وفي هذا السياق أطلقت حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS ) حملة عالمية تدعو إلى مقاطعة أجهزة الكمبيوتر التي تحتوي على شرائح "إنتل"، وتحث المستثمرين على بيع أسهمهم في الشركة، وأن تستبعد المؤسسات شركة "إنتل" من المناقصات.
قاطعوا "إنتل"
عبّرت حركة مقاطعة الكيان الإسرائيلي BDS عن هذه الخطوة من خلال بيان لها قالت فيه تساهم شركة (إنتل) منذ عقود في تمكين نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي وجرائمه، والآن هي مصدر أساسي لتغذية الميزانية الحربية الإسرائيلية ودعم ماكينة الإبادة الجماعية المستمرة ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحتل والمحاصر، ما يجعلها متواطئة بشكل مباشر في قتل أبناء شعبنا في قطاع غزة، ومد حبل النجاة للاقتصاد الإسرائيلي المتهالك.
من جهة أخرى جاء في البيان الصادر عن حركة "مقاطعة كيان الاحتلال"، بعيداً عن المسؤولية الأخلاقية والقانون الدولي، إن إصرار شركة ’إنتل‘ على استثمار عشرات المليارات من الدولارات في "إسرائيل" التي تعد "منطقة حرب"، يبيّن مدى التزامها الإيديولوجي المتعصب تجاه "إسرائيل" على حساب المسؤولية المالية والائتمانية، وإلا فلماذا تجمّد شركة إنتل خططها لتوسيع تصنيع الرقائق في ولاية أوهايو الأمريكية بينما تنفق تلك المليارات على "إسرائيل" التي مزقتها الحرب؟.
وأشارت الحركة، إلى أنه "ومع إدراك المستثمرين للوضع الاقتصادي المتدهور والمخاطر العالية للاستثمار لدى الاحتلال، نقلت بعض الشركات الإسرائيلية والأمريكية الكبرى عملياتها إلى خارج دولة الاحتلال والأبارتهايد وخفضت استثماراتها فيها، وفي الآونة الأخيرة، أعلنت شركة "تاور" الإسرائيلية لصناعة الرقائق، والتي حاولت شركة "إنتل" الاستحواذ عليها سابقاً، أنها لن تبني مصنعاً جديداً للرقائق لدى الاحتلال واختارت الاستثمار في الهند بدلاً من ذلك.
من الجدير بالذكر أن "إنتل" تعتبر ثاني أكبر مستوعب للعمالة المدربة في كيان الاحتلال الاسرائيلي، ونتيجة لتوسيع الشركة أعمالها هناك، فلقد أطلقت بداية عام 2005 حملة لاستقطاب "مئات" المهندسين اليهود من داخل كيان الاحتلال ومن خارحه، حيث عملت الشركة مع "الوكالة اليهودية" لتشجيع المهندسين اليهود للهجرة إلى فلسطين المحتلة وتوظيفهم ومساعدتهم أيضاً للتألقم مع الحياة هناك.
حملات مقاطعة موازية
أطلق ناشطون في المملكة المتحدة حملة باسم “لا ضريبة للإبادة الجماعية” تدعو إلى التوقف عن دفع الضرائب للحكومة البريطانية التي تمول “الإبادة الجماعية” الإسرائيلية في غزة، بهدف ذودها عن ذلك، وتهدف الحملة إلى تعهد المكلفين بعدم دفع ضرائب الدخل وضرائب البلدية، حيث ستحرم تلك الخطوة الخزانة البريطانية من 700 مليون جنيه إسترليني في العام الواحد، ويعتبر المشاركون في الحملة أن فكرة المقاومة الضريبية هي أمر قانوني وفق بعض قوانين المملكة المتحدة، حيث باشروا الحملة وأنشؤوا موقعهم الإلكتروني الخاص.
وفي هذا الإطار، قال الناشطون إنه عندما يصل عدد الأشخاص الموقعين على التزامهم بالمشاركة في الحملة إلى 100 ألف، سيتم تحويل قيمة الضرائب إلى مؤسسة خاصة بدلا من مكتب الجمارك والإيرادات في المملكة المتحدة، ويقول ناشطو حقوق الإنسان بالحملة: إن دفع الضرائب في الوقت الذي تقدم فيه الحكومة الدعم لإسرائيل “يرقى إلى مستوى المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية”، موضحين أن ذلك يعد “غير قانوني” بموجب القانون الدولي والمحلي.
ويعتبر الهدف الأساسي للحملة شل الاقتصاد من خلال منع دفع ضرائب نحو 3 ملايين شخص، أي ما يعادل 10 بالمئة من دافعي الضرائب في المملكة المتحدة، وإجبار الحكومة على تغيير سياستها تجاه غزة، وحسب منظمي الحملة فإنه خلال عام واحد، إذا ثبت أن الحكومة لم تشارك في جرائم الحرب في غزة، فسيتم إرجاع الضرائب إلى مكتب الجمارك والإيرادات الحكومي.
حملات المقاطعة تضرب ميزانيات كبرى الشركات
إن تداعيات مقاطعة الشركات الداعمة لـ"إسرائيل" في أعقاب الحرب التي تشنها على قطاع غزة أصبحت أكثر وضوحا، حيث تشهد شركات عالمية عديدة استهدفت بالمقاطعة تراجعا كبيرا في أوضاعها المالية.
ومن أحد أكبر ضحايا المقاطعة العالمية هي شركة ماكدونالدز، عملاق الوجبات السريعة الأمريكي، وعلى الرغم من الزيادة الاسمية في الإيرادات بنسبة 8 في المئة إلى 6.41 مليارات دولار في الربع الأخير من عام 2023، فإن الشركة جاءت أقل من توقعات السوق المحددة عند 6.45 مليارات دولار وفقا للأناضول، كما شعرت سلسلة المقاهي الأمريكية الشهيرة ستاربكس، بتداعيات المقاطعة، وخاصة في منطقة الشرق بالإضافة لضعف المبيعات وحركة المرور في مقاهيهم في الولايات المتحدة بسبب المقاطعة.
وواجهت شركة دومينوز بيتزا، وهي شركة أمريكية عملاقة أخرى، المقاطعة بشكل مباشر، وخاصة في آسيا، حيث انخفضت مبيعات المتاجر بنسبة 8.9 بالمئة في النصف الثاني من العام الماضي، وتسببت صور تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تظهر الشركة وهي توزع وجبات مجانية على الجنود الإسرائيليين بردود فعل كبيرة غاضبة.
كما شهدت شركة "يام" Yum، الشركة الأم لكنتاكي وبيتزا هت وتاكو بيل، إيرادات أقل من المتوقع في الربع الرابع من عام 2023، ومع وصول إجمالي الإيرادات إلى 2.04 مليار دولار، بزيادة قدرها 1 بالمئة على أساس سنوي، فقد جاءت أقل من توقعات السوق المحددة عند 2.1 مليار دولار.
وفي حين أن تأثيرات المقاطعة واضحة في مختلف الشركات العالمية، فإن عملية الكشف عن ميزانياتها العمومية مستمرة، ويراقب المجتمع الدولي عن كثب هذه الشركات وهي تتنقل عبر تعقيدات التوترات الجيوسياسية وسط الحرب المستمرة في الشرق الأوسط.
الاقتصاد الإسرائيلي ما بعد السابع من أكتوبر
استمرار العدوان على غزة سيُثبت عاجلاً أو آجلاً أنّ الاقتصاد الإسرائيلي إلى انهيار وإلى انتحار سياسي، والنتيجة الأولى سقوط مشروع الاستيطان الاقتصادي.
لأوّل مرّة في تاريخ الكيان الإسرائيلي، يفشل العدو في تحييد اقتصاده وتجنيبه الخسائر الكارثية التي ألمّت به، كما كان يحدث في الحروب السابقة، فبعد أكثر من ستة أشهر على المجازر والعدوان على قطاع غزّة، لا يزال الاقتصاد المهتَزّ في صدارة المشهد بعد أن كانت حكومة الاحتلال تعًدّ أنّه لا يمكن أن يُمَسّ في أيّ عمليّة عسكريّة.
وفي خضمّ التدهور الدراماتيكي الجديد، برزت خسائر الاقتصاد الإسرائيلي الفادحة، وهي بالغة الخطورة بالنسبة إلى "الدولة اليهودية"، التي أقرّ مصرفها المركزي بأنّ تكلفة الحرب تشكّل 12% من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل، أي أكثر من 60 مليار دولار، وأنّ التكلفة المباشرة على الاقتصاد بلغت 600 مليون دولار أسبوعيّاً.
هذه الأرقام، على رغم أهميتها، تبقى متواضعة نظراً إلى حقيقة الضرر الاقتصادي الذي لحق بـ"إسرائيل"، إذ وصلت الخسائر المباشرة وغير المباشرة للحرب إلى 125 مليار دولار، ويمكن اختصار الخسائر الاقتصادية من خلال عدة بنود أهمها التكلفة العسكرية التي وصلت إلى أكثر من 28 مليار دولار، والاستثمارات الأجنبية حيث كلّف توقُّف تدفّق أموال الاستثمارات الأجنبية في مشاريع في الكيان 15 مليار دولار، من جهة أخرى جاء تخفيض التصنيف الائتماني ليشكل ضربة قوية للاقتصاد الصهيوني حيث تم تصنيف الاقتصاد الإسرائيلي بالسلبي من جانب الشركات المالية العالمية، من "موديز"، مروراً بـ"ستاندرد أند بورز"، وصولاً إلى "فيتش"، على الجانب الآخر تخطت خسائر البورصة 15%، وبلغت بين اسمية وفعلية 20 مليار دولار، وتمّ ضخ 45 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي في السوق لوقف انهيار الشيكل.
فيما بلغ عجز موازنة عام 2023 نسبة 5% من الناتج المحلي، أي 25 مليار دولار، وتراجعت الإيرادات الضريبية بين 7.9 و12 مليار دولار بمعدّل 8.5%، كما وصلت إلى 26% الزيادة على ضريبة أرباح البنوك، وكان من المتوقّع أن يشهد الناتج المحلي نموّاً بنسبة 3%، إلّا أنّه أصيب بتباطؤ نتيجة الحرب، ووصل النمو في الفصل الأخير من عام 2023 إلى ما دون 1.5%، ويُتوقّع أن يستمرّ هذا التدهور إلى أقل من 0.5% في العام الجاري، إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، وسيبلغ التضخم أعلى مستوى منذ عام 2012، بالإضافة إلى ارتفاع الديون الداخلية وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الدخل الفردي.