وفي الوقت نفسه، يصر غالانت على مواصلة الحرب في غزة حتى عودة الأسرى الصهاينة، وتدمير القدرة العسكرية لحماس، والقضاء على احتمال أي تهديد عسكري من غزة.
إن خطة الكيان الصهيوني المعروفة باليوم التالي لحرب غزة، تقوم على مبدأين، أولاً؛ حماس لن تحكم غزة، وثانياً يتم تسليم إدارة قطاع غزة إلى أطراف فلسطينية غير معادية للکيان الإسرائيلي.
نحاول في هذا التقرير دراسة مصير الحرب في غزة علی ضوء آراء الخبراء في القضايا الفلسطينية وقضايا غرب آسيا، متطلعين إلى مستقبل غزة وسيناريوهاته.
قال الدكتور حسين أجرلو، الخبير في قضايا غرب آسيا، إنه في ظل عدم اليقين بشأن استمرار الحرب في غزة، يمكننا التنبؤ بمستقبل قطاع غزة في ثلاثة سيناريوهات.
أولاً؛ انتهاء الحرب وبدء وقف إطلاق النار مع الأوضاع الحالية، وعودة الوضع إلى ما قبل 7 أكتوبر، واستمرار الصراعات المتقطعة بين الجانبين، وفي الوقت نفسه ستدخل المساعدات الدولية إلى قطاع غزة.
وفي السيناريو الثاني، فإن الحرب في وضعها الحالي ستكون عبارة عن استنزاف على مختلف المستويات، بهدف تدمير حماس، لكن في المقابل، تستطيع حماس أن تخلق توازناً ميدانياً بقوتها العسكرية.
ورغم أن حماس وفصائل المقاومة الأخرى ستتكبد خسائر في هذا السيناريو، إلا أن الجانب الآخر (الكيان الصهيوني) سيواجه تحديات سياسية واجتماعية وسياسية كبيرة.
ولذلك، حذرت العديد من الأحزاب والجماعات السياسية داخل الکيان الصهيوني من استمرار الحرب، حتى أن بعض المراقبين الدوليين يرون أن حركة حماس تسعى إلى إضفاء الطابع التآکلي للحرب.
ويصف هذا الخبير في القضايا السياسية السيناريو الثالث على النحو التالي: استمرار الحرب والتقدم البري للجيش الصهيوني حتى احتلال قطاع غزة بشكل كامل، وهذا يعني إعادة احتلال الأراضي المحررة.
وفي هذا السيناريو، فإن تكاليف الکيان الصهيوني تحت عنوان "تكاليف الاحتلال"، ستكون باهظةً للغاية، بينما سيواجه نشاط فصائل المقاومة مشاكل على المدى القصير أو المتوسط.
وفي إشارة إلى هزيمة الکيان الصهيوني في جنوب لبنان، أضاف الدکتور أجرلو: إذا رجعنا بالتاريخ إلى الوراء، وقارنا بين قطاع غزة وجنوب لبنان، ورأينا أنه في عام 1982، عندما احتل الکيان الصهيوني جنوب لبنان لتدمير جماعات المقاومة، في فترة خمس سنوات شهدنا ظهور جماعات مقاومة قوية جداً مثل حزب الله.
لقد أدى احتلال جنوب لبنان إلى إرساء الأساس الاجتماعي للمقاومة في المناطق المحتلة، وبالتالي، قد يكون احتلال قطاع غزة إنجازاً للكيان الصهيوني على المدى القصير، وإلى حد ما على المدى المتوسط، لكنه على المدى الطويل سيضر هذا الکيان بالتأكيد، سواء من حيث تكاليف الاحتلال، أو تعزيز مجموعات المقاومة السرية.
ويؤكد هذا الخبير في القضايا الإقليمية، في ختام تصريحاته، أن عملية طوفان الأقصى بأي سيناريو انتهت، فقد أحدثت، حسب المنظرين الجيوسياسيين، ثغرةً وتحدياً خطيراً من الصعب جداً السيطرة عليه.
ويرى سالم الجهوري، الصحفي والخبير العماني في القضايا السياسية، أن عملية طوفان الأقصى ستكون نقطة تحول في التاريخ، وأن الحرب في غزة غيرت قواعد العلاقات الدولية.
وقال إن الحرب في غزة لها عدة سيناريوهات، أولاً؛ الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة بحدود عام 1967، وعاصمتها القدس، وتكون لها السيادة الوطنية، والاستقلال الإقليمي، وامتلاك القوات العسكرية والأمنية.
وفي هذه الحالة، ستكون فلسطين آخر دولة في العالم تتحرر من الحكم الاستعماري، وهذا السيناريو يحظى بموافقة الدول العربية والإسلامية والصين وروسيا، والعديد من الدول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وفي السيناريو الثاني، يرى هذا الصحفي العماني أن هدف کيان الاحتلال هو مواصلة الحرب على غزة من خلال قتل أهل غزة، ونقل من يتم إنقاذهم إلى صحراء سيناء، وأخيراً ضم 365 كيلومتراً مربعاً من قطاع غزة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في هذا السيناريو، لن يغادر المحتلون غزة أبدًا، وسيقومون، حسب رأيهم، بالتعويض عن الخطأ التاريخي الذي ارتكبه أرييل شارون(رئيس الوزراء الأسبق للکيان الصهيوني)، الذي أمر بالانسحاب من غزة في عام 2005.
ويرى سالم الجهوري أنه في السيناريو الثالث ستمتد الحرب إلى شمال الأراضي المحتلة، مع احتدام الصراع مع حزب الله في لبنان، كما تواصل جماعات المقاومة الأخرى، مثل جماعة أنصار الله في اليمن، هجماتها الصاروخية على المدن الفلسطينية المحتلة.
وفي الختام، يؤكد هذا الخبير السياسي العربي، أن الحقائق على الأرض تشير إلى أن قطاع غزة سيبقى تحت سيطرة المقاومة، لأن صمود المقاومة تحت الضربات العنيفة لجيش الاحتلال، هو علامة النصر.
بدوره قال الدكتور محمد سيد أحمد، أستاذ الدراسات السياسية والاجتماعية بالقاهرة، عن انتهاء الحرب في غزة ومستقبل هذه المنطقة، إن السيناريو الأول هو قرار وتأكيد الکيان الصهيوني على مواصلة الحرب.
إن تورط المزيد من جماعات المقاومة اليمنية واللبنانية والعراقية مع الکيان الصهيوني، سيوسع جغرافية الحرب، وهدف تل أبيب في هذا السيناريو، هو تدمير حركة المقاومة الإسلامية حماس، ونقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، لكن هذا السيناريو يبدو غير قابل للتحقيق.
ويرى هذا الخبير المصري أن السيناريو الأقرب للواقع، هو القبول بالتفاوض مع فصائل المقاومة الفلسطينية من قبل الصهاينة والأمريكيين، ويضيف: تل أبيب وواشنطن ستقبلان أخيراً بشروط المقاومة، وتوقفان الحرب على غزة.
ويرى أن التكاليف التي تفرضها فصائل المقاومة اليمنية واللبنانية والعراقية على الکيان الصهيوني، تزداد يوماً بعد يوم، الأمر الذي سيساعد في إنهاء الاجتياح البري لجيش الاحتلال لقطاع غزة.
وفي إشارة إلى آثار عملية طوفان الأقصى، قال الدكتور حسين رويوران، الخبير في قضايا غرب آسيا، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، إن الأولوية في عالم اليوم هي الاستثمار والتبادل الاقتصادي والتواصل الثقافي.
وتطرق إلى علاقات هذا الکيان مع البحرين والإمارات والسودان، وقبل ذلك مع الأردن ومصر، وأضاف: لم يعد حل القضية الفلسطينية أساساً لإقامة العلاقات مع الدول العربية، وقريباً ستقام العلاقات بين تل أبيب والرياض.
لكن قتل الأبرياء في غزة، والإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي يرتكبها الکيان الصهيوني في قطاع غزة، سيؤدي إلى تعليق التطبيع، وهو حاجة تل أبيب الأولى، إلى حد كبير، وحتى الحكومات العربية التي لها علاقات مع الکيان الصهيوني، فإن شعوبها تحتج بصوت أعلى.
من جانبه يؤكد عدنان الصباح، الصحفي الفلسطيني من مدينة جنين بالضفة الغربية، أن أي سيناريو يتم طرحه بشأن مستقبل غزة، يجب أن يكون أولاً في إطار القضية الفلسطينية.
وثانياً، إن الحقائق على الأرض بعد عملية طوفان الأقصى، جعلت مستقبل قطاع غزة مختلفاً عن الماضي، لأن المقاومة فرضت قوتها على المحتل بالنار.
في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بدت حكومة الاحتلال هشةً وضعيفةً وغير قادرة على المقاومة، وإن كل الحلول والسيناريوهات لمستقبل غزة، بالتأكيد لن تكون خارجةً عن إرادة الشعب الفلسطيني، وكما نرى فإن إرادة الشعب الفلسطيني هي إرادة المقاومة، التي تقاتل المحتلين في الميدان.
وقال الدكتور صلاح الفضلي، الأستاذ في جامعة الكويت، فيما يتعلق بمستقبل غزة بعد الحرب: أعتقد أنه مع انتهاء الحرب في قطاع غزة، ستزداد قوة حماس في قطاع غزة، وحتى في الأراضي الفلسطينية المحتلة الأخرى، ويريد الصهاينة والأمريكيون تسليم إدارة غزة إلى أطراف أخرى، وهذا الخيار غير ممكن.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية إنه مثلما حصل حزب الله اللبناني على مكانة خاصة بعد عام 2006، وتمكن من خلق توازن الرعب ضد الکيان الصهيوني، فإن حركة حماس سيكون لها موقف مختلف بعد انتهاء الحرب في غزة.
کذلك، قال الدكتور سامي العريان، مدير مركز الدراسات الإسلامية والقضايا الدولية، عن السيناريو الأقرب للواقع بالنسبة لمستقبل غزة، إن كل التطورات تعتمد على الوضع على الأرض، ولا يوجد سيناريو تصل نسبة تحقيقه إلى خمسين بالمئة، وكلها في حدود 25 و15 و10 بالمئة، والمقاومة مستمرة حتى الآن.
وأضاف: ليس لدينا معلومات كافية عن قدرات المقاومة، ونرى أنها تفاجئ الکيان الصهيوني كل يوم، فالمقاومة استعدت لحرب طويلة، وهي تخطط لها منذ أشهر.
أما السيد جعفر قنادباشي، الخبير في القضايا السياسية، فقد تحدث عن مستقبل غزة، بالنظر إلی تحليل ورؤية الصهاينة؛ وقال: من أهداف المحتلين في الحرب ضد أهل غزة، نقل الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المنطقة إلى صحراء سيناء، أو غيرها من البلدان.
على سبيل المثال، سوف يؤثر نقل الفلسطينيين إلى مصر على الوضع الأمني في هذا البلد، وسيصبح اللاجئون الفلسطينيون بؤرة انعدام الأمن.
ومن ناحية أخرى، يسعى الصهاينة والأمريكيون إلى توظيف محمود عباس ومنظمة السلطة الفلسطينية في غزة، وهذا الخيار غير ممكن، لأن هذه المنظمة لا تملك القدرة على إدارة الضفة الغربية نفسها.
يعرض وزير الحرب في الکيان الصهيوني خطة اليوم التالي للحرب في غزة، فيما دخلت الحرب شهرها الرابع، وحسب ضباط جيش الاحتلال، فإن الحرب مستمرة دون أي أفق واضح.
کما أن تزايد قتلى جيش الاحتلال يثير الاحتجاجات، ويوسع الهوة في المجتمع الصهيوني يوماً بعد يوم، وحتى مؤسسات الفكر والرأي والمحللون الصهاينة، اعترفوا بأن تل أبيب ليس لديها استراتيجية واضحة للحرب في قطاع غزة.