ما يجري اليوم على أرض فلسطين يجعلنا نستذكر مقولة منسوبة إلى الزعيم الألماني هتلر حين أبقى أعداداً من اليهود في أوروبا على قيد الحياة، سأله بعضهم حينها لماذا لم تبدهم بالكامل؟ فأجاب حتى يخالطون البشر و يعرف العالم أفعالهم الخبيثة ثم لا يلومني أحد على قتلهم!
أطفال غزة بين قبضتي الموت جوعاً و الخذلان
تحت أنظار العالم ومع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يومه الـ150 تتفاقم الأوضاع الإنسانية، وتمتد يد الموت لتحصد مزيدا من الأرواح، فمن لم يطله رصاص الاحتلال يتربص به الموت جوعا، ولعل الأطفال أكثر المتأثرين بانعدام الغذاء أو سوئه في حال وجد ، فقد أعلنت وزارة الصحة في غزة الأحد 3 ابريل عن ارتفاع عدد الأطفال المتوفين بسبب سوء التغذية والجفاف بمستشفى كمال عدوان إلى 15 طفلا.
فيما انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر طفلاً فلسطينياً من قطاع غزة، يروي قصة معاناته في ظل الحصار المفروض على القطاع منذ 6 أشهر، حيث قطع الطفل مسافة 12 كيلومتراً حافي القدمين، من منطقة بيت لاهيا، بحثاً عن ذرّات طحين رمتها طائرات المساعدات، ولم يتمكن الطفل من الحصول على ما يبحث عنه، بسبب ازدحام المكان بالعديد من الأشخاص الذين يبحثون عن لقمة العيش.
و لم تكن قصة الطفلة جنى قديح أقل ألماً، تلك الطفلة ذات الجسد الهزيل و التي بقيت لثلاثة أيام تنازع الموت، وتتشبث بالحياة بشرب الماء فقط، في حين تهاوى جسدها الضئيل بسبب الجوع، استشهدت جنى (14 عاماً ) نتيجة الجوع الشديد، ولم تجد قبرا يؤوي جسدها الضئيل، واضطرت أسرتها إلى دفنها في ساحة المدرسة، المحاصرة بالدبابات والمستهدفة من مقاتلات حربية إسرائيلية بغارات جوية عنيفة في محيطها، تزامنا مع مساعي التوغل برا من المحور الشرقي نحو عمق مدينة خان يونس، ومن الجدير بالذكر أن جنى تعاني من الشلل الدماغي، ولا تقوى على الجوع، ولم تجد أسرتها ما يُقيتها لـ3 أيام متتاليةوظلت أسرة جنى طوال هذه الأيام تناشد المنظمات الحقوقية والدولية لإنقاذها من براثن القصف والحصار والجوع، لكن لم يستجب أحد لصرخات والدتها ندى وأسرتها وآلاف النازحين في المدرسة.
وما جنى إلا واحدة من عدة حالات وفاة رصدها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، لأطفال فقدوا حياتهم نتيجة الجوع الشديد داخل مراكز إيواء، جلها في مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مناطق جنوب قطاع غزة، حيث استشهد اليوم الاثنين الطفل يزن الكفارنة البالغ من العمر 10 سنوات، في مستشفى أبو يوسف النجار في رفح جنوب قطاع غزة بسبب سوء التغذية، وبذلك يرتفع عدد الأطفال المتوفين في غزة بسبب سوء التغذية إلى 16 طفلا.
سياسة ممنهجة لتجويع وقتل الأطفال
الاحتلال يتبع سياسة ممنهجة في التجويع، فهو يعمل على عرقلة جهود جميع المنظمات الإنسانية، ويتعنت في طلب المنظمات الدولية إدخال المساعدات ما يؤدي إلى تضرر صحة الأطفال والكبار والنساء الحوامل، حيث يعانون من نقص التغذية ونقص الفيتامينات، ما يؤثر سلبًا على صحتهم بشكل كبير فتشير التقارير الطبية إلى أن النساء اللواتي يضعن مولودهن يعانين من نقص التغذية والفيتامينات، ما يعرض الجنين لنقص التغذية أيضا ولخطر على صحته، ويشير ذلك إلى أن كيان الاحتلال الصهيوني يحاول التركيز على قتل وتجويع الأطفال بشكل مباشر من خلال وضعه سياسة ممنهجة لتحقيق هذا الهدف في ظل فشله في تحقيق أهداف عسكرية على الأرض.
وفي 19 فبراير/ شباط الماضي حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أن الارتفاع الحاد في سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات في قطاع غزة يشكل تهديدا خطيرا على صحتهم، وخاصة مع استمرار الحرب المدمرة.
وتعزل قوات الاحتلال الصهيوني مدينة غزة وشمالها، عن مدن جنوب القطاع التي تعتبر "السلة الغذائية"، وتمنع تدفق السلع والمحاصيل من جنوب القطاع لشماله، وفي الوقت نفسه تواصل منع توريد السلع الغذائية وكل الإمدادات الإنسانية، بما فيها الوقود، عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، المغلق منذ اندلاع الحرب في السابع من الشهر الماضي. وصعّدت في الساعات الأخيرة بشكل حاد من "حرب التجويع" التي تمارسها بحق المدنيين في القطاع، لمفاقمة الوضع المعيشي الذي وصل لمستويات كارثية، كأداة للإخضاع.
ويحظر القانون الدولي الإنساني، بشكل حازم، استخدام التجويع، كوسيلة من وسائل الحرب، وباعتبارها القوة المحتلة في غزة، فإن حكومة الاحتلال ملزمة بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم.
ووفقا لمدير "الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" فإن كيان الاحتلال الإسرائيلي وبدلا عن ذلك، لم يكتف بالحصار المطبق واستهداف ما تبقى من سبل الحياة في غزة، بل عمد إلى استهداف المدنيين في أثناء "الرحلة الشاقة" بالبحث عن الطعام والماء، وقصفهم في "طوابير" المخابز وفي الأسواق، وكان آخر فصول جرائمه مجزرة الطحين الأحمر.
خذلان عربي و دولي
تتوارد الأخبار يوميًا بعد الحصار الخانق والقاتل على أهل غزة، بوفاة أطفال جوعًا، في ظلّ تقاعس وتخاذل دولي مخجل، بل والأنكى من ذلك أن تسهم دول في إقامة جسر بري يعين الكيان الصهيوني، بينما الحصار بالتجويع والقتل يعانيه أهل غزة: أطفالًا، ونساء، وشيوخًا وعجائز، مع الأسف.
فالإنسان في غزة إما أن يموت قتلًا بأسلحة ورصاص الاحتلال، أو بمنع الدواء عنه إن أُصيب أو جرح، أو يموت جوعًا بمنع الطعام عنه، وكثير من حالات الوفاة تجويعًا ليست عن فقر، أو قلة ذات اليد، بل لديهم المال ليشتروا ما يأكلون ويشربون، ولكن الطعام والشراب ممنوعان من باب إماتتهم عطشى وجوعى.
وهو ما دفع بالكثيرين للسؤال عن حكم هذا القتل بالتجويع، وحكم من يعاون عليه، أو يؤيد ما تقوم به حكوماتهم تجاه هؤلاء المظلومين المقهورين والمقتولين تجويعًا، وحكم خذلان هؤلاء، هل يعد مشاركة في الجريمة أم لا؟
آلاف الأطفال الفلسطينيين اليوم على حافة الموت، لا يجدون الطعام ولا الدواء ولا حتى الحليب، ومع ذلك يدير العرب وجوههم الى الناحية الاخرى، لا يريدون ان يسمعوا، وبالتالي ان يتحركوا، حتى لا تغضب منهم الحكومة الإسرائيلية!