انتقادات حقوقية لاذعة
كانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد دعت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التخلي عن انتخاب السعودية لرئاسة المنتدى الأممي الأعلى لحقوق المرأة والمساواة الجندرية، حاثّةً الوفود التي تحضر الاجتماع السنوي لـ "لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة" هذا العام على معارضة ترشيح السعودية، التي لديها سجل فاضح في حقوق المرأة، واختيار دولة ملتزمة بدعم هذه الحقوق، ورأى لويس شاربونو، مدير الأمم المتحدة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أنّ “انتخاب السعودية رئيساً للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة يُظْهِر تجاهلاً صادماً لحقوق المرأة في كل مكان".
وقال إنّ دولة تسجن النساء ليس من شأنها أنّ تكون واجهة المنتدى الأعلى للأمم المتحدة المعني بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وأضافت المنظمة: تميّز السعودية ضد النساء وتضطهد ناشطات حقوق المرأة منهجيا، حتى الموقع الإلكتروني للبعثة الأممية السعودية يقر بأن الحكومة ليست رائدة في حقوق المرأة، فالسعودية تتخذ خطوات صغيرة على طريق تقدم المرأة، ولكن الطريق لا يزال طويلا.
وفي سياق متصل ، أثار القرار انتقادات من منظمات مختصة بحقوق الإنسان، فقد سلطت شيرين تادرس، نائبة مدير برنامج المناصرة في منظمة العفو الدولية، الضوء على سجل السعودية السيئ في حماية وتعزيز حقوق المرأة، حيث إن سجل السعودية في مجال حقوق المرأة سيئ للغاية وبعيد كل البعد عن ولاية اللجنة، وشددت على ضرورة أن تُظهر الرياض التزامها بحقوق المرأة من خلال إجراءات محلية ملموسة وليس فقط من خلال تأمين أدوار قيادية في لجان دولية.
وجاء انتخاب السعودية لكونها المرشح الوحيد لرئاسة الدورة القادمة للجنة وضع المرأة التي تستمر عاما، حسبما قال دبلوماسيون عدة لـ هيومن رايتس ووتش، وأكدت المنظمة أن القيادة السعودية تحب تقديم قانونها الأخير بشأن "الأحوال الشخصية" على أنه "تقدمي". لكن هذا القانون يكرّس رسميا ولاية الرجل على المرأة ويتضمن أحكاما تسهّل العنف الأسري والانتهاكات الجنسية في الزواج، وقد أقرّ دبلوماسيون من المجموعة الإقليمية الغربية في الأمم المتحدة سرّا بمشاكل ترشح السعودية، لكنهم لا ينوون معارضته أو الدعوة إلى تصويت مسجل، لأنهم لا يريدون خلق سابقة، فعادة، يتم تثبيت العضوية في هذه المناصب بالإجماع دون تصويت ويتم التناوب بين المجموعات الإقليمية الخمس في الأمم المتحدة، وقد أيدت مجموعة آسيا، التي تضم السعودية، بالإجماع ترشيح السعودية.
تناقض واضح
بالتزامن مع انتخاب السعودية لرئاسة الدورة القادمة للجنة وضع المرأة أطلق عشرات الأكاديميين الأوروبيين عريضة تفضح القمع في السعودية، وتطالب بالإفراج عن معتقلة رأي تم سجنها بشكل تعسفي على خلفية آرائها العلنية.
ووقع 340 شخصاً من جامعة ليدز البريطانية بينهم أعضاء هيئة التدريس وطلاب، على عريضة تحث قيادات الجامعة على المطالبة بالإفراج عن طالبة الدكتوراه سلمى الشهاب المعتقلة منذ 2021، والشهاب محكوم عليها بالسجن لمدة 27 عامًا بسبب امتلاكها حسابًا على منصة إكس -تويتر سابقاً- ومتابعة الناشطين وإعادة تغريداتهم، وتقضي الشهاب حكماً بالسجن لمدة 27 عاماً في السعودية صدر بحقها في يناير/كانون الثاني 2023، بعدما كانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد حكمت عليها في أغسطس/آب 2022، بالسجن 34 عاما، وذلك بسبب دعمها لحقوق المرأة على حسابها على الشخصي وتدوينها تغريدات سلمية.
في الـ 15 من يناير/كانون الثاني 2021، تم اعتقال الشهاب بعد قدومها لبلدها من أجل قضاء العطلة مع أهلها، وتم إخضاعها لسوء المعاملة أثناء اعتقالها ولساعات تحقيق طويلة يومية على مدى تسعة أشهر ونصف.
بدأت بعد ذلك محاكمتها أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وهي محكمة الإرهاب التي تأسست سنة 2008 لمحاكمة أعضاء التنظيمات الإرهابية، ولكنها غالباً ما استخدمت لسجن مدافعي حقوق الإنسان، وقد حُكم عليها في البداية بالسجن لمدة ست سنوات في مارس/آذار 2022، بعد 14 شهراً من اعتقالها، لكن بتاريخ 09 أغسطس/آب 2022، أصدرت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة حكما بالسجن لمدة (34) سنة ضدها، إضافة لمنعها من السفر لمدة مماثلة بعد إكمالها محكوميتها، في ذلك الوقت، كان هذا هو أقسى حكم تلقاه أي ناشط سلمي في السعودية بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
تمكين قمع المرأة
في ظل الانتقادات الواسعة التي تطال السعودية في مجال حقوق المرأة كانت منظمة حقوقية قد وصفت مؤخراً عهد الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان بأنه فترة “تمكين قمع المرأة” في ظل الاعتقالات الواسعة لناشطات الرأي وتعرضهن للتعذيب وسوء المعاملة والتحرش الجنسي.
وفي هذا السياق قالت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان (ESOHR) إن من منجزات عهد الملك سلمان وابنه اعتقال السلطات السعودية ١٢٢ امرأة على الأقل منذ ٢٠١٥، وحكمت على عددٍ منهن بالسجن لعقود لتهمٍ لها علاقة بحرية الرأي.
وأكدت المنظمة أن السلوك الحكومي يخلق بيئة عدائية في وجه الناشطات، تتجلى عبر وسائل التواصل حيث يتعرّضن لعنفٍ رقمي يشنه ذباب إلكتروني رسمي مهمته مراقبة وتهديد النساء ومنعهن من التعبير عن آرائهن.
وتتبع وتوثيق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان وفحص الحقائق، يؤكد أن المرأة في السعودية تواجه أشكالا مختلفة من العنف الرسمي والأسري، إلى جانب انتهاكات واسعة تطال الناشطات واعتقالات تعسفية بحق المدافعات عن حقوق الإنسان بعد محاكمات غير عادلة، وتروج السلطات السعودية لإصدار قانون الأحوال الشخصية كإنجاز كبير، إلا أنه يغفل بشكل ملائم عن تفاصيل حاسمة حول قيود القانون.
إذ يُعرض القانون في التقرير كخطوة نحو التحديث، ويغفل عن الجوانب التمييزية لنظام ولاية الرجل، الذي يواصل فرض السيطرة على حياة المرأة الشخصية، مع عدم وجود وكالة حقيقية للمرأة في مسائل الزواج وحضانة الأطفال، ويؤكد رصد المنظمات الحقوقية التزايد المقلق للعنف عبر الإنترنت ضد الناشطات والمؤثرات من النساء في السعودية، وبموازاة ذلك تتعارض الفجوة الدائمة في الأجور بين الجنسين مع مزاعم التقرير بتمكين النساء اقتصادياً، وعلى الرغم من الجهود العالمية لتحقيق المساواة بين الجنسين والالتزام السعودي بالاتفاقيات الدولية، تستمر النساء في الحصول على أجور أقل من الرجال.
وتؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن نهج الحكومة السعودية يدور حول اللفتات السطحية، مثل تعيين النساء في أدوار محددة في محاولة لخلق وهم المساواة بين الجنسين، ومع ذلك، تلك الإجراءات تحول الانتباه بعيدًا عن المسؤوليات والالتزامات الأساسية للحكومة لمكافحة التمييز، بدلاً من التعامل مع القضية، يبدو أن التركيز هو على عروض رمزية لا تعالج التحديات النظامية المماثلة، وأكدت المنظمة أن انعدام الشفافية والتخويف وإخفاء الحقائق تشكل عائقا أمام الوصول إلى المعلومات.