وفي هذا الصدد، بدأ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، جولته الإقليمية في قطر ولبنان وسوريا منذ الجمعة الماضية، للتشاور مع سلطات هذه الدول حول التطورات في المنطقة، وفي المحطة الأولى من جولته الإقليمية، توجه أمير عبد اللهيان إلى لبنان، والتقى وتحدث مع كبار المسؤولين في هذا البلد وقادة حزب الله.
وأكد أمير عبداللهيان خلال لقائه وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عبدالله بوحبيب، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد أي توسيع لنطاق الحرب في المنطقة، وقال إن بنيامين نتنياهو والكيان الصهيوني يرون حياتهم في اتساع نطاق الحرب، والأمريكيون أيضاً يسيرون في مسار متضارب، حيث إن الإدارة الأمريكية، رغم إعلانها معارضتها لتوسيع نطاق الحرب، تدعم الکيان الإسرائيلي بشكل كامل، ولم تتوقف عن إرسال الأسلحة إلى الکيان ولو ليوم واحد.
وشدّد أمير عبد اللهيان على ضرورة احترام جميع الأطراف لسيادة لبنان ووحدة أراضيه، وقال إنه فيما يتعلق بقضايا لبنان الداخلية، نحن واثقون من أن القادة السياسيين في لبنان، لديهم ما يكفي من الذكاء والحكمة لحل القضايا الداخلية للبلاد، وإيران تدعم أي قرار لبناني ولا تريد إلا الخير للبنان.
كما التقى أمير عبد اللهيان مع نجيب ميقاتي، رئيس وزراء لبنان في حکومة تصريف الأعمال، وأكد أن الفلسطينيين يجب أن يقرروا بشأن فلسطين ومستقبلها، وقال: "نحن ندرك أن لديهم خططاً ومبادرات سياسية لمرحلة ما بعد الحرب أيضاً".
کذلك، تحدث وزير الخارجية الإيراني مع السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أيضًا، وتم خلال هذا اللقاء بحث آخر التطورات في المنطقة وتبادل الآراء، مع التركيز على أوضاع الحرب والإبادة الجماعية ضد غزة، والأوضاع في فلسطين وجنوب لبنان.
بدوره ثمّن السيد نصر الله دعم إيران قيادةً وحكومةً وشعباً لشعب فلسطين المظلوم والقوي، وشرح حالة المقاومة وقوتها وتماسك وتنسيق فصائل المقاومة نصرةً لفلسطين وغزة، وذكر: أن "العدو الصهيوني يعيش أزمةً استراتيجيةً، ولم يحقق أياً من أهدافه الميدانية، واعتبر نصرالله المقاومة عنصراً مهماً في المعادلات الإقليمية، وأكد: لا شك أن انتصار الشعب الفلسطيني والمقاومة، أمر لا مفر منه.
وفي هذا اللقاء، قدّم أمير عبد اللهيان تقريراً عن الإجراءات الدبلوماسية الإيرانية لدعم فلسطين والمقاومة، والتركيز على الحل السياسي المبني على حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.
وذكر: "إن القبول بالمقاومة كطرف أساسي في المبادرات السياسية المطروحة، يوضح دور ومكانة المقاومة في فلسطين والمنطقة، لقد تصرفت المقاومة الفلسطينية بحكمة وصمود، سواء في طريق المقاومة أو في الاهتمام بالحل السياسي"، كما التقى أمير عبد اللهيان في بيروت زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، وبعض مسؤولي حماس.
وتأتي زيارة أمير عبد اللهيان إلى بيروت، في وقت تصاعد فيه مستوى التوتر بين حزب الله والكيان الصهيوني في الأسابيع الأخيرة، وتزايدت المخاوف بشأن بدء جولة جديدة من الصراع بين الجانبين.
کذلك، تأتي هذه الرحلة بهدف تعزيز "وحدة الساحات" بين محور المقاومة، وأصغر نتيجة لهذه اللقاءات تجلت في الرد الصاروخي لحزب الله، والذي استهدف يوم السبت الماضي قاعدة "حدب عيتا" الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة، وأوقع ضحايا في صفوف الاحتلال الصهيوني، ليظهر أن الجبهة اللبنانية لا تزال ساخنةً.
ترسل السلطات الأمريكية والبريطانية والفرنسية رسائل يومية إلى قادة لبنان وحزب الله، لتقليص حجم التوتر مع الکيان الإسرائيلي، وتشعر الدول الغربية بقلق بالغ من دخول حزب الله إلى معادلة الحرب في غزة، لأنه قد يتسبب في خلق أزمة أمنية واسعة في الأراضي المحتلة، ولهذا السبب، طلبوا من حكومة بنيامين نتنياهو المتشددة، التخلي عن الأعمال الاستفزازية ضد حزب الله.
وحذّر نصر الله وغيره من قادة حزب الله مراراً، من أنهم مستعدون لأي سيناريو في المنطقة، وإذا استمر الکيان الصهيوني في التحريض فإنهم سيردون عليه بشکل ساحق.
ومنذ بداية الهجمات الإسرائيلية على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بدأ حزب الله عملياته الصاروخية شمال الأراضي المحتلة دعماً للشعب الفلسطيني، وفي الأشهر الأربعة الماضية نفّذ ما يقرب من 1000 هجوم على البنية التحتية العسكرية والأمنية لهذا الکيان.
واستمرت هذه الهجمات بكثافة أكبر بعد اغتيال قادة المقاومة في جنوب لبنان، وقد أثارت هذه القضية حالةً من الذعر بين المستوطنين، الذين قالوا إنهم لن يعودوا إلى منازلهم إلا بعد زوال تهديدات المقاومة اللبنانية.
من جهة أخرى، وصل أمير عبد اللهيان إلى دمشق الأحد الماضي ضمن جولته الإقليمية، ومن المفترض خلال هذه الرحلة أن يلتقي مع كبار المسؤولين السوريين، حول هجمات الکيان الصهيوني الأخيرة على سوريا، والتطورات في فلسطين.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق، في ظل تزايد هجمات الجيش الصهيوني على مواقع في سوريا، واستشهاد عدد من عناصر المقاومة خلال الأسابيع الأخيرة، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات مضادة لمعاقبة الکيان.
رسالة تحذيرية إلى تل أبيب وواشنطن
لا شك أن زيارة أمير عبد اللهيان إلى سوريا ولبنان، تحتوي على رسائل مهمة للكيان الصهيوني وداعميه الغربيين، مفادها بأنهم إذا واصلوا الترويج للحرب، فإن محور المقاومة سيرد وفقاً لذلك، ولن يكون غير مبال تجاه المذبحة الوحشية التي يتعرض لها سكان غزة.
باعتبارها الداعم الرئيسي لفلسطين، أعربت الجمهورية الإسلامية دائمًا عن معارضتها القوية لجرائم الحرب التي يرتكبها الکيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، وحذرت من عواقب توسيع نطاق الحرب في المنطقة، لكن المحتلين لا يستمعون لهذه التحذيرات، ويقرعون طبول الحرب في المنطقة.
وتأتي هذه الزيارة في وقت رفضت فيه حكومة نتنياهو المتشددة اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة، التي تم التوصل إليها من قبل وسطاء دوليين وإقليميين، وادعت أنها لن تقبل شروط حماس.
ولذلك، يرى بعض المحللين السياسيين أن زيارة وزير الخارجية الإيراني هي وسيلة للتأثير على نتيجة المفاوضات بشأن حرب غزة، والتي تتم بهدف ممارسة ضغوط مکثفة على الکيان الصهيوني الرافض لاتفاقيات باريس.
وحسب سلطات تل أبيب، فإن وقف الحرب في هذا الوقت سيكون في مصلحة حماس، وإنها ليست مستعدةً لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، ومن خلال بدء جولة جديدة من الهجمات على مدينة رفح، المعبر الوحيد للمساعدات لسكان غزة، تحاول حكومة نتنياهو إعادة توطين الفلسطينيين قسراً في مصر ودول أخرى، وهو السيناريو الذي يعارضه محور المقاومة والمجتمع الدولي بشدة.
ولذلك، تبدو زيارة أمير عبد اللهيان إلى بيروت ودمشق مهمةً، لأن طهران تحاول إيصال رسالة إلى الکيان الصهيوني بأن أطراف محور المقاومة في المنطقة متحدة تماماً، ومستعدة للسيناريوهات المختلفة، وإذا استمر الترويج للحرب في غزة والمنطقة، فلن تكون هناك نهاية سعيدة للصهاينة.
كما حذّر أمير عبد اللهيان من اتخاذ أي خطوة من جانب الکيان الإسرائيلي في اتجاه حرب شاملة على لبنان، وقال إن هذا سيكون اليوم الأخير لنتنياهو.
إن فتح جبهات جديدة ضد الکيان الصهيوني يشكل كابوساً لسلطات هذا الکيان، وإذا تعززت جبهة جنوب لبنان والجولان المحتل، فسيتم استهداف الأراضي المحتلة من ثلاث جهات.
لم ينفّذ حزب الله وسوريا هجمات انتقامية واسعة النطاق على الأراضي المحتلة، لكن استمرار المغامرات الصهيونية سيدفع فصائل المقاومة إلى تشكيل غرفة حرب مشتركة على نطاق واسع، لأن المحتلين أظهروا أنهم لا يفهمون سوی لغة القوة، وأي تسامح لن يؤدي إلا إلى تشجيع الصهاينة على قتل المزيد في غزة.
وزعم نتنياهو أنه سيغير شكل الشرق الأوسط بحرب غزة وإضعاف محور المقاومة، لكن رد فعل جبهة المقاومة من اليمن إلى العراق ولبنان في الأشهر الأربعة الأخيرة، أظهر أنه سيتم إجراء تغييرات جوهرية، ولكن ليس باستراتيجية وخريطة تل أبيب، بل شرق أوسط من دون الکيان الصهيوني.
وقد حذّرت السلطات العسكرية الإيرانية تل أبيب مراراً وتكراراً، من أن خلق الأزمات في المنطقة لن يفيد الغزاة أبداً، وأن الجمهورية الإسلامية ستدعم فصائل المقاومة بشكل كامل، ولذلك، فإن وجود أمير عبد اللهيان في بيروت ودمشق، يشكل تشجيعاً لهذه الفصائل بأن طهران ستدعمها كما هي الحال دائماً.
حالياً، يواجه الکيان الإسرائيلي أزمةً في ثلاث جبهات، ففي غزة تكبد خسائر فادحة في الأرواح في مواجهة حماس والجهاد الإسلامي، ولم يعد أمامه أي خيار لتدمير هذه الجماعات والخروج من المستنقع الذي صنعه بنفسه، وعلى الجبهة اللبنانية، وبسبب التهديد اليومي الذي يشكله حزب الله، فقد اضطر إلى إبقاء ثلث قوات الجيش في هذا المحور.
لكن أهم نقاط الضعف لدى الکيان الصهيوني أصبحت واضحةً في البحر الأحمر، حيث لا يُسمح لسفن هذا الکيان بالتردد بسبب العمليات الصاروخية لأنصار الله في اليمن، وفي الأشهر الماضية، تم قطع شريان الحياة للکيان الإسرائيلي على يد اليمنيين، وليس لديه حل للتغلب على هذه المشاكل.
في الوقت الذي تتكرر فيه هجمات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على قطاع غزة وفصائل المقاومة في العراق وسوريا، فإن أصابع المقاومة أيضاً على الزناد، وإذا اتسع نطاق الحرب في المنطقة، سوف يوجّه ضربات قوية للأعداء، وجبهة البحر الأحمر وحدها كافية لمعاقبة واشنطن وتل أبيب، العاجزتين أمام عمليات أنصار الله رغم الهجمات السياسية والعسكرية.