0
السبت 20 كانون الثاني 2024 ساعة 08:25

بعد 100 يوم من حرب غزة.. الصواريخ تؤرق تل أبيب

بعد 100 يوم من حرب غزة.. الصواريخ تؤرق تل أبيب
وتزامن ذلك مع قصف كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، مدينة نتيفوت في النقب الغربي، حيث قامت بإطلاق عدة صواريخ متجهة نحو المدينة، ما نتج عنه إصابة مباشرة في أحد المباني، ويأتي هذا بعد مرور أكثر من 100 يوم على النزاع العسكري بين "إسرائيل" وقطاع غزة، وأكدت بلدية نتيفوت أن نحو 50 صاروخا تم إطلاقها باتجاه المدينة، فيما أشارت مصادر إسرائيلية إلى أن مصدر الصواريخ كان شمال قطاع غزة، رغم التأكيدات الإسرائيلية حول نجاح الجيش في تقويض قدرات حماس في تلك المنطقة، إلا أنّ المقاومة تثبت أن صواريخ رد العدوان لا تنضب.

قدرات حماس في أوجها

في الثامن من يناير/كانون الثاني الحالي، قامت كتائب عز الدين القسام بتجديد قصفها لمنطقة تل أبيب الكبرى، وذلك على الرغم من مضي ثلاثة أشهر على انتهاء الحرب، ومن جهة أخرى، يرى الجيش الإسرائيلي، وفقًا لتقارير هيئة البث الإسرائيلية أنه من دون مناقشة "اليوم التالي للحرب" سيكون من الصعب الحفاظ على "الإنجازات"، ويتجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مناقشة قضية اليوم التالي للحرب نظرًا للضغط الذي يتعرض له من شركائه في الطيف السياسي اليميني، الذين يرون -على عكس بعض الوزراء الآخرين في حكومة الحرب- أن الدخول في هذا الجانب سيكون كإقرار بنهاية العمليات العسكرية واعتراف بعدم تحقيق أهداف الحرب، ونتنياهو يشدد على أن هدف الحرب هو القضاء على حركة حماس، وإعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، وضمان عدم تكرار الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتشير تقديرات الجيش الإرهابي أن الحرب لن تحقق القضاء الكامل على قدرات حماس في إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه "إسرائيل"، وخاصة القذائف ذات المدى القصير، وأشار ضابط كبير في الإذاعة إلى أنه حتى بعد مرور عامين، قد يسمع سكان "غلاف غزة" صفارات الإنذار، وبعد مضي مئة يوم من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يظهر اليوم بوضوح عدم وجود مؤشرات على انقضاء الأزمة في المستقبل القريب، حيث تتمسك "إسرائيل" بأهدافها في "تدمير حماس" وإسقاط حكمها، كجزء من استجابتها لـ "طوفان الأقصى" الذي وقع في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وعلى الرغم من عدم انتهاء الحرب بعد، وبالتالي يكون من المبكر الحكم على نتائجها واستخلاص الدروس منها، إلا أن التأثيرات الجارية للأحداث أعادت تشكيل المشهد الفلسطيني الداخلي وكذلك الإسرائيلي، كما أحدثت تحركات في جبهات مختلفة، بدءًا من جنوب لبنان (بين حزب الله وإسرائيل)، وصولاً إلى سوريا والعراق (بشكل متصل بالهجمات المسلحة ضد القوات الأمريكية)، وحتى الوصول إلى البحر الأحمر (باستهداف الحوثيين للسفن التجارية المعادية).

وفي انتظار انتهاء الحرب وظهور نتائجها، يسلط هذا الواقع الضوء على بعض أهم تداعياتها، سواء على الصعيدين المحلي والإقليمي، ففي السابع من أكتوبر، اكتشفت "إسرائيل" أن أجهزتها الاستخباراتية والأمنية، بالإضافة إلى القيادة السياسية، كانت في حالة "نوم" قبيل "الطوفان"، وشكل هجوم "حماس" صدمة للإسرائيليين، كاشفًا عن هشاشة جيشهم الذي انهارت قواعده في لحظة غفلة، وقد تمكن مقاتلو "حماس" من السيطرة على مناطق في غلاف غزة، بما في ذلك المستوطنات والكيبوتزات القريبة، بعد اختراقهم بسهولة السياج الحدودي المحصن، ثم عودتهم بعد ذلك إلى داخل قطاع غزة واحتجاز ما يصل إلى 250 رهينة، وأشار الإسرائيليون إلى هذا الحدث بأنه مشابه لمفاجأة حرب أكتوبر 1973، فيما استفادت "حماس" من تنفيذ هجومها خلال عطلة عيد الغفران (يوم كيبور)، تمامًا كما فعل الجيشان المصري والسوري في حرب 1973، خلال هجوم "حماس"، فقد الإسرائيليون ما لا يقل عن 1200 قتيل في يوم واحد، بينما بلغت خسائرهم في حرب أكتوبر 1973 نحو 2656 جنديًا.

تآكل هيبة الكيان

بعد صدمة الحدث، جاء الرد الفوري من "إسرائيل" التي أعلنت عن دخولها في "حالة حرب" فور وقوع "الطوفان"، حيث تم استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، وتوجيه جزء كبير منهم للاجتياح البري لقطاع غزة، في حين تم تجميع جزء آخر على الحدود الشمالية، خشية هجوم محتمل من "حزب الله" في جنوب لبنان أو عبر الجولان من سوريا، وبعد أسابيع من القتال العنيف، تمكن الجيش الإسرائيلي من السيطرة على أجزاء واسعة من قطاع غزة، وخاصة في الشمال، ورغم تحقيق هذه الانتصارات، إلا أن هذا جاء بثمن باهظ من حيث فقدان الأرواح البشرية (23 ألف قتيل فلسطيني) وتدمير هائل في البنية التحتية لغزة، حيث دُمرت 70 في المئة من البنية التحتية والمنشآت المدنية في القطاع، وعلى الرغم من هذا التدمير، يستمر الجيش الإسرائيلي في التمسك بسياسته الحربية الإرهابية، مُعبّرًا عن إصراره على مواصلة النزاع، رغم الخسائر الكبيرة، معتبرًا ذلك بمثابة تأكيد على "رد هيبته" وقوته الاستراتيجية.

وسياسياً، أدى هجوم "حماس" إلى توحيد الطبقة السياسية المنقسمة، ونجح زعيم حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو في تشكيل "حكومة حرب"، شملت خصمه الرئيسي في المعارضة بيني غانتس، بينما استمر خصمه الآخر يائير لبيد خارج هذه التشكيلة، ورغم انضمام غانتس، فإن الهيمنة اليمينية المتطرفة استمرت في السيطرة على الحكومة، وخاصة في ضوء سلسلة من التصريحات العنصرية التي أطلقها وزراء هذا الاتجاه، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، والتي تضمنت دعوات لتهجير سكان غزة وتشجيع الاستيطان، وتجاوز بعض قادة اليمين المتطرف حداً في التلويح بشن هجوم نووي على غزة، وغير واضح تمامًا حاليًا إلى أي مدى ستظل حكومة الحرب الإسرائيلية متماسكة، وهناك تكهنات واسعة بأن غانتس قد يغادرها، وخاصةً مع وجود استطلاعات الرأي التي تشير إلى أنه من بين المرشحين البارزين لتولي منصب رئيس الحكومة في أي انتخابات قادمة.

ابتداءاً، احتفلت حركة "حماس" بـ"الطوفان" كفوز واضح على "إسرائيل"، ومع ذلك، تلاشت مشاعر الاحتفال بسرعة مع تفاقم الانتقام الإسرائيلي والتكلفة الباهظة التي يتحملها السكان في غزة من خسائر في أرواحهم وتدمير بنيتهم التحتية، ورغم مرور 100 يوم على الحرب، يظهر اليوم بوضوح أن "حماس" لا تزال قادرة على مواجهة الإسرائيليين وتكبيدهم خسائر كبيرة، ومع ذلك، تتكبد في الوقت نفسه خسائر ضخمة في صفوف المدنيين، وتشير التقديرات إلى خسارة بعض المقاتلين، بالإضافة إلى ذلك، فقدت "حماس" القليل من أنفاقها الضخمة تحت مدينة غزة وفي شمال القطاع، حيث شكلت ما يُعرف بـ "ميترو غزة" قاعدة طويلة الأمد لنشاطها بعيدًا عن أنظار الإسرائيليين، ومع كل تلك الخسائر التي تكبدتها "حماس"، تظل لا تُقارن بالخسائر التي يتحملها المدنيون في غزة، حيث يواجهون احتمالًا إضافيًا لتهجيرهم من أراضيهم، ما يشكل نكبة جديدة تشبه تهجيرهم عام 1948 عند قيام كيان الاحتلال على أنقاض بلادهم.

مع محاولة تفكيك بنية "حماس" في شمال غزة، تتحول الأنظار إلى أنفاقها في خان يونس بجنوب القطاع، حيث يزعم الإسرائيليون أن قادة الحركة يختبئون فيها برفقة عدد كبير من الرهائن، على الرغم من أن "حماس" لا ترفض مبدئيًا إطلاق سراح هؤلاء الرهائن، إلا أن الثمن المطلوب يتضمن وقف الحرب، وهو شرط يرفضه الجانب الإسرائيلي، ويعيد الإسرائيليون التأكيد على تصميمهم على تحقيق هدفهم في القضاء على حكم "حماس" وتدمير قدراتها، بالإضافة إلى القضاء على قادتها المتورطين في هجوم 7 أكتوبر، حتى الآن، لم تنجح "إسرائيل" في الوصول إلى "المهندس" المفترض للهجوم، يحيى السنوار، زعيم "حماس" في غزة، ولكنها بدأت في تنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قادة الحركة في المنفى، كما حدث في حالة اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لـ "حماس"، الذي اغتيل في الضاحية الجنوبية لبيروت في بداية العام، وتلمح التصريحات الإسرائيلية إلى استمرار عمليات الاغتيال، رغم أن هناك مقترحات حاليًا تدور حول فكرة خروج قادة "حماس" من غزة إلى المنفى كوسيلة لوقف الحرب، وما ينطبق على "حماس" ينطبق بالطبع على حلفائها في "الجهاد الإسلامي".

وعلى أي حال، أعادت الحرب فتح ملف السلطة الفلسطينية التي أخرجتها "حماس" بالقوة من غزة عام 2007، وأصبحت اليوم واحدة من الخيارات الرئيسية المطروحة لملء فراغ "اليوم التالي" للحرب، وترفض السلطة ما يُقدم لها في غزة، مؤكدة أن الأولوية تكمن في وقف الحرب، ومشيرة إلى أنها لا تعود على ظهر دبابة الاحتلال، إذ لم تنسحب في الأساس من القطاع، وما زالت تدفع رواتب آلاف الموظفين الذين يعملون تحت حكم "حماس"، وإن عودة السلطة في الواقع لا تبدو بالأمر السهل، إذ يرفضها الإسرائيليون ويتهمونها بالتواطؤ مع "حماس"، وبالنسبة للأمريكيين، يشترطون أن يتم "تنشيطها" وإجراء تغييرات فيها، وهو أمر غير واضح كيف سيتم تحقيقه، سواء كان ذلك من خلال تعيين نائب للرئيس محمود عباس، أو تعزيز صلاحيات رئيس الوزراء على حساب الرئيس، أو حتى إجراء انتخابات فلسطينية جديدة، وجميع هذه الأمور ستتطلب وقتًا، وهو أمر غير متاح حاليًا في ظل استمرار الحرب

في النهاية، إنّ تصرفات حماس تشير إلى أنها حاضرة في حرب غزة بكامل قوتها، وأن حرب المئة يوم لم تستطع أن تمنع قوة حماس ضد الصهاينة، وبغض النظر عن المواقف الإسرائيلية والأمريكية، يعرب الفلسطينيون عن استعدادهم للمشاركة في بناء مستقبل غزة بعد الحرب، ولكن ضمن إطار حل شامل يتضمن إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وفقًا لمفهوم حل الدولتين، وفي هذا السياق، يُمكن تسوية قضية رفض حماس الاعتراف بـ"إسرائيل" من خلال ضمها إلى منظمة التحرير والاعتراف بتوجيه المنظمة باعتبارها ممثلة للشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، تشهد الضفة الغربية تصعيدًا كبيرًا في عمليات الدهم والاغتيالات التي تقوم بها الكيان، ما أدى إلى استشهاد العديد من الفلسطينيين، وتستهدف هذه العمليات بشكل واضح تفكيك شبكات فصائل فلسطينية يشتبه في بنائها داخل الضفة الغربية، وخاصة في المخيمات المكتظة بالسكان، وبالإضافة إلى العمليات العسكرية، ينفذ المستوطنون هجمات يومية على الفلسطينيين ويدمرون محاصيلهم الزراعية، ويستفيدون من حرب غزة لتوسيع سيطرتهم على الضفة الغربية من خلال توسيع المستوطنات أو إقامة مستوطنات جديدة، وقد أصبحت الضفة الغربية تواجه تصعيدًا يُشير إلى فتح جبهة جديدة ضد تل أبيب.
رقم : 1110352
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم