وتأتي هذه التصريحات في أعقاب تقييم مماثل لهيئة قناة السويس الشهر الماضي. وقال رئيس الهيئة أسامة ربيع حينها إن حركة المرور انخفضت بنسبة 30% في الفترة من 1 إلى 11 يناير/كانون الثاني، بينما انخفضت الإيرادات بالدولار بنسبة 40%.
في الواقع، مايواجهه الاقتصاد المصري من تحديات رافق هذا الاقتصاد منذ تولي السيسي السلطة في عام 2014، بما في ذلك انخفاض قيمة الجنيه، ونقص العملات الأجنبية، وارتفاع التضخم، وزيادة الديون، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، وتراجع السياحة، وفقر البنية التحتية، وغياب الإصلاحات الهيكلية.
إحصاءات و بيانات
تراجعت الحمولة المارة بقناة السويس بشكل كبير بعد الحرب على غزة و التوتر الحاصل في البحر الأحمر، وبحسب بيانات منصة “بورت ووتش” التابعة لصندوق النقد الدولى، تراجعت الحمولة خلال الفترة بين 19 نوفمبر 2022 إلى 20 فبراير 2023 إلى 324 مليون طن مقابل 449.8 مليون طن خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ومرت خلال الفترة نفسها نحو 5178 سفينة بقناة السويس مقارنة مع 6673 سفينة فى الفترة نفسها من العام الماضى. وكان التراجع الأكبر فى سفن الحاويات التى تراجعت إلى 3458 سفينة مقارنة مع 4369 سفينة، وناقلات البترول التى انخفضت إلى 1720 سفينة مقارنة مع 2304 سفينة. وواصلت الحمولة المارة بالقناة الانخفاض على أساس أسبوعى مُسجلة 13.5 مليون طن مقابل 14.7 مليون طن فى الأسبوع السابق عليه، فيما انخفض عدد السفن إلى 238 سفينة مقابل 285 سفينة.
فيما انخفضت الحمولة منذ بداية العام إلى نحو 122 مليون طن مقابل 241.5 مليون طن خلال الفترة نفسها من العام الماضى بتراجع نحو 50%.
وعلى صعيد عدد السفن المارة بالقناة تراجعت منذ بداية العام وحتى 20 فبراير إلى 2160 سفينة مقارنة مع 3595 سفينة فى الفترة نفسها من العام الماضى. وقناة السويس تُعد أحد موارد النقد الأجنبى الأساسية لمصر، بعدما تجاوزت إيراداته 10 مليارات دولار مع ارتفاع أسعار النفط الذي يشكل جزء كبير من الحمولة المارة به، وكذلك مع زيادة رسوم المرور.
وقدًر صندوق النقد الدولى أن مصر تفقد نحو 50% من إيرادات القناة شهريًا والبالغة نحو 700 مليون دولار، ويتفق مع تلك التقديرات بنك جى بى مورجان الذى قدر أن خسائر القناة خلال يناير وديسمبر وصلت إلى 800 مليون دولار.
ويُعمق تأثير انخفاض إيرادات القناة أن مصر تُعانى بالفعل من أزمة عملة فى وقت ترتفع فيه احتياجاتها من العملة الخارجية.
أزمات واجهها الاقتصاد المصري في الأعوام القليلة الماضية
و في كلمته رمى السيسي مسؤولية انهيار الاقتصاد المصري على الأزمات التي مرت على مصر و اقتصادها خلال الأعوام القليلة الماضية و كان لها دور كبير في تراجع هذا الاقتصاد و انهياره مؤخراً بحسب تعبيره فقد واجهت مصر تداعيات فيروس كورونا عامين، ثم الأزمة الأوكرانية الروسية، ثم ما التوتر على حدود البلاد مع ليبيا والسودان واليوم مع قطاع غزة و الحرب على شعب فلسطين ومانشأ عنه من توتر في البحر الأحمر و تراجع الممر الملاحي الذي كان يورد لمصر تقريباً حوالي 10 مليارات دولار سنوياً تراجع اليوم بنسبة 40% إلى 50% .
ولكن بالعودة إلى بعض الإحصاءات والمعلومات نجد أن الأزمة الأوكرانية الروسية مثلاً كان لها تأثير ايجابي على واردات قناة السويس بالتالي على الاقتصاد المصري وإذا كان الاقتصاد المصري قد تضررت بعض قطاعاته من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية مثل السياحة، فقد استفادت قناة السويس من تلك الحرب استفادة واضحة، حيث تسبب الحظر الأوروبي للطاقة الروسية في بحثها عن بدائل، كان بعضها في دول الخليج العربي ودول آسيوية، وكذلك بحث روسيا عن أسواق بديلة لنفطها وغازها الطبيعي المسال.
هذا الأمر عزز من عبور ناقلات النفط والغاز الطبيعي عبر القناة، سواء من الخليج وجنوب آسيا إلى أوروبا أو من روسيا إلى الهند وغيرها من الأسواق الآسيوية، كذلك تسبب ارتفاع سعر البترول الذي بلغ متوسطه خلال عام الحرب الروسية نحو 100 دولار، مما يزيد من تكلفة إبحار السفن القادمة من آسيا متجهة إلى أوروبا أو إلى أميركا الشمالية، أو العائدة من أوروبا متجهة نحو آسيا في حالة اتخاذها طريق رأس الرجاء الصالح.
هذا مكّن القناة من رفع رسوم عبورها أكثر من مرة عام 2022 وتقليل نسب الخفض التي كانت تمنحها لبعض أنواع السفن تشجيعا لها على المرور عبر القناة، والنتيجة تحقيق القناة نحو 8 مليارات دولار مثلت إيرادات في عام الحرب الروسية، وهو رقم غير مسبوق تاريخيا من خلال تحقيق كمّ من حمولات من البضائع غير مسبوق أيضا.
أهمية قناة السويس
تعتبر قناة السويس من أهم القنوات والمضائق حول العالم، وهي أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا. تمثل قناة السويس أهمية خاصة للاقتصاد المصري باعتبارها أحد أهم موارد النقد الأجنبي فخلال العقود الثلاثة الأخيرة احتلت قناة السويس مكانة متميزة على خريطة موارد النقد الأجنبي، حيث ظلت تمثل المورد الثالث من حيث القيمة، بعد تحويلات المصريين بالخارج والصادرات السلعية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي إلى جانب تميزها بأن زبائنها أكثر حرصا على استمرار عملها بقدر حرص السلطات المصرية على استمرار عملها، وهو أمر ليس بجديد فحينما تعطلت الملاحة بقناة السويس مع حرب يونيو/حزيران 1967 لمدة 8 سنوات، سارعت عدة دول للمشاركة في عمليات تطهير المجرى الملاحي من الألغام والمقذوفات والسفن والكراكات الغارقة، منها طيران وقطع بحرية من الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، حتى عادت الملاحة مرة أخرى في الخامس من يونيو/حزيران 1975، أي بعد أقل من عامين من انتهاء حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
و دائما ما كانت إيرادات قناة السويس من أبرز موارد الموازنة المصرية، حيث ظلت تتقاسم مع هيئة البترول صدارة أعلى فوائض تحققها الهيئات الاقتصادية. و تلعب هذه القناة دوراً مهماً في زيادة الدخل القومي لمصر من خلال مصدرين رئيسيين، إذ يتمثّل المصدر الأوّل في الرسوم التي تُؤخذ مقابل عبور السفن من هذه القناة المائيّة، أو الإيرادات التي تقدّمها شركة قناة السويس البحرية للدولة، أمّا مصدر الدخل الآخر الذي تُشكّله القناة فيتمثّل في المبالغ المالية التي ينفقها ركّاب السفن العابرة أثناء فترات التوقّف القصيرة في أيّ من الموانئ المائية الموجودة على طول القناة، وذلك لقاء حصولهم على بعض الخدمات، والبضائع.
من الجدير بالذكر أنه تتعدد الأقاليم الجغرافية المستفيدة من القناة لتشمل شرق وجنوب شرق البحر المتوسط، وشمال البحر المتوسط وغرب وجنوب البحر المتوسط وشمال وغرب أوروبا، وبلدان البحر الأسود وبلدان بحر البلطيق والولايات المتحدة الأميركية، وفي الجنوب بلدان شرق أفريقيا وبلدان البحر الأحمر والخليج العربي وشرق آسيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأقصى وأستراليا.
التوتر في البحر الأحمر ليس السبب الوحيد في الأزمة الاقتصادية
ويُرجع مراقبون أسباب الفشل الاقتصادي للسيسي في عدم تصدي خططه الاقتصادية للمشاكل الجوهرية بشكل كافٍ، وإصراره على تنفيذ مشاريع عملاقة ممولة بقروض خارجية ضخمة، ولا تدر عائداً مباشراً على الاقتصاد، مثل العاصمة الإدارية الجديدة والقطار السريع والمونوريل، مع استمرار سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد بكافة قطاعاته، وهو ما أدى إلى هروب القطاع الخاص والمستثمرين مع ندرة الفرص وغياب التكافؤ والحوكمة وانعدام الشفافية والمساءلة إضافة إلى ذلك انعدام تأثير البرلمان والمؤسسات الرقابية.واعتماد نظامه على الاقتراض الخارجي باعتباره الحل الأسهل عبر دول الخليج وصندوق النقد الدولي.