ووصف القحوم هذا الإجراء من حزب الإصلاح بأنه "خطوة مهمة للتعامل مع التحديات والمخاطر ومن أجل الحفاظ على وحدة اليمن ومواجهة المشاريع الاستعمارية وإغلاق الباب أمام كل التدخلات الخارجية"، وقال هذا المسؤول في أنصار الله أيضًا: "تأمل حكومة صنعاء أن يتم تنفيذ خطة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في إعادة فتح الطرق والقضايا الإنسانية، وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين، وتخصيص عائدات النفط والغاز لجميع المحافظات".
واعتبر القحوم مشاكل صنعاء مع الحكومة التابعة للرياض سياسية، وبحلها ستحل كل المشاكل عبر الحوارات الوطنية بما في ذلك في المحافظات الجنوبية ومع المجلس الانتقالي [التابع للإمارات] أو الجماعات الأخرى الموجودة في حضرموت والمهرة، وفي النهاية أكد أن حكومة صنعاء مستعدة للحوارات الداخلية في اليمن، كما أنها بعيدة كل البعد عن الوصاية الأجنبية، حفاظاً على سلامة أراضي اليمن وسيادته واستقلاله.
ويكشف كلام هذا المسؤول في حكومة الإنقاذ الوطني عن الدوافع التي دفعت حزب الإصلاح إلى فتح أبواب الحوار مع أنصار الله، ومن بينها قلق الجماعة من التهميش في المفاوضات المباشرة بين صنعاء والرياض، والوضع الذي لا يمكن إصلاحه هو اتساع الفجوة في مجلس الشورى حيث إن رئاسة مجلس الوزراء في عدن، فضلاً عن العديد من المشاكل الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه المجموعة، بعيدة كل البعد عن الاحتمال الواضح لحلها.
الشعور بمخاطر التصحيح الداخلية والخارجية
إن بدء المفاوضات المباشرة بين الرياض وأنصار الله لا يمكن أن يعني سوى السلبية السياسية والتهميش المتزايد في تحديد الاتجاهات المستقبلية لتطورات البلاد بالنسبة للأطراف الداخلية الأخرى في تطورات اليمن، وفي السنوات الماضية، كانت قيادات جماعة الإخوان المسلمين في اليمن تأمل أن تتمكن من خلال استغلال وجود السعودية والإمارات، من تطوير المناطق الخاضعة لنفوذها وسيطرتها في اليمن، وأن تصبح قطب القوة الرئيسي في المستقبل لبناء الدولة في البلاد، لكن مع هزيمة تحالف المعتدي ونجاحات أنصار الله في المناطق الجنوبية من اليمن، فهم المرتزقة السعوديون أيضاً تدريجياً الواقع السياسي والميداني في هذا البلد، وأصبحوا يعرفون أن الصداقة مع تحالف المعتدي والمواجهة مع أنصار الله لن تنجح، ولا يملك حزب الإصلاح موطئ قدم سياسي في الشمال، ولا يملك القدرة على هزيمة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أخضع المحافظات الجنوبية، ولذلك، يمكن النظر إلى الحوار المباشر مع صنعاء باعتباره الحل الحالي الوحيد للإصلاحيين لتجنب الوقوع في خضم الصراعات السياسية الداخلية.
كما أن حزب الإصلاح، الذي قتل العديد من الأشخاص وأسر العشرات خلال السنوات الأخيرة في اشتباكات مع قوات أنصار الله، يريد إطلاق سراح أسراه من خلال السلام مع صنعاء، وفي المقابل، لا يمكن إصلاح الوضع الاقتصادي للمحافظات الواقعة تحت نفوذ الإصلاح دون حل بعض القضايا مع صنعاء، حيث فقدت جماعة الإخوان المسلمين شرعيتها لدى أهالي مأرب، وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت بعض المصادر أن "قبيلة عبيدة"، حارسة عش سبأ، من القبائل الكبيرة التي لا تزال تقاتل مع الإخوان وتعتبر وجودها مع هذه الجماعة تهديداً لأمن مأرب.. ولهذا السبب ترى قيادات حزب الإصلاح، التي طردها السعوديون وخرج منها أهل مأرب، أن حل الأزمة المعيشية والاقتصادية عبر التفاعل مع صنعاء هو المخرج الوحيد من المستنقع الحالي.
وفي هذا الصدد نشر عبود الشريف مقترحا في الفضاء الافتراضي تضمن التوقيع على وثيقة جديدة بشأن فتح خط صرواح – مأرب – صنعاء الذي سبق أن أبدت صنعاء رغبتها في فتحه، وحسب الشريف فإن "هذه الوثيقة تتضمن عودة لاجئي صنعاء ومأرب إلى مناطقهم، على أن تقوم قبيلة الجهم بتأمين الطرق على الخط الفاصل بين قوات صنعاء وفصائل الحزب عند مدخل مأرب".
تجدر الإشارة إلى أن جميع الأطراف المعنية باليمن للعام التاسع على التوالي تؤكد رغبتها وجهدها في إعادة فتح كل منافذ المدن والطرق بين المحافظات في خطوط التماس لإنهاء معاناة الملايين من الناس، ويمر اليمنيون بطرق وعرة وخطيرة بسبب الانفلات الأمني، ولا يزال الملايين يعانون من عناء السفر وصعوبة اختيار الطرق البديلة، وعرة أو صحراوية، جميعها مليئة بالخطر والمسافات الطويلة والمرهقة.
ورغم أن حزب الإصلاح كان دون قصد في نفس جبهة المجلس الانتقالي للجنوب في السنوات الأولى من الحرب، إلا أنه عندما انكشفت المخططات الانفصالية لهذا المجلس، أعرضت عنها قيادات الإخوان المسلمين، واتجه الاحتلال إلى بعض المناطق من قبل ميليشيات المجلس الانتقالي، مثل جزيرة سقطري التي كانت تاريخياً مركزاً لنفوذ الإخوان، ما زاد من تفاقم هذه الخلافات.
في غضون ذلك، لم يحقق المجلس الرئاسي اليمني، الذي حلت السعودية محله العام الماضي بهدف توحيد جماعات المعارضة في صنعاء وتعزيز الثقل السياسي والعسكري للجنوب ضد الشمال، أي نجاح من حيث المبدأ، ومن بين الإخفاقات المستمرة أن المجلس الانتقالي التابع للإمارات لا يتمتع بقوة السيادة والشرعية بين المحافظات الجنوبية لليمن.
ومن ناحية أخرى، فإن استعداد الإخوان المسلمين للتحدث مع صنعاء يرتبط أيضاً بالتطورات الإقليمية، وإن قيادات حزب الإصلاح تدرك حقيقة البحر الأحمر وقوة أنصار الله في الحرب مع الكيان الصهيوني وأمريكا، الأمر الذي يمكن أن يزيد من الشرعية الداخلية وكذلك من استعداد المجتمع الدولي لقبول شرعية الإنقاذ الوطني.
لقد توصلت الحكومة اليمنية باعتبارها الحكومة بلا منازع في جغرافيا اليمن، إلى أن المواجهة مع صنعاء مضيعة للوقت ومزيد من التكاليف، ولأن أنصار الله لم تعد حركة دينية مقتصرة على محافظة صعدة، وفي نفس الوقت الذي توسع فيه وجودها ونفوذها في كامل المحافظات الشمالية والغربية، فقد أصبحت جيشاً قوياً أركع حتى قوة عظمى مثل أمريكا، والحقيقة أنه في الأشهر الأخيرة، وبسبب دعم أنصار الله لشعب غزة المظلوم، زادت شرعية هذه الحركة لدى الشعب اليمني، وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، المدركة لهذه القضية.
مأرب تعود إلى أحضان صنعاء
وتلعب مأرب دورا مهما في المعادلات السياسية والاقتصادية والعسكرية لليمن بسبب ثروتها النفطية والغازية وتاريخها وتماسك بنيتها القبلية، وتضم مأرب أكبر حقول تصدير الغاز (صافر)، وهو مصدر إمدادات الغاز للبلاد بأكملها، وبها أكبر محطة غاز لتوليد الكهرباء، كما بلغت الطاقة الإنتاجية لمصفاتها النفطية 10 آلاف برميل يوميا، وبالنسبة لحزب الإصلاح، فإن الحفاظ على هذا الكنز مهم للغاية، ولذلك تحاول قيادات الإخوان الحفاظ على نفوذهم في هذه المحافظة الاستراتيجية من خلال السلام مع أنصار الله.
وتعتبر مأرب البوابة الشرقية لصنعاء، ويحاول أنصار الله السيطرة على هذه المنطقة وإبعاد مرتزقة السعودية عن العاصمة وتعزيز سيطرتهم على المناطق الوسطى، وكان تحرير هذه المدينة في غاية الأهمية، لدرجة أنه قبل عامين، كلما حقق أنصار الله نجاحاً، حاولت السلطات السعودية، بوساطة ممثل الأمم المتحدة، إبطاء التقدم بحجة وقف إطلاق النار، لأن مأرب تعتبر الشريان الرئيسي، وإذا خسروه، فإن المحافظات الأخرى المحتلة من المنطقة الوسطى معرضة أيضاً للانهيار، ومن ناحية أخرى، فإن نفوذ أنصار الله في مأرب يجعل حكومة صنعاء تسيطر بشكل كامل على محافظات شبوة والمهرة وحضرموت الغنية بالنفط والغاز، والتي تقع تحت احتلال السعودية والإمارات العربية المتحدة.
إن ميل جماعة الإخوان المسلمين إلى الاستقرار في صنعاء يزيل أحد المخاوف والتحديات الأمنية التي يواجهها أنصار الله في اليمن، وبسبب مشاركتهم في البحر الأحمر ومفاوضات السلام مع المملكة العربية السعودية، ليس لديهم رغبة في القتال مرة أخرى مع الجماعات اليمنية ويرحبون بالحوار مع جماعة الإخوان المسلمين والحركات السياسية الأخرى في اليمن، وإن الفجوة بين المرتزقة السعوديين والإماراتيين ستضع حكام الرياض وأبو ظبي في موقف صعب، وفي النهاية لن يكون أمامهم خيار سوى الاستسلام لإرادة أنصار الله، فتعاون الإخوان المسلمين مع صنعاء سيكون له تأثير على مفاوضات أنصار الله المستقبلية مع المعتدين، وثقله، وسيحسن الوضع السياسي لصنعاء.