على ردها على هذا العمل الهمجي".
لقد أدرك قادة تل أبيب جيدا عمق الكارثة، ولهذا السبب حذروا مكاتبهم الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم من رفع مستوى الإجراءات الأمنية خوفا من الإجراءات المضادة من قبل المقاومة.
من هو الشهيد زاهدي؟
ولد سردار محمد رضا زاهدي في 1960 في أصفهان، وانضم إلى فيلق الحرس الثوري الإسلامي عام 1980 وكان أحد القادة المتوسطين في فيلق الحرس الثوري الإسلامي أثناء الحرب وقاد لواء قمر بني هاشم 44 من عام 1982 إلى 1985، كان قائد الفرقة الرابعة عشرة للإمام الحسين (ع) بين عامي 1985 و1989، الشهيد زاهدي كان قائد القوات البرية للحرس الثوري الإسلامي بين عامي 2004 و2007.
ومن عام 2005 إلى 2010، أصبح أيضًا قائدًا لقاعدة ثار الله مع احتفاظه بمنصبه، وعمل القائد زاهدي في فيلق القدس من 2007 إلى 2015 وكان قائدا للفيلق في سوريا ولبنان ومن 2016 إلى 2018 كان أيضا نائب قائد العمليات في الحرس الثوري.
الشهيد زاهدي وغيره من قادة المقاومة الذين يقومون بأنشطة استشارية في سوريا يشكلون أكبر عائق أمام خطط الكيان الصهيوني الطموحة في المنطقة، وقد أحبطوا في العقد الماضي جميع خطط هذا الكيان لخلق زعزعة الأمن في الدول الأعضاء في المقاومة، ولذلك فإن الأبعاد الجسدية لمثل هذه الشخصيات البارزة تعتبر أحد الأهداف الأساسية لتل أبيب، لأنها تعتبر وجود هؤلاء القادة حاجزا أمام مشاريعها التدميرية في المنطقة، ولهذا السبب وصفت وسائل الإعلام والمحللون الصهاينة اغتيال القائد زاهدي بأنه نجاح كبير، وزعموا أنه بعد اغتيال الشهيد فخري زاده، كانت هذه أهم ضربة أمنية لإيران.
صراع نتنياهو للخروج من المأزق
بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، الذي يتعامل مع مجموعة من المشاكل القضائية والسياسية في الداخل منذ توليه منصبه في ديسمبر 2022، غارق في مستنقع أمني عميق طوال الأشهر الستة الماضية منذ بداية العام الحالي، وهو حرب غزة التي يبحث عن مخرج منها.
نتنياهو الذي لم يتمكن من تحقيق أي شيء في غزة، من خلال لجوئه إلى اغتيال قادة المقاومة في سوريا ولبنان، يحاول إقناع الرأي العام والمنتقدين الداخليين بأنه ليس مقيداً أمام محور المقاومة وقد حقق أيضاً بعض النجاحات، لكن نتائج حرب الستة أشهر في غزة والتي اتخذت أبعاداً إقليمية، تشير إلى أن تل أبيب عالقة في الدوامة الأمنية من كل الجوانب.
وبالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي تكبدها في غزة، يقاتل الكيان الصهيوني أيضًا حزب الله على الجبهة الشمالية، وتستهدف هذه الحركة المستوطنات المتاخمة للبنان منذ أشهر، ما أدى إلى هروب 80 ألف مستوطن من منطقة التوتر، ورغم أن سلطات تل أبيب تزعم أنها تسيطر على الجبهة اللبنانية ولا تخشى حزب الله، إلا أن أداء هذا الكيان يظهر أنه يخشى الدخول في صراع واسع النطاق مع المقاومة اللبنانية.
يدرك نتنياهو حقيقة أن حزب الله، على عكس حماس، لديه ترسانة قوية من الصواريخ والطائرات دون طيار، والتي سيستخدمها في هجوم تاريخي، ووفقا للسلطات الصهيونية، في حالة نشوب صراع، سيتم إرسال 2000 صاروخ من لبنان إلى الأراضي المحتلة يوميا، ولهذا السبب توسط نتنياهو عند أمريكا وفرنسا للتوصل إلى اتفاق مع حزب الله، لأن استمرار الأزمة ليس في مصلحة متطرفي تل أبيب.
وعلى جبهة البحر الأحمر، ضيقت جماعة أنصار الله اليمنية المجال أمام العدو المحتل، ولا تسمح للسفن الصهيونية بالمرور عبر مضيق باب المندب، ورغم المساعدة الحاسمة من الولايات المتحدة وإنجلترا، نفذ الصهاينة عشرات الهجمات على اليمن خلال الأشهر الثلاثة الماضية من أجل إجبار أنصار الله على الانسحاب من العملية في البحر الأحمر، إلا أن هذه الهجمات أتت بنتيجة عكسية، ومؤخرا، حذرت قيادات أنصار الله، من خلال الكشف عن أسلحتها الجديدة، بما في ذلك الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والغواصات المسيرة، من أن السفن الصهيونية وحلفاءها الغربيين من المحيط الهندي إلى جنوب أفريقيا في مرمى الصواريخ اليمنية.
ونظراً للأجواء السائدة داخل الأراضي المحتلة، يعرف نتنياهو أن وقف الحرب في غزة سيكون نهاية حكومته وسيُدان بسبب إخفاقاته أمام المقاومة العديدة والقضايا أمام المحاكم، لذلك فهو يحاول زيادة مستوى التوتر مع إيران على أن تستمر أجواء الصراعات، وإبقائها ساخنة لتوحيد الصهاينة في جبهة واحدة.
نتنياهو الآن عالق في زاوية الحلبة، وهو مثل القط المحبوس، يمسك بكل شيء للخروج من هذا الوضع، ومن وجهة نظر نتنياهو فإن العداء لإيران هو القضية الوحيدة التي يتفق عليها الصهاينة، وهو يدعي دائما أن جماعات المقاومة تخضع لأمر الجمهورية الإسلامية وعليها، في رأيه، يجب قطع "رأس الأفعى"، ولذلك ركز على هذه القضية، لكنه غير مدرك أن هذه المغامرة لن تكون لها نهاية سعيدة لحكومة نتنياهو.
ولذلك، فإن جريمة تل أبيب النكراء في الهجوم على القنصلية الإيرانية، لا تنقذ نتنياهو من الصراع فحسب، بل مع تصميم الجمهورية الإسلامية وجبهة المقاومة الموحدة على الرد المؤلم على هذا الهجوم الإرهابي، فإن الصهاينة سيتورطون أكثر في المشاكل الأمنية، كما أدانت فصائل المقاومة الفلسطينية حزب الله وأنصار الله، في بيانات منفصلة، هذه الجريمة النكراء، وأعلنت أن دماء القائد زاهدي ورفاقه الطاهرة ستعزز إرادة المقاومة في مواجهة العدو المتعطش للدماء الذي لم يكتف من دماء عشرات الآلاف من الأطفال.
وحاولت فصائل المقاومة في الأشهر الأخيرة السيطرة على حجم التوتر وإقناع كيان الاحتلال بوقف آلة القتل في غزة لمنع انتشار الحرب في المنطقة، لكن يبدو أن المتطرفين في تل أبيب و"إسرائيل" وحلفائها الغربيين لا يريدون تخفيف التوترات.
وطالما استمرت الإبادة الجماعية للجيش الصهيوني في غزة، فإن فصائل المقاومة لن تتراجع عن طريق نصرة الشعب الفلسطيني، ومع الجريمة الأخيرة في دمشق، تعززت "وحدة الساحات" أكثر، وبعد هذا فالجبهة الشمالية والبحر الأحمر ستكون أكثر سخونة من ذي قبل، ومع انخفاض العامل الأمني للصهاينة، لن ينسى نتنياهو وجماعته ما هي القدرات التي يمتلكها من يقود جبهة المقاومة والتي يمكن أن يستخدمها لمعاقبة العدو الصهيوني إذا لزم الأمر.