من جهة أخرى فإن ما تفعله الصّواريخ والزوارق والمُسيّرات البحريّة اليمنيّة بات يُشكّل انقلابًا في كل المعايير والنظريّات العسكريّة البحريّة المُتداولة مُنذ مئة عام، فبينما يُكلّف بناء حاملات الطائرات والبوارج مليارات الدّولارات، فإنّ صاروخًا يمنيًّا لا يُكلّف تصنيعه إلّا بضعة آلاف يستطيع إعطابها في ثوانٍ معدودة، وهُنا تكمن المُعضلة الأمريكيّة غير المُتوقّعة.
تفاقم الصراع
”تضامنا مع قطاع غزة” الذي يتعرض منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لحرب إسرائيلية مدمرة بدعم أمريكي، يستهدف أنصار الله بصواريخ ومسيّرات سفن شحن بالبحر الأحمر تملكها أو تشغلها شركات صهيونية، أو تنقل بضائع من وإلى كيان الاحتلال الصهيوني، وقد جاءت الضربة الأخيرة للقوات اليمنية لتدق مسماراً آخر في نعش الاقتصاد الصهيوني المتأزم ولفتت القوات المسلحة اليمنية إلى أن سلاح الجو المسير نفذ عملية عسكرية نوعية استهدفت مدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر.
فيما قصفت القوة الصاروخية لدى القوات المسلحة اليمنية أهدافا “إسرائيلية” في أم الرشراش جنوب فلسطين المحتلة، وأكد متحدث القوات المسلحة اليمنية أن العمليات العسكرية اليمنية حققت أهدافها بنجاح ـ بعون الله تعالى، وأهدت القوات المسلحة اليمنية عملياتها للمجاهدين في غزة، مؤكدة استمرارها في ضرب كل الأهداف المعادية، وكذلك استمرار قرار منع الملاحة الإسرائيلية أو المتجهة إلى الموانئ المحتلة حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.
الوقوع في الهاوية
لطالما استفاد الكيان الغاصب من الموقع الاستراتيجي لفلسطين المحتلة التي تقع على مفترق طرق القارات، لتسهيل التجارة، ومع ذلك، فإن السيناريو الحالي يكشف عن نقطة ضعف واضحة ومؤثرة وهي: عدم وجود بدائل لمسارات البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وعلى الرغم من أن حكومة الاحتلال تروّج بأنّ هناك ممراً برياً بديلاً يربط الإمارات بالكيان الاسرائيلي مرورا بالسعودية والأردن إلا أن العديد من الإحصاءات والتقارير تشير إلى أنه على الرغم من مرور بعض الشاحنات إلا أن الطريق البري غير مؤهل من حيث البنية التحتية ويعاني من نقص لوجستي حاد، ولا يتعلق هذا النقص اللوجستي بعدم توافر عدد ضخم من المركبات لنقل البضائع فحسب؛ بل هو يرمز إلى قصور أعمق في البنية التحتية في قدرة النقل البري في المنطقة ككل.
إن حجم البضائع التي تصل عن طريق البحر، مع ما يقدر بنحو 100 سفينة تعبر البحر الأحمر إلى "إسرائيل" كل شهر، يتجاوز بكثير قدرات النقل البري المتاحة، ما أدى إلى أزمة اقتصادية إسرائيلية حقيقية وهذا بالضبط ما دفع الولايات المتحدة للتدخل إذ إن الحصار الذي فرضه اليمن في البحر الأحمر يدفع اقتصاد كيان الاحتلال إلى الهاوية بشكل تدريجي.
ولم تسفر الجهود التي بذلتها القوات الأمريكية والبريطانية لتأمين البحر الأحمر ومضيق باب المندب عن النتائج المرجوة، وبدلاً من قمع التهديد الذي يشكله أنصار الله وضمان الانتقال الآمن لسفن الكيان المدلل، يبدو أن هذه التدخلات العسكرية ساهمت في تقوية موقف اليمن والجيش اليمني في المنطقة ككل، وتمثل براعة القوات اليمنية المتنامية في المنطقة تحديًا مباشرًا للهيمنة الأمريكية التي ادعت أحادية القطب للقوى العظمى في يوم من الأيام.
وقع الأزمة على الاقتصاد العالمي
اعتبر مراقبون أن ارتفاع تكاليف النقل والتأمين والتأخير في وصول البضائع يؤدي أيضًا إلى تعطيل سلاسل القيمة العالمية، حيث تواجه بلدان في آسيا وأفريقيا وأوروبا أكبر قدر من الاضطراب، وفي هذا الصدد، تضررت شركات صناعة الحلويات من ارتفاع أسعار الكاكاو ونقصه بسبب تأخر التسليم من أفريقيا، ما أدى إلى انخفاض أرباحها، كما تقوم صناعات النسيج والجلود بإعادة التفاوض بشأن رسوم الشحن مع المشترين ما أثر على أرباحها، فيما يستخدم مصنعو السيارات أيضًا طرق نقل مختلفة لتجنب التأخير.
وفي الوقت نفسه، أعلن صندوق النقد الدولي عن انخفاض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 50 في المئة في الشهرين الأولين من هذا العام، في حين زادت التجارة عن طريق رأس الرجاء الصالح بنحو 74 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
فيما يطرح خبراء العلاقات الدولية دراسة طرق تجارية بحرية وبرية بديلة مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ويهدف هذا الممر، الذي يسمى مشروع IMEC، إلى إنشاء ممر اقتصادي واسع النطاق لربط أوروبا والشرق الأوسط وآسيا من خلال تحسين شبكات النقل والاتصالات والبنية التحتية للطاقة، ويشمل طرق السكك الحديدية والطرق البرية والبحرية في ممرين رئيسيين: الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج الفارسي والممر الشمالي الذي يربط الخليج الفارسي بأوروبا.
أثرت التوترات الأخيرة في البحر الأحمر بشكل كبير على أسواق النفط والغاز والنقل العالمية، واضطرت العديد من الشركات إلى إعادة تقييم استراتيجيات سلسلة التوريد الخاصة بها بسبب الهجمات المتزايدة على السفن في البحر الأحمر والغارات الجوية الانتقامية من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا.
وتسلك حاليا سفن الشحن طريقاً أطول ملتفة حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح، ما يضيف من سبعة إلى 20 يومًا على وقت رحلتها، ووفقا لمعهد كيل للاقتصاد العالمي، أثر الحصار الذي تفرضه القوات اليمنية على صناعات مختلفة، بما في ذلك الطاقة والسيارات وتجارة التجزئة والتصنيع، وأدت إلى انخفاض التجارة العالمية بنسبة 1.3 بالمئة في الفترة من نوفمبر إلى ديسمبر 2023.
ويظهر التقرير أيضًا انخفاضًا كبيرًا في الواردات والصادرات من الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من نوفمبر 2023، علاوة على ذلك، شهدت التجارة الأمريكية أيضًا في شهر ديسمبر انخفاضًا بنسبة 1.5% في الصادرات، فيما تتوقع تقديرات لمكتب الإحصاءات الأوروبية، أن تتسبب أزمة البحر الأحمر في ارتفاع التضخم بنصف درجة مئوية، على مدى الربعين الأول والثاني من 2024، وفي أوروبا، تضغط أزمة البحر الأحمر على آمال اقتصاد منطقة اليورو.