0
الأربعاء 10 كانون الثاني 2024 ساعة 09:51

هل باتت معاداة السامية شماعة يستخدمها الغرب لإسكات صوت الحق ؟

هل باتت معاداة السامية شماعة يستخدمها الغرب لإسكات صوت الحق ؟
البرلمان الأوروبي يقهر الأصوات الداعمة لفلسطين

أسقطت الحرب على غزة الأقنعة عن كل من نصب نفسه مدافعا عن الحريات وحقوق الإنسان، وأبرزت الوجه الآخر للمؤسسات الدولية والغرب الذي يكيل بمكيالين، ليس فقط في دعمه للجاني وتجاهل آلاف المدنيين الأبرياء المجني عليهم، بل إن الغرب يحاول بكل قوة إسكات أي صوت تعاطف مع القضية الفلسطينية.

وداخل البرلمان الأوروبي المدافع الأول عن حقوق الإنسان، تم إسكات كل الأصوات التي تمتعض من جرائم "إسرائيل" في قطاع غزة، والتضييق على النواب اليساريين المساندين للقضية من التعبير عن رأيهم بحرية، جاء على رأس القائمة رئيس لجنة فلسطين في البرلمان الأوروبي النائب مانو بنيدا، و في هذا السياق، قام الحاخام مناحيم مارغولين، رئيس الجمعية اليهودية الأوروبية منذ أيام بتوجيه رسالة إلى رئيسة البرلمان الأوروبي روبيرتا ميتسولا يحث فيها على ضرورة معاقبة مانو بينيدا، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب اليسار الموحد الإسباني، ويشغل منصب رئيس لجنة فلسطين في هذا البرلمان بذريعة معاداة السامية، وجاء في الرسالة التي نشرها مارغولين فور إرسالها أن “بنيدا أظهر معاداته للسامية علناً”، ويضيف: “يجب أن نظهر له أن معاداة السامية غير مرحب بها في البرلمان الأوروبي.. سيكون تعليق البرلمان لعمل هذا النائب هو الحد الأدنى الذي نتوقعه”، وذلك في تلميح إلى أن النائب يستحق تجميد العضوية بشكل نهائي.

وكان رئيس لجنة فلسطين قد نشر في شبكة التواصل الاجتماعي “إنستغرام” شريط فيديو يظهر شخصا يمزق ملصقا فيه هتلر يؤدي تحية النازية وجملة “لن يتكرر هذا مجددا” ثم يظهر رئيس حكومة "إسرائيل" بنيامين نتنياهو في وضع هتلر، وتحاول الجمعية اليهودية الأوروبية إقناع السياسيين أن كل مقارنة بين النازية وما يجري في قطاع غزة هو معاداة للسامية.

ومن جانبه، يرى مانو بنيدا أنه لا يمكن اعتبار انتقاد جريمة الإبادة في قطاع غزة عملا معاديا للسامية، قائلا: “أفرق بين الصهيونية واليهودية، ولا أنتقد اليهود بل الجرائم في قطاع غزة.. ولا يمكن اعتبار كل انتقاد هو معاداة للسامية”، ونشر يوم الخميس الماضي “لا نتنياهو ولا إسرائيل يستطيعان التحدث نيابة عن يهود العالم أو ضحايا المحرقة، إنهم لا يمثلون اليهودية بل الصهيونية، وهي أيديولوجية عنصرية ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني منذ 75 عامًا”.

وعاد هذا الأحد ليكتب “يصادف اليوم 7 يناير مرور ثلاثة أشهر على بداية الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد غزة، أكثر من 23 ألف قتيل ومليوني نازح وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، هذه هي أرقام النكبة الثالثة، لكن دعونا لا ننسى أن القصة لم تبدأ قبل ثلاثة أشهر، لأكثر من 75 عامًا، احتلت الصهيونية النازية فلسطين وخنقتها، ولا يمكننا أن نغض الطرف، فالقضية الفلسطينية هي قضية الإنسانية”.

وعمليا، سيستأنف البرلمان الأوروبي أنشطته خلال الأيام المقبلة بسبب عطلة أعياد الميلاد، وسيعالج مطالب الحاخام مناحيم مارغولين أي معاقبة رئيس لجنة فلسطين في البرلمان أم لا، وعمليا، يوجد تخوف من توتر وسط نواب البرلمان الأوروبي لأن الموضوع شائك وسيجر إلى مواجهات سياسية و لاسيما في ظل تراجع التعاطف مع "إسرائيل" بسبب الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال.

وتحاول أوساط محافظة واللوبيات اليهودية في أوروبا بدعم من كثير من وسائل الاعلام ملاحقة وتشويه الانتقادات التي تصدر من سياسيين ومثقفين لحرب الإبادة يشنها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين، وفي فرنسا مثلا، يتعرض الوزير الأول السابق دومنيك دو فيلبان إلى ملاحقة إعلامية وحرب ثقافية بسبب أطروحته التي تقول بأن ما تقوم به "إسرائيل" جريمة خطيرة ستولد مزيدا من العنف مستقبلا.

سلاح معاداة السامية

قال روبرت بيتسون، المحرر السياسي لشبكة “آي تي في” التلفزيونية البريطانية في تدوينة له على حسابه على “إكس”: “باعتباري يهودياً، أصبحت أشعر بقلق متزايد من أن تهمة معاداة السامية يتم توجيهها لإسكات النقاش المشروع والمهم”، وأضاف إن ” معاداة السامية آخذة في الارتفاع، ولكن هناك أيضًا ارتفاعا في الاستخدام عديم الضمير لهذا المصطلح لإسكات الأسئلة المعقولة حول تصرفات الحكومة الإسرائيلية في غزة”.

وجاء في مقال نشره بيرني شتاينبرغ أحد زعماء الجالية اليهودية في مجلة “هارفارد القرمزية” الذي يحمل عنوان “من أجل سلامة اليهود والفلسطينيين، توقفوا عن استخدام معاداة السامية كسلاح”، قال شتاينبرغ :”خلال مسيرتي المهنية الطويلة كمعلم وزعيم جالية يهودي – بما في ذلك ثلاثة عشر عامًا من العيش في القدس – رأيت وعشت صراعات مجتمعي، والآن، ومع الاستفادة من الإدراك المتأخر، أشعر بأنني مضطر للتحدث عما أعتبره اتجاهًا مزعجًا يجتاح حرمنا الجامعي، والعديد من الآخرين: استعمال معاداة السامية كسلاح من قبل قوى قوية تسعى إلى تخويف وإسكات شرعية انتقاد إسرائيل والسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل".

وأكد أنه “في معظم الحالات، يتخذ الأمر شكل تنمر ضد المؤيدين لفلسطين، وفي حالات أخرى، تضطهد هذه الحملات أي شخص ببساطة اختلافه المشروع مع هؤلاء المتنمرين".

وحسب الكاتب “تعد الإطاحة برئيس جامعة بنسلفانيا مثالاً واضحاً لما يمكن أن يحدث عندما نعمل على تمكين هذه القوى عديمة الضمير من إملاء طريقنا كقادة جامعيين، المخاطر مرتفعة كما كانت في أي وقت مضى، ويجب أن تكون يقظتنا على مستوى المهمة”.

وأكد شتاينبرغ “باعتباري قائدا في الجالية اليهودية، فإنني أشعر بالقلق بشكل خاص إزاء التكتيك المكارثي الحالي المتمثل في خلق ذعر من معاداة السامية، والذي، في الواقع، يتم تحويل القضية الحقيقية للغاية المتعلقة بسلامة اليهود إلى بيدق في لعبة سياسية لتغطية سياسات الكيان الإسرائيلي التي لا تحظى بشعبية كبيرة، وأضاف إن “ما يجعل هذا الاتجاه مثيرًا للقلق بشكل خاص هو الفارق في القوة: المانحون المليارديرات وذوو النفوذ السياسي، وغير اليهود واليهود على حدٍ سواء من جهة، يستهدفون بشكل غير متناسب الأشخاص من الفئات السكانية الضعيفة من جهة أخرى، بما في ذلك الطلاب وأعضاء هيئة التدريس غير الدائمين والأشخاص الملونون والمسلمون، والناشطون الفلسطينيون على وجه الخصوص"، ودعا شتاينبرغ الطلبة اليهود إلى أن يكونوا “منتقدين للكيان الإسرائيلي بجرأة – ليس على الرغم من كونكم يهودا، ولكن لأنكم كذلك، لا يوجد تقليد أكثر أهمية في اليهودية من قول الحقيقة، ولا توجد ضرورة يهودية أكثر إلحاحاً من الانتقاد الشجاع للقيادة الفاسدة، بدءاً بقيادتنا”، كما قال.

واعتبر أنه “إذا كانت قضية إسرائيل عادلة، فلتتحدث ببلاغة دفاعاً عن نفسها، ومن المثير للاهتمام أن بعض مؤيدي "إسرائيل" يبذلون جهودًا غير عادية لإسكات الجانب الآخر تمامًا، ونادراً ما يكون تشويه سمعة المعارضين تكتيكاً يستخدمه أولئك الواثقون من أن العدالة تقف إلى جانبهم، إذا كانت قضية الدفاع عن "إسرائيل" تتطلب وصم منتقديها بمعاداة السامية، فهي بالفعل تعترف بالهزيمة.”

وختم شتاينبرغ بالقول “اسمحوا لي أن أكون واضحا: معاداة السامية في الولايات المتحدة هي ظاهرة حقيقية وخطيرة، والأكثر إلحاحا من سياسات اليمين (من دعاة التفوق العرقي للبيض)، والتي أصبحت سائدة بشكل مثير للقلق منذ عام 2016، ولمواجهة هذه القوى وغيرها من القوى المعادية للسامية بوضوح وهدف، يجب علينا أن نضع جانباً جميع الاتهامات الملفقة والمُستخدمة كسلاح حول “معاداة السامية” والتي تعمل على إسكات انتقادات السياسة الإسرائيلية ورعاتها في الولايات المتحدة.”

وفي السياق ذاته كان جون لوك ميلانشون، الرجل الذي يأتي من أقصى اليسار الفرنسي وزعيم حزب "فرنسا الأبية"، صوتا يكاد يكون نشازا في أوروبا، حين قال بعد مجزرة المستشفى المعمداني في غزة: "هل من الصعب إدانة جرائم الحرب التي يرتكبها نتنياهو؟ هل من الصعب إدانة العنصرية التي تمنعنا من رؤية الفلسطيني أولا كإنسان؟ أين أصحاب الضمائر الحية والأرواح الجميلة؟".

هو أحد الضمائر التي ما زالت حية في فرنسا وأوروبا، ولذلك يتعرض وحزبه "فرنسا الأبية" ونوابه، مثل النائبة دانيال أوبوتو وماتيلد بانو (رئيسة الحزب في الجمعية الوطنية) لحملة شرسة بتهمة "معاداة السامية"، تماما كما يتعرض لها برلمانيون ورياضيون وسياسيون وإعلاميون في الغرب فقط لأنهم يرون الفلسطيني كإنسان، وفق تعبير ميلانشون.

البرلمان الأوروبي يدعم مجازر الاحتلال في غزة

بعد قيام كيان الاحتلال الاسرائيلي بتحويل قطاع غزة إلى أنقاض وملء الشوارع بدماء الأطفال بأسلحة أوروبية و أمريكية انتفضت النائبة في البرلمان الأوروبي كلير دالي قائلة: "إن الوضع تعدى كونه إبادة جماعية إسرائيلية ليأخذ بصمة أوروبية أيضًا"، كما اتهمت المسؤولة الإيرلندية، رئيسة البرلمان أورسولا فون دير لاين بإعطاء كيان الاحتلال الاسرائيلي الضوء الأخضر لفعل ما يشاء، حسب تعبيرها، قائلة إن فون دير لاين "لا يهمها قتل فلسطيني كل عشر دقائق ولا قتل الصحفيين ولا استهداف الممرات الإنسانية"، و من جهتها، هاجمت مانون أوبري عضو البرلمان مجموعة اليسار الاشتراكية الفرنسية الديمقراطية رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين عن "انحيازها المفضوح لإسرائيل"، وذكرتها بأن "3 آلاف من سكان غزة ثلهم من الأطفال قد قتلوا في القصف الإسرائيلي".

وكان النائب في البرلمان الأيرلندي ريتشارد بويد عن تحالف اليسار واضحا أيضا، حين هاجم ما سماه "النفاق المطلق" وازدواجية المعايير التي ينتهجها الغرب في النظر إلى الجرائم ضد الإنسانية بقوله:"كيف يعامل الفلسطينيون كعرق أدنى ويمنعون من الماء والغذاء ومع ذلك لا تسلط عقوبات على سياسة الأبارتايد التي تمارسها إسرائيل؟"

حرية التعبير محل تساؤل في أوروبا

ففي وقت يرفع فيه العلم الإسرائيلي على مقر المفوضية الأوروبية والبرلماني الأوروبي، يتم منع عضو البرلمان مانو بينيدا عن تكتل اليسار المتحد الإسباني من وضع الكوفية الفلسطينية خلال اجتماع البرلمانيين، رغم تأكيده أنها تعد رمزا ثقافيا وليس سياسيا.

و في سياق متصل كان اللاعب الفرنسي من أصول جزائرية كريم بنزيمة بطلا حين قاد منتخب فرنسا إلى الانتصارات، ومصدر فخر حين حاز الكرة الذهبية لعام 2022، لكنه أصبح الآن غير جدير بالجنسية الفرنسية، ولم يعد يستحق الكرة الذهبية التي منحتها مجلة فرانس فوتبول، واستدعيت خلفيته العرقية والدينية بمجرد أنه تضامن إنسانيا مع أهالي غزة ضحايا القصف الدموي الإسرائيلي للمستشفى المعمداني.

هذه الحملة الممنهجة -التي تتناقض مع كل الحقوق والحريات الغربية- طالت أيضا لاعبين وناشطين وسياسيين وحقوقيين وإعلاميين عربا وأفارقة يوصمون بتهمة "الدفاع عن الإرهاب" و"التحريض على الكراهية أو العنف"، فيتعرضون لحملة ترهيب تستهدف مستقبلهم ووضعهم برمته في البلدان التي ولدوا ونشؤوا فيها، واكتشفوا أنهم يرجعونهم إلى أصولهم الأولى بمجرد التعبير عن موقف مختلف.

وفي حالة رسام الكاريكاتير في صحيفة ذي غارديان البريطانية ستيف بيل، فإن حرية الفكر والرأي والتعبير المكفولة والمقدسة في الغرب توقفت بمجرد انتقاده في رسم كاريكاتيري ممارسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حربه على غزة، فطرد من عمله الذي زاوله لمدة 40 عاما، رغم أن الصحيفة رفضت نشر الكاريكاتير في الأصل.
رقم : 1108160
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
طوفان الأقصى حرر العقول
22 تشرين الثاني 2024
إخترنا لکم