وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن المباني القديمة الواقعة في المستوطنات الشمالية لا تحتوي على ملاجئ، وخلال هجمات حزب الله يضطر سكانها إلى التوجه إلى أحياء أخرى في منطقة مثل حيفا، ومتوسط الوقت الذي يستغرقونه للوصول إلى الملجأ هو دقيقة واحدة من لحظة انطلاق الإنذار، وكتبت هذه الصحيفة، في الخطة التي تم إعدادها وتوفير الميزانية المطلوبة خلال الشهرين الماضيين، أنه تم تحديد الأماكن التي يمكن خلق حماية جماعية فيها للسكان الذين ليس لديهم مأوى ونقلهم إلى هذه الأماكن.
وقد بدأت الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني، كمؤسسته الأمنية، العمل على شراء العديد من المعدات اللازمة وتقديم المناقصات من أجل التوصل إلى حلول لوجستية لتنفيذ هذه الخطة خلال فترة زمنية قصيرة في حال نشوب حرب بين "إسرائيل" وحزب الله، نحن نتحدث عن خدمات التنظيف لهذه المجمعات وآلاف الصناديق من المواد الغذائية الجافة والمياه وغيرها من السلع، وخلال الحرب ستكون قيادة الجبهة الداخلية مسؤولة عن نقل المستوطنين إلى هذه الملاجئ.
وتأتي تحركات حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، في وقت بلغ فيه التوتر بين هذا الكيان وحزب الله ذروته، وتزايدت المخاوف من حدوث صراع واسع النطاق بين الجانبين، ويتم بناء الملجأ للمستوطنين في وقت نزح فيه عشرات الآلاف من الأشخاص من منازلهم في الأشهر الأخيرة بسبب الخوف من العمليات الصاروخية لحزب الله.
وذكرت وسائل إعلام عبرية، الثلاثاء الماضي، نقلا عن تامير هايمان، القائد السابق لجيش عمان، أن حزب الله تمكن من طرد أكثر من 80 ألف مستوطن من المناطق الشمالية خلال التوترات الأخيرة، وقال تامير هايمان إن حزب الله تمكن من إنشاء منطقة عازلة في الشمال، وكان السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، حذر في وقت سابق من أنه في حالة نشوب صراع، بدلا من 80 ألف شخص، سيتم تهجير أكثر من مليوني مستوطن، وحذر المتطرفين الصهاينة من العواقب.
الصهاينة في الكهف
ويحاول نتنياهو إعادة المستوطنين الفارين من خلال بناء ملاجئ، لكنهم قالوا إنهم غير مستعدين للعودة حتى يتم رفع شبح الحرب عن المناطق الشمالية، ومن خلال بناء الملاجئ، تحاول حكومة نتنياهو إعطاء الأمل للمستوطنين لمواصلة العيش تحت المدافع والصواريخ، ولكن مع وضع الأراضي المحتلة، فإن حياة الصهاينة تشبه حياة سكان الكهوف في العصر الحجري، الذين يضطرون أن يطبخوا الطعام لأنفسهم بالنار، هذا فيما زعم نتنياهو وأصدقاؤه أنهم سيوفرون مثل هذه الظروف للبنانيين.
في بداية الحرب على غزة، حذر الصهاينة حزب الله من أنه إذا دخلت هذه الحركة معادلة غزة فسوف يعيدون لبنان إلى العصر الحجري، لكن في الشهر السادس من الصراع، يظهر وضع المستوطنين النازحين أن الحجر لقد حان على عمر الصهاينة أنفسهم، كما يعترف مسؤولون إسرائيليون سابقون بأنهم فقدوا قوة الردع أمام حزب الله ولا يستطيعون تحقيق أي شيء في حرب محتملة معه.
ووصفت صحيفة هآرتس الوضع الأمني بالكارثي في الجبهة الشمالية، وكتبت صحيفة "هآرتس" في تقرير لها: "أصيبت هذه المستوطنات بالشلل وأغلقت جميع الخدمات العامة في كريات شمونة وأصبح الدخول إلى المدينة خطيرا، والخدمات الصحية والمصرفية والحكومية ومكتب البريد وما شابه لا تعمل، والمحلات التجارية التي تفتح خلال ساعات محدودة تفتقر إلى المكونات الأساسية وهي الخبز والفواكه والخضروات ومنتجات الألبان، وحتى المنتجات الجافة يصعب الحصول عليها، ولا يدخل المدينة الموردون والموزعون والفنيون ولا يوجد إطار تربوي واجتماعي منظم، فالشوارع والطرق والبوابات مغلقة، إضافة إلى ذلك، فإن أصوات المدفعية والمروحيات وإطلاق صافرات الإنذار خلقت وضعاً بائساً لهذه المستوطنات، ويصدر الجيش تحذيرات من الهجمات البرية والجوية كل يوم.
وقد نشأ هذا الوضع المعقد بالنسبة للمستوطنات الشمالية في وقت ركز فيه حزب الله هجماته على المناطق العسكرية والمراكز الحساسة وامتنع عن استهداف المناطق المدنية، إلا أن المستوطنين ما زالوا يفضلون الهروب، والآن أصبحت البلدات المتاخمة للبنان شبه مهجورة ويمكن لحزب الله استهدافها بسهولة.
رد حزب الله الصاروخي على خطاب تل أبيب
حذر المسؤولون الصهاينة مؤخرا من أنهم إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق مع لبنان بحلول يوم الجمعة (15 مارس/آذار)، فسيوسعون نطاق الحرب في الجبهة الشمالية، لكن هذه التهديدات لم تجبر حزب الله على التراجع فحسب، بل على العودة إلى الأراضي المحتلة بمزيد من القوة وأظهر إطلاق 100 صاروخ على الأراضي المحتلة يوم الثلاثاء، وهو الأكبر من حيث عدد وحجم الصواريخ خلال الأشهر الخمسة الماضية، أن المقاومة اللبنانية لا تخشى مثل هذه التهديدات وستواصل عملياتها دفاعاً عن "إسرائيل"، ووصفت وسائل الإعلام العبرية هجمات حزب الله في الأيام الأخيرة بأنها غير مسبوقة، الأمر الذي ألحق خسائر فادحة بهذا الكيان.
والآن، وضع نصر الله "إسرائيل" في مأزق صعب، لأن عودة السكان إلى المستوطنات لن تكون سهلة حتى بعد اتفاق سياسي أو عملية عسكرية، وهذا لا يمكن أن يضمن أمن مناطق الشمال، لأن القدرات الهجومية لحزب الله ستستمر وسيصبح وضع الصهاينة صعبا بمهاجمة المنطقة الشمالية بأكملها وكذلك عمق الأراضي المحتلة.
قدرة حزب الله
بعد اغتيال قادة المقاومة، اختار حزب الله قاعدة "العين بالعين" ليرسل رسالة للصهاينة مفادها بأن عصر طرق الباب قد انتهى، وأنهم بعد ذلك سيتلقون ضربتين مقابل كل ضربة، ويعتقد المستوطنون والمسؤولون الصهاينة السابقون، على عكس قادتهم، أن الحرب مع حزب الله سيكون لها ثمن باهظ، وحذروا تل أبيب من عواقبها، وحسب الصهاينة، في حال نشوب حرب شاملة مع حزب الله، سيتم استهداف جميع الأراضي المحتلة بصواريخ المقاومة، وسيتم إطلاق 2000 صاروخ من لبنان باتجاه الأراضي المحتلة كل يوم، وحسب رئيس بلدية حيفا: "لن يتمكن المستوطنون حتى من توفير الضروريات اليومية، وخاصة المواد، كما سيكون لديهم مشاكل مع الطعام".
ويخشى الصهاينة من قدرات حزب الله العسكرية، في حين أن هذه الحركة مزودة بصواريخ دقيقة يمكنها استهداف جميع الأراضي المحتلة في حالة نشوب صراعات، والصواريخ التي أطلقها حزب الله على الأراضي المحتلة في الأشهر الأخيرة لم تكن سوى جزءاً من ترسانة هذه الحركة، وقال محمد رعد، ممثل المقاومة في البرلمان اللبناني، في كلمة للصهاينة الأسبوع الماضي: إن "المقاومة لم تستخدم كل أسلحتها ولم تفتح بعد المخزن الرئيسي للسلاح"، كما حذّر الشيخ نعيم قاسم، النائب التنفيذي للأمين العام لحزب الله، من أنه إذا كانت "إسرائيل" غبية فإنها ستواجه نسخة متقدمة من حرب الـ 33 يوماً.
وبالإشارة إلى هذه القدرة العسكرية، فإن أمريكا وفرنسا تحاولان إقناع حزب الله بخفض التوتر على الجبهة الشمالية عبر الحوار، لأنهما يعرفان ما هي القوة التي تمتلكها هذا الحركة وتستطيع توجيه ضربة قاصمة للكيان الصهيوني، ومن وجهة نظر الغربيين، فإن الكيان الصهيوني غير قادر على القتال على عدة جبهات، وفي حالة نشوب حرب على الحدود اللبنانية، فإنه سيعاني من أضرار جسيمة، لأن حزب الله أقوى بكثير من حماس، والقتال مع وجودها لفترة طويلة سوف يؤدي إلى تعقيد الظروف الأمنية في الأراضي المحتلة.
ولم تنجح هذه التحركات الدبلوماسية ولا يمكنها إنقاذ المحتلين من الحرب التي صنعتها بنفسها، لأن قادة حزب الله قالوا مرارا وتكرارا إن تل أبيب هي المذنب الرئيسي للأزمة على جبهتها الشمالية، وطالما استمرت الإبادة الجماعية في غزة، فإن حزب الله مستمر ولن يوقف عملياته.
ومع الهجمات المتواصلة التي يشنها حزب الله على الأراضي المحتلة، فإن حكومة نتنياهو تقف الآن على مفترق طرق صعب، وإذا كانت "إسرائيل" راغبة في توسيع نطاق الحرب مع حزب الله، فإن الوضع على الجبهة الشمالية سوف يصبح أسوأ من ذي قبل، وإخلاء المستوطنات وهروب المستوطنين من شأنه أن يفرض أعباء جديدة على كاهل الحكومة، ومن ناحية أخرى، إذا أراد إنهاء الحرب في غزة دون تحقيق أي إنجاز معين، فبالإضافة إلى تشويه صورة تل أبيب في العالم، فإنه سيمهد الطريق أيضاً لانهيار حكومته نصف الدولة، ولذلك فقد نتنياهو المبادرة وهو عالق في حفرة عميقة لن يخرج منها دون تكاليف سياسية.