بعد الضربة القاسية التي تلقتها الهياكل العسكرية والأمنية للكيان الصهيوني، أعلن نتنياهو عن تشكيل حكومة طوارئ وطنية بحضور بيني غانتس ويوآف غالانت، للتخطيط لبدء هجوم شامل على قطاع غزة وتدمير حماس.
وفي الوقت نفسه، أرسلت واشنطن والترويكا الأوروبية، إلی جانب إدانتهما لهجوم حماس، سفناً حربيةً وطائرات استخبارات قتالية ومساعدات عسكرية إلى تل أبيب وقواعد حلف شمال الأطلسي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ورداً على استنفار القوات الاحتياطية والرئيسية للجيش الإسرائيلي لشن هجوم كبير على قطاع غزة، قررت المجموعات المنضوية في شبكة "محور المقاومة" البدء بعمليات ضد مصالح الکيان الإسرائيلي وحلفائه في المنطقة، انطلاقاً من استراتيجية "وحدة الساحات"، ومراعاة الظروف الداخلية لكل عنصر من عناصر المقاومة.
تم تقسيم إنشاء حلقة الردع هذه إلى ثلاث طبقات: "فلسطين المحتلة"، و"جبهة الشمال والجنوب"، وأخيراً منطقة "المشرق العربي"، وتهدف هذه السياسة إلى تكثيف الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية على تل أبيب، من أجل إنهاء الحرب وإعلان وقف إطلاق النار في غزة.
سنحاول في هذا التقرير إلقاء نظرة على مواجهة محور المقاومة للکيان الإسرائيلي، وحلفائه الغربيين في منطقة الشرق الأوسط.
الإذلال على الجبهة الشمالية
بعد ساعة واحدة فقط من عملية طوفان الأقصى، استهدف حزب الله اللبناني، إلى جانب فرعي حماس والجهاد الإسلامي في جنوب لبنان، محطات التجسس والثكنات والقوات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية.
أدت سلسلة الهجمات المحدودة ولكن الهادفة التي شنها حزب الله، إلى قيام الجيش الإسرائيلي بإرسال ثلث قواته العسكرية في وحدات مختلفة إلى الحدود المشتركة مع لبنان، بعد فترة قصيرة من الزمن.
لاحقاً، حاول طرفا النزاع الوصول إلى نقطة توازن من خلال اختيار النقاط العسكرية في المناطق الحدودية؛ لكن تقدم الجيش الإسرائيلي في غزة، تسبب في زيادة تبادل إطلاق النار عند النقاط الحدودية.
وأدت هذه القضية إلى نزوح ما بين 80 ألفاً (مصادر عبرية)، و200 ألف مستوطن (مصادر لبنانية) داخل دائرة نصف قطرها 1.25 ميل، وتسببت في أضرار جسيمة للاقتصاد الإسرائيلي.
کذلك، أدى تكثيف العبء الأمني والاقتصادي لعمليات حزب الله في شمال فلسطين المحتلة، إلى تزايد عدوانية إجراءات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، على سبيل المثال، في يناير/كانون الثاني 2024، قامت فرقة الاغتيال التابعة للجيش الإسرائيلي باغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في بيروت، واغتيال وسام الطويل نائب قائد إحدى وحدات مغاوير الرضوان، وعباس الدبس مسؤول عمليات حزب الله في محافظة النبطية.
منذ الـ 8 من تشرين الأول/أكتوبر وحتى الـ 19 من شباط/فبراير، قدّم حزب الله أكثر من 200 شهيد دفاعاً عن القدس والأمن القومي اللبناني، وفي الـ 5 من شباط/فبراير، وبمناسبة مرور اليوم الـ120 على عملية طوفان الأقصى، نشر حزب الله إحصائيات حول آخر تحركات هذا الحزب ضد الجيش الإسرائيلي.
وحسب الوحدة الإعلامية لحزب الله، فقد قُتل وجُرح خلال الفترة المذكورة أكثر من ألفي صهيوني، وتمت مهاجمة 26 مركز قيادة، وإخلاء 43 مستوطنة، وتهجير 230 ألف شخص.
مع دخول الحرب شهرها الخامس، يبدو أن الخطوط الحمراء بين حزب الله والكيان الصهيوني قد تغيرت، فمن خلال انتهاك الخطوط الحمراء في القتال ضد المقاومة، استهدف الجيش الإسرائيلي نقاطاً مدنيةً في مناطق مثل النبطية (إحدى القواعد الشيعية) وصيدا (مركز أهل السنة في لبنان)، ورداً على هذا الهجوم، استهدف حزب الله قاعدة ميرون الجوية، ومدينة صفد.
والآن، يعتقد بعض المحللين أنه على الرغم من أن حزب الله لا يزال غير مهتم بتوسيع نطاق الحرب مع تل أبيب، إلا أن نتنياهو وحلفاءه اليمينيين قد يسعون إلى فتح جبهة جديدة في شمال فلسطين المحتلة، من أجل الهروب من السقوط.
البحر الأحمر غير الآمن للکيان الإسرائيلي
تزامناً مع هجمات المقاومة اللبنانية التي استهدفت أهدافاً عسكريةً في شمال فلسطين المحتلة، أصدر الجيش الوطني اليمني بياناً أعلن فيه أنه انطلاقاً من واجبه الديني والعربي والإنساني، فإنه سيستهدف جنوب الأراضي المحتلة، وخاصةً ميناء إيلات، وأدت سلسلة الهجمات التي شنتها المقاومة اليمنية على هذه المدينة الساحلية، إلى توقف النشاط التجاري الطبيعي في إيلات تقريباً.
ومع بدء الهجوم البري للجيش الإسرائيلي على غزة والحصار الكامل على هذا القطاع، بدأ الجيش الوطني اليمني عمليات مناهضة للصهاينة ضد السفن التابعة للکيان الصهيوني، اعتباراً من الـ 19 من نوفمبر 2023، ووفقاً لبلومبرج، فإن تصرفات صنعاء ضد الکيان الإسرائيلي، تعرض 12% من التجارة العالمية في شمال المحيط الهندي للخطر.
ومجموع هذه الهجمات دفع شركات الشحن الكبرى، مثل البحر الأبيض المتوسط ومجموعة سي إم ايه - سي جي أم وميرسك وهاباج لويد والسفن التابعة لشركة البترول البريطانية، إلى إصدار بيانات مختلفة، أعلنت فيها أنها بدلاً من عبور الطريق التقليدي السويس - باب المندب (24 يوماً)، ستسلك الطريق الأبعد، وهو رأس الرجاء الصالح (34 يوماً)، للوصول إلى الأسواق المستهدفة.
وأدى اتخاذ مثل هذا القرار إلى ارتفاع أسعار الوقود وتأمين السفن في الأسواق العالمية، وتكثيف ضغوط الشركات متعددة الجنسيات على الحكومات الغربية، للتعامل مع تصرفات صنعاء.
وكانت الخطوة الأولى لأمريكا للتعامل مع الجيش الوطني اليمني ودحر المقاومة، هي إنشاء آلية الأمن البحري "حراس الازدهار" بمشاركة ما يقرب من 10 دول، وبعد فترة، انضمت أستراليا واليونان أيضًا إلى هذا التحالف.
وحسب الإعلان الذي نشرته القيادة المركزية الأمريكية، فإن مهمة هذه المجموعة البحرية هي إنشاء خط آمن لمرور السفن التجارية عبر البحر الأحمر، وصدّ هجمات المقاومة.
وتسبب فشل خطة واشنطن الأولية لإعادة الأمن إلى البحر الأحمر في قيام هذه الدولة، إلى جانب اليابان، بتقديم مشروع القرار 2722 والموافقة عليه في مجلس الأمن الدولي، من أجل توفير أساس قانوني للعمل ضد صنعاء.
وبعد صدور هذا القرار، ضربت الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى جانب أستراليا وكندا وهولندا والبحرين، صباح 12 يناير 2024، عبر 70 غارة جوية، أكثر من 60 نقطة استراتيجية في 30 موقعاً بـ 150 صاروخاً موجهاً، في صنعاء والحديدة وتعز وذمار وريم وعبس وكمران وزبيد.
وفي منتصف ليل السبت 13 كانون الثاني/يناير، استهدفت المدمرة الأمريكية يو إس إس كارني الموقع الراداري لأنصار الله بصاروخ توماهوك الموجه، وبعد الموجة الأولى من الهجمات ضد أهداف المقاومة اليمنية، حاولت واشنطن ولندن الرد بهجوم صاروخي جوي بعد كل عمل تقوم به المقاومة اليمنية.
ومن المثير للاهتمام أن هذا الإجراء لم ينجح حتى الآن، وأن صنعاء مستمرة في استهداف أهداف مرتبطة بالكيان الصهيوني، ومؤخرًا بالولايات المتحدة وبريطانيا.
على سبيل المثال، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، يحيى سريع، يوم الاثنين 19 فبراير 2024، عن استهداف السفينة البريطانية "RUBYMAR"، والطائرة الأمريكية دون طيار "MQ9" في خليج عدن ومحافظة الحديدة.
وأعلنت صنعاء أن السبيل الوحيد لوقف تصرفات هذا البلد في البحر الأحمر، هو إعلان وقف إطلاق النار في غزة، ورفع الحصار عن هذه المنطقة الفلسطينية.
القيادة المركزية تحت نيران المقاومة
بلاد الشام هي ساحة تصادم أخرى بين محور المقاومة والقيادة المركزية، فبعد بدء حرب طوفان الأقصى، وفرت مجموعات المقاومة العراقية-السورية، من خلال استهداف القواعد والمصالح المرتبطة بأمريكا، وفي بعض الحالات مهاجمة أهداف في الأراضي المحتلة، إلی جانب خلق الردع ضد الجهات الفاعلة عبر الإقليمية، وفرت الأرضية للسلام في قطاع غزة.
وحسب فوكس نيوز، نظمت قوات المقاومة في الفترة من الـ 7 من أكتوبر إلى الـ 5 من فبراير، 168 هجومًا صاروخيًا بطائرات مسيرة ضد المصالح الأمريكية في العراق وسوريا، لكن ربما ذروة هجمات المقاومة کانت استهداف البرج 22 قرب قاعدة التنف السرية على الحدود السورية الأردنية، يوم الأحد الـ 28 من كانون الثاني/يناير 2023، وخلال هذا الهجوم، قُتل ما لا يقل عن 3 أمريكيين، وجُرح العشرات.
ورداً على هذا الهجوم، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، مساء الجمعة 2 شباط/فبراير، عن غارة جوية على 85 هدفاً في 12 موقعاً في الميادين والبوكمال ومعبر القائم، وفي هذا الانتهاك الواضح لسيادة العراق وسوريا وسلامتهما الإقليمية، استخدم الجيش الأمريكي 125 ذخيرة دقيقة التوجيه.
وحسب أنباء غير مؤكدة من مصادر عراقية، فقد استشهد ما لا يقل عن 16 مواطناً عراقياً وأصيب 25 آخرون، في الهجوم الذي وقع غرب محافظة الأنبار، وبعد أيام قليلة، قتلت الولايات المتحدة قائدين من كتائب حزب الله العراقي، هما أركان العلياوي وأبو باقر الساعدي، في هجوم بطائرة دون طيار على بغداد.
وعلى الرغم من أن المسؤولين ووسائل الإعلام المقربين من إدارة بايدن، يحاولون تصوير هجوم 2 فبراير والاغتيال الهادف للقادة الميدانيين في كتائب حزب الله، على أنه انتصار عسكري وإنجاز كبير، لكن الأدلة تشير إلى أن الرأي العام في هذا البلد وقوى المعارضة، وصفوا الضربات الجوية الأمريكية على المراكز المهجورة بالفشل الكبير، وانتقدوا بايدن.
بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على الحرب بين الکيان الإسرائيلي وحركة حماس، يبدو أن واشنطن وبروكسل لا تزالان رهينتين لسياسات نتنياهو العدوانية في قطاع غزة، ومؤخراً في شمال الأراضي المحتلة.
وبينما يريد محور المقاومة والولايات المتحدة لأسباب مختلفة وقف الحرب في غزة، ومنع تصدير الأزمة إلى أجزاء أخرى من المنطقة، إلا أن أمراء الحرب في تل أبيب ليس لديهم نية للقبول بشروط وقف إطلاق النار، وإنهاء الأزمة في شرق البحر الأبيض المتوسط، من أجل الحفاظ على قوتهم.
وبناءً على ذلك، يبدو أنه إلى أن يحدث تغيير جدي في الوضع الإنساني-الميداني في غزة، فإن الجماعات التابعة لشبكة المقاومة ستستمر في مهاجمة مصالح تل أبيب وواشنطن في جميع أنحاء المنطقة على أساس "وحدة الساحات"، ليتم بهذه الطريقة توفير أدوات المساومة والضغط على الصهاينة للقبول بوقف دائم لإطلاق النار.