وتسببت في خسائر هائلة في علاقاتها الخارجية العربية والدولية، وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وغالبية الدول الغربية لم تستبعد خيار الحرب رغم تحقيق الجيش السوري وحلفائه تقدماً كبيراً على الصعيدين العسكري والسياسي، وفي ظل هذه الظروف، تحولت الحرب نحو استخدام الضغوط الاقتصادية والسياسية كأسلوب لتجويع ومعاقبة الشعب والدولة بأسرها، وهو سياق سياسي اعتمدته الولايات المتحدة وسائر القوى الدولية كبديل عن الغزو العسكري أو فرض الإرادة بالقوة المسلحة، واليوم تعود العلاقات مع دمشق إلى ما كانت عليه مع الرياض وهذا يعني تأثيرات كبيرة داخل سوريا وفي المنطقة.
تنامي العلاقات السورية - السعودية
نعلم جميعا أنه تم خلق بؤر مسلحة في مناطق متعددة، وخاصة في الشرق مع "قوات سوريا الديمقراطية" وفي الشمال مع "هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني"، بالإضافة إلى تنظيمات وجماعات متطرفة أخرى، هذه البؤر المسلحة استطاعت أن تنتزع سيطرتها من الحكومة المركزية، وأحدثت عقبة كبيرة أمام عودة سوريا إلى حالتها السابقة قبل الحرب بشكل كامل، ومنذ بداية الحرب، حافظت سوريا على موقعها ودورها بمهارة، رغم التحديات الداخلية والإقليمية التي تواجهها، فعلى الرغم من الحرب التي اندلعت في عام 2011 فإن آثارها لم تقتصر على الجغرافيا والاقتصاد الداخلي، بل امتدت أيضًا إلى العلاقات الدولية، حيث لم تُغلق الولايات المتحدة والدول الغربية باب الحرب بعد انتهاء المعارك العسكرية، بل اعتمدت سياسات الضغط الاقتصادي والعقوبات.
وفي هذا السياق، نجحت الولايات المتحدة في خلق بؤر مسلحة في مناطق مثل "قسد" و"هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني"، ما أدى إلى انقسام السيطرة وتشتت القوى السوريا المركزية، وعرقلة جهود العودة إلى الاستقرار السابق للحرب، وعلى الرغم من هذه التحديات، استطاعت دمشق الحفاظ على وجودها في المنطقة وإبراز دورها الإقليمي، حيث تبنت سياسة التقارب مع الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفي سياق التصعيد العسكري والغارات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السوريا، تحملت دمشق التبعات الناجمة عن ذلك بشجاعة، وفي هذا السياق، اتخذت خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، حيث أعادت فتح سفارتها المغلقة منذ عام 2012، وأرسلت طاقمًا دبلوماسيًا برئاسة السفير "ايمن سوسان"، ما يشكل بداية لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين.
وفي السياق المقابل، قررت البعثة الدبلوماسية السعودية، بقيادة القائم بالأعمال السعودي عبد الله الحريصي، تحديد إحدى أجنحة فنادق العاصمة دمشق كمقر مؤقت، في انتظار إعادة تأهيل المبنى الخاص بالسفارة السعودية الذي تم إغلاقه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية، وتعيين سفير جديد للمملكة في سوريا، وتأتي هذه الخطوة السعودية بعد عدة أيام من وصول السفير الإماراتي حسن الشحي إلى دمشق لتولي قيادة البعثة الدبلوماسية الإماراتية، ومن جانبها، نجحت دمشق في استعادة ملف الحجاج السوريين، الذي عاد إلى حكومة سوريا بعد سنوات من تمرده تحت لواء "الائتلاف السوري المعارض"، ومن المقرر أن يشهد موسم الحج القادم انطلاقًا للحجاج من داخل سوريا، بتنظيم وإشراف من الحكومة السورية لأول مرة، بعدما كانوا يغادرون البلاد تحت إشراف "الائتلاف السوري المعارض".
ويتوقع أن تشهد العلاقات السورية السعودية تطورًا نوعيًا يمكن أن يتجلى في زيارة محتملة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى دمشق، حيث من المتوقع أن يُعقد قمة مع الرئيس السوري بشار الأسد، يبدو أن هذه الزيارة قد تحدث قريبًا، وقد يرتبط موعدها بنهاية الحرب الإسرائيلية على غزة أو بسريان الهدنة بعد نجاح المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة و "إسرائيل" في القاهرة بشأن ورقة باريس، يعمل الوسطاء جاهدين على إنجاز ذلك قبل حلول شهر رمضان المبارك في الثلث الأول من شهر مارس المقبل.
وإذا تمت هذه الزيارة والقمة بين الرياض ودمشق، فإنها ستمثل نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين البلدين، وسيكون لها تأثيراتها على مسار استعادة دمشق لعلاقاتها العربية، وجهودها لإعادة إحياء الاقتصاد السوري المتدهور جراء الحرب والحصار المفروض عليها من الغرب، ومع ذلك، لا تزال هناك تساؤلات حول مسارات أخرى تظل جامدة، حيث لم تشهد العلاقات السورية المصرية أي تقدم على الرغم من الرابطة التاريخية العميقة بين البلدين والشعبين، وما زالت العلاقة مع قطر على حالها، ولم تشهد سوى بعض الخطوات الرمزية مثل استضافة المنتخب السوري في بطولة آسيا، وبعض الوفود ضمن فعاليات دولية، وتسهيل منح تأشيرات دخول للسوريين من مناطق سيطرة الدولة السورية، إضافة إلى توقف الحملات الإعلامية الشرسة بين البلدين.
تأثيرات كبيرة على أزمات المنطقة
تشهد المنطقة العربية تحولات سياسية واقتصادية وأمنية متسارعة، ومن بين العوامل التي تؤثر في هذه التحولات هي العلاقات بين الدول، وفي هذا السياق، تجذب تطورات العلاقات بين سوريا والسعودية اهتماما كبيرا، حيث يبدو أن هناك تحسنا تدريجيا في هذه العلاقات بعد فترة من التوتر والانقسامات، يُعتبر هذا التحول محوريا في فهم ديناميات المنطقة، وينبغي دراسته بعمق لفهم تأثيراته على الأزمات الراهنة في المنطقة.
وإن أبرز العوامل المحفزة لتحسن العلاقات هي المصالح المشتركة، حيث تبدي كل من سوريا والسعودية استعدادا لتعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية التي تخدم مصالحهما المشتركة، وتلعب وساطات دولية وإقليمية دورا مهما في تسهيل التقارب بين البلدين وتعزيز التفاهم بينهما، ويؤدي تغير الديناميات الإقليمية إلى تعديل سياسات الدول وتقديم فرص لتحسين العلاقات الثنائية، وقد يسهم التحسن في العلاقات بين سوريا والسعودية في تخفيف التوترات في الأزمة السورية وتعزيز جهود الحل السياسي.
ويمكن لتحسن العلاقات بين سوريا والسعودية أن يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي عموماً، وذلك من خلال التعاون في مجالات مثل مكافحة التطرف والتهريب وضمان استقرار المنطقة بشكل عام، ويمكن أن يفتح التقارب السياسي بين البلدين الباب أمام فرص جديدة للتعاون الاقتصادي، ما يمكن أن يعزز النمو والاستقرار الاقتصادي في كل من سوريا والسعودية، ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة، ومن الممكن أن يؤثر التحسن في العلاقات بين سوريا والسعودية على دور كل منهما في الساحة الإقليمية والدولية، حيث يمكن أن يعزز هذا التحسن موقف كل بلد على الساحة الإقليمية والدولية ويسهم في تحقيق المزيد من الإنجازات والتأثير في القرارات الإقليمية والدولية.
باختصار، تحسن العلاقات بين سوريا والسعودية يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية كبيرة على الأزمات المنطقة، ويمكن أن يفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون والتنسيق في مجالات عدة لتحقيق الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط، وقد يؤدي التقارب بين البلدين إلى توسيع نطاق التفاهم والتعاون لإيجاد حل للأزمة اليمنية، وقد يعزز التعاون بين سوريا والسعودية الجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي، ما يعني أن تحسن العلاقات بين سوريا والسعودية يعتبر تطورا إيجابيا في المشهد الإقليمي العربي، وقد يفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون والتنسيق لمواجهة التحديات المشتركة في المنطقة، ومن الضروري متابعة تطورات هذه العلاقات ودراسة تأثيراتها على أزمات المنطقة بشكل دقيق لتحقيق استقرار مستدام وتعزيز الأمن والتنمية في الشرق الأوسط.