"نحن بحاجة إلى أن نظهر احترامًا ونحاول فهم حجم الألم والمعاناة التي تواجهه عائلات الأسرى"، وقد أثار صوفر تساؤلات حول معنى "النصر المطلق" الذي يتحدث به رئيس حكومة الاحتلال، مشيرًا إلى أنه سيُطرح هذا السؤال في اجتماع الحكومة الإسرائيلية المقبل، ووصف هذا السؤال بأنه "السؤال الذي يهربون منه"، في وقت تعيش فيه تل أبيب أسوأ حالاتها منذ تأسيس الكيان المجرم عام 1948.
تل أبيب وفشلها العسكري
"ماذا يعني ذلك بالضبط؟ هل يشمل تفكيك البنية التحتية الحكومية لحماس؟ حماس لديها جذور عميقة بين سكان غزة، وهي ليست كيانًا جاء من الخارج"، هذا ما شدد عليه الوزير الإسرائيلي، وفيما يتعلق باليوم التالي للحرب، وهو الموضوع الذي تتصاعد فيه الخلافات الإسرائيلية، قرر صوفر عدم التطرق إلى ذلك، وأقر الوزير بأنه "كان من الخطأ فتح تصعيد على الجبهة الشمالية في المراحل الأولى من الحرب"، مؤكدًا ضرورة أن تسعى تل أبيب إلى "عملية سياسية" تحقق الاستقرار، وفي سياق متصل، علق يوسي يهوشع، محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، على الوضع عند الحدود الشمالية لكيان الاحتلال، اعتبر أن "حزب الله يطلق النار من دون أن يرف له جفن على المنازل في المنارة أو المطلة، في حين تكون قدرة الجيش الإسرائيلي على الرد محدودة".
ومنذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تواصل المقاومة الإسلامية في لبنان عملياتها على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وقد أعلنت عن استهداف مجاهديها لثكنة "برانيت" الإسرائيلية بوسائل صاروخية، محققة إصابات مباشرة، تأييداً للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وتأكيداً لدعمها القوي للمقاومة الباسلة والشريفة في المنطقة، في حين تورطت قوات الاحتلال الإسرائيلي في اقتحام غزة وارتكاب جرائم قتل ضد مواطنيها، ما أدى إلى تشريد السكان وتدمير منازلهم، مع حديث الإسرائيليين أن "إسرائيل" تواجه وضعًا استراتيجيًا صعبًا في غزة، وليس الأمر مرتبطًا فقط بالتحديات التي تواجهها من حركة حماس في القطاع وحزب الله في الشمال، ولكن أيضًا بسبب تأثير آراء الجمهور الإسرائيلي، إذ بلغت تكلفة الحرب في غزة أكثر من 18 مليار دولار حتى الآن، ومع ذلك، يستمر الصراع، ما يزيد من احتمال مواجهة الكيان لـ "حرب استنزاف"، وخاصةً مع تزايد القلق لدى المستوطن الإسرائيلي العادي بشأن أمانه ومستقبله في فلسطين.
ويتزايد هذا القلق بفعل جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتقويض الديمقراطية في فلسطين، وفي هذا السياق، يعيش المواطن الإسرائيلي تأثيرات فقدانات يومية تسجل في صفوف الجيش الإسرائيلي، ويُشكل هذا الوضع تغييرًا جذريًا في حياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي، وقد حذر هرئيل من احتمالية نشوب حرب إقليمية نتيجة لاشتعال الجبهة الشمالية مع حزب الله، معتبرًا أن هذا الاشتعال قد يتسع ليشمل مواجهة أكبر، ما يعني أن تل أبيب قد تدخل في حرب استنزاف حقيقية في المستقبل القريب، وتنبغي الإشارة إلى أن النزاع اندلع بين "إسرائيل" وحركة حماس الفلسطينية، من اجل السيطرة على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر الماضي، نتيجة سلسلة من الهجمات التي شنتها الحركة على مناطق وبلدات في غلاف غزة ردًا على التصعيد الإسرائيلي، تسببت هذه الهجمات في وفاة نحو 1200 شخص، واسر حوالي 240 آخرين من قبل الحركة الفلسطينية، حيث تم نقلهم إلى قطاع غزة، ردًا على ذلك، قادت تل أبيب حملة قصف متواصلة على القطاع، أسفرت عن وفاة أكثر من 25 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، ودمرت الحملة البنية التحتية للقطاع وفرضت حصارًا كاملاً.
وشهدت هذه الفترة هدنة استمرت لمدة 7 أيام تم التوصل إليها بوساطة من مصر وقطر بالتعاون مع الولايات المتحدة، وخلال هذه الهدنة، تم تبادل الأسرى، بما في ذلك نساء وأطفال، وتم إدخال كميات من المساعدات إلى قطاع غزة، ولكن الوضع الإسرائيلي يتسارع نحو التدهور، حيث يزيد عدد الجنود الإسرائيليين القتلى بشكل مستمر، ما يؤكد على تحسن مكانة حماس في نظر الجمهور، ويُذكر أن سيطرة الجيش الإسرائيلي على خان يونس في جنوب قطاع غزة من المتوقع أن تظل مستمرة لعدة أشهر، وتشير تصريحات ضابط إسرائيلي إلى أن عمليات حماس ضد الجيش في القطاع تتم بشكل منظم على شكل فرق صغيرة تتكون من شخصين إلى خمسة أفراد دفعة واحدة.
فيما يتعلق بالتقارير الصادرة عن قوات القسام، أفادت بأن المقاتلين نجحوا في تدمير بشكل كامل أو جزئي 35 مدرعة تابعة للجيش الإسرائيلي في مناطق متفرقة من قطاع غزة خلال الأيام الأربعة الأخيرة، كما أشارت التقارير إلى أن مقاتلي القسام قتلوا أكثر من 50 جنديًا إسرائيليًا وجرحوا عشرات آخرين، ونفذت الكتائب أكثر من 25 عملية استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الصواريخ المضادة للدروع والأفراد والتحصينات، مع استمرارية جهود المقاتلين في التصدي للقوات الإسرائيلية، حيث يستخدمون الصواريخ المضادة للدروع ويستمرون في الهجمات من مسافات قريبة وبعيدة، كما قاموا بشن هجمات بالصواريخ على مدينة تل أبيب.
حملة برية فاشلة
في أهداف سياسية محددة، مثل التسوية والسيطرة على قطاع غزة، يبدو صعبًا للغاية بالنسبة للكيان، وخاصةً مع استمرار المقاومة والتحضير لتغييرات كبيرة في الجبهة العسكرية، وهذا يشير إلى فشل الحملة البرية، وربما تشير "إسرائيل" إلى التحول إلى استراتيجيات أخرى، تزيد حالة الهلع وقلة الكفاءة في صفوف الجنود الإسرائيليين بعد مقتل 3 أسرى إسرائيليين في غزة من الضعف في التحضيرات والتخطيط، ما يؤدي إلى انتقادات داخلية أكبر.
وقد أظهر حتى موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي انتقد غارات "إسرائيل" ووصفها بأنها "عشوائية" و"ترقى لارتكاب جرائم حرب"، تغيّرًا في الدعم السياسي الأمريكي للسياسات الإسرائيلية التقليدية، ويبدو أن "إسرائيل" فشلت في حربها على غزة، وقد تفقد الدعم الدولي نتيجة لارتفاع عدد الضحايا وتزايد الانتقادات، وهذا يضع إدارة بايدن أمام تحديات خارجية بسبب تصاعد الأزمة، ويُظهر موقف الرأي العام الداخلي دعمًا لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المحتجزين.
وفي الختام، يشير الوضع إلى توجه نحو تغيير في الحكومة الإسرائيلية، مع خطورة توسع الحرب وتظهر العواقب المتوقعة، بما في ذلك استمرار التكلفة المالية وفقدان الدعم الدولي، إلى جانب تحديات محتملة مثل استهداف السفن الإسرائيلية وتحويل مسار السفن، وتكوين المرحلة الثالثة من الحرب التي قد لا تكون ذات فائدة، فيما نشهد فجوة كبيرة بين الإسرائيليين في عهد نتنياهو الذي يبدو أنه مصمم على إنهاء وجود "إسرائيل".