في هذه الأيام، وفي خضم الخلافات والصراعات في حكومة الحرب، فإن الإجراء غير المتوقع للولايات المتحدة بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن، دفع نتنياهو خطوةً أقرب إلى حافة الانهيار، والاستسلام الكامل لحماس، ونتيجةً لذلك الهزيمة أمام المنافسين السياسيين المحليين.
وفي الواقع، بعد القرار الأخير الذي اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف الحرب، من المتوقع أن تشتد الخلافات والانقسامات الداخلية في حكومة نتنياهو، لأنه في وضع لم تحقق فيه الحكومة الائتلافية أياً من الأهداف المحددة مسبقاً في الهجوم على غزة، فإن قبول الانسحاب ووقف الحرب سيكون بمثابة "الهزيمة" أمام المقاومة الفلسطينية.
استقالة وزير.. الشظية الأولی للقرار
رغم أن حكومة نتنياهو، في رد الفعل الأولي على قرار مجلس الأمن، أعلنت رفضها وتصميمها على مواصلة الحرب، من أجل إظهار الوحدة الداخلية التي لا تتزعزع في مواجهة الضغوط، إلا أن هذه البادرة لم تصمد طويلاً، ووسط يأس المتشددين في تل أبيب، أعلن جدعون ساعر، رئيس حزب الأمل الجديد والوزير الصهيوني، استقالته، لتكون الشظية الأولى للقرار جرحاً عميقاً في الائتلاف الوزاري.
وكان ساعر قد اشترط في وقت سابق للبقاء في الحكومة أن ينضم إلى المجلس الحربي، وتأتي استقالته احتجاجاً على عدم حضوره المجلس الحربي، حيث إن وزير الخارجية بيني غانتس لديه خلافات جدية مع ساعر ويعارض وجوده، وقال ساعر: "لقد وقعت على الاستقالة، ولا أستطيع تحمل المسؤولية حتى يكون لي نفوذ، ولم نأت إلى الحكومة لتدفئة المقاعد".
ما لا شك فيه أن استقالة ساعر عمقت الصدع في الحكومة، وفاقمت المأزق الذي يواجهه بنيامين نتنياهو منذ بداية الحرب.
تأسس حزب الأمل الجديد بقيادة ساعر عام 2022 بالشراكة مع حزب معسكر الدولة بزعامة بيني غانتس، وفاز حزب ساعر بأربعة مقاعد، وحزب غانتس بثمانية مقاعد في الكنيست.
وبعد عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر، انضمت هذه الكتلة إلى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة نتنياهو، لكن ساعر لم يكن في حكومة الحرب، ولذلك، فقد اتخذ مراراً وتكراراً موقفاً ضد الطريقة التي أديرت بها الحرب من قبل حكومة الطوارئ.
وفي الـ 12 من مارس، أعلن ساعر أن حزب الأمل الجديد ينشق عن معسكر غانتس، مدعيًا أن غانتس وأيزنكوت يمنعان عمليةً عسكريةً أكثر كثافةً وسرعةً في غزة، ثم طلب أن يكون في حكومة الحرب كرئيس لحزب مستقل ومنفصل.
وفي حين أنه من غير المتوقع أن يؤدي رحيل ساعر وحده إلى انهيار حكومة نتنياهو الائتلافية، التي لا تزال تتمتع بأغلبية 64 من أصل 120 مقعداً في الكنيست، ولكن من خلال ترك الحكومة، من المتوقع أن يزيد ساعر من انتقاداته لحكومة الحرب، الأمر الذي قد يشجع أيضًا وزراء اليمين المتطرف غير الراضين عن الحكومة على زيادة انتقاداتهم.
ويصر الوزراء اليمينيون المتطرفون، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على مواصلة الحرب لتدمير حماس بالكامل، حتى لو كان ذلك يعني عدم إطلاق سراح السجناء بأمان، ومن المؤكد أن هذا الاضطراب السياسي سيزيد من الانقسام في مجلس الوزراء.
تعميق الشرخ في مجلس الوزراء
لكن الأزمة في الحكومة الصهيونية لا تقتصر على هذه القضية، فهناك خلافات كثيرة بين نتنياهو ووزراء آخرين حول قضايا الحرب المختلفة، ومن بينها خلافه مع وزير الدفاع يوآف غالانت أکثر من مرة، والتمردات السياسية لوزير الخارجية بيني غانتس، والمواجهة مع الوزراء المتشددين حول مشروع قانون يعفي اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية في الكنيست.
لقد ارتفعت نبرة الخلاف بين نتنياهو وبعض وزراء حكومة الحرب بقيادة غانتس، عندما أثيرت شائعات حول ترشيح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش وساعر لمجلس الحرب، ما أدى إلى تهديد بيني غانتس وغادي أيزنكوت بمغادرة الحكومة على الفور.
وجاء الصراع الآخر بين نتنياهو ووزير الخارجية عندما قام بيني غانتس بزيارة غير منسقة إلى واشنطن في أوائل مارس/آذار، ما أثار غضب نتنياهو، وتصاعد هذا الخلاف بعد إلغاء زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن في الأيام الماضية، رداً على رفض الولايات المتحدة استخدام حق النقض (الفيتو) على قرار مجلس الأمن الدولي.
وقال غانتس: "لم يكن ينبغي فقط ألا يذهب الوفد إلى الولايات المتحدة، ولكن كان من الجيد لو أن رئيس الوزراء نفسه سافر إلى الولايات المتحدة، وأجرى محادثةً مباشرةً مع جو بايدن وكبار المسؤولين".
ومن بين هذه التحديات، فإن السيف ذي الحدين المتمثل في قانون الخدمة العسكرية للحريديم يلقي بثقله على نتنياهو، وبينما اضطر نتنياهو إلى قبول امتياز تقديم مشروع قانون إعفاء الحريديم إلى الكنيست من أجل الاحتفاظ بالوزراء المتشددين، هدد غانتس بالاستقالة وانسحاب حزبه من الائتلاف الوزاري، إذا تمت الموافقة على مثل هذا القانون.
لقد خرجت الخلافات الآن عن السيطرة وتحولت إلى أزمات، ولذلك، يعتقد أنه في المرحلة المقبلة، وخاصةً مع استمرار الهزيمة العسكرية في غزة وفشل اتفاق تبادل الأسرى وزيادة الضغوط الدولية، ربما نرى المزيد من التصدعات في حكومة نتنياهو واستقالة وزراء آخرين.
وفي هذا الصدد، يرى المحلل السياسي عزيز سالم في حديث لـ"الخليج أونلاين": "أن التغير في المشهد السياسي للغرب واتساع الإدانات العالمية للکيان، انعكس على الانقسام في الجبهة الداخلية لإسرائيل".
وأكد: "أن الاختلاف في مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن تكتيكات الحرب ومدتها، هو انعكاس للخلافات الداخلية في إسرائيل، والتي ظهرت بوضوح من خلال استقالة ساعر وزيادة الانقسام في حكومة نتنياهو".