وفي سياق متصل، أفاد مسؤولون في غزة بأن "إسرائيل" قامت بإلقاء آلاف الأطنان من الذخائر خلال العشرة أسابيع الماضية، ما أسفر عن تدمير البنية التحتية للقطاع الضيق وفقدان حياة نحو 20 ألف شخص، حيث فقد العديد منهم حياتهم تحت أنقاض المباني، وأصيب نحو 50 ألف شخص آخر، مع تعطل معظم مرافق الرعاية الصحية.
الكيان خاسرٌ أخلاقياً
أدلى المسؤولان الإسرائيليان بتصريحات للصحفيين في قاعدة بلماحيم الجوية، التي تبعد 45 كيلومترًا عن غزة، وأكدا أن "إسرائيل" تدرك أن التكلفة البشرية في كل ضربة تتوازن مع تقييم الفوائد العسكرية، وأشار أحد المسؤولين، المستشار القانوني للجيش الإسرائيلي، إلى أن سلاح الجو ينفذ "الآلاف والآلاف من الهجمات، وكثيرًا ما تتطلب الهجمات استخدام قوة نيران كثيفة" لاختراق الأنفاق، وأضاف المسؤول في مؤتمر صحفي بالقاعدة الساحلية، حيث تنطلق طائرات عسكرية رمادية مسيرة في عمليات القصف، "إنه أمر مأساوي حقًا أن يؤدي ذلك إلى سقوط عدد كبير من المصابين المدنيين".
وقد طلب الجيش الإسرائيلي عدم الكشف عن هوية المسؤولين لأسباب أمنية، ويتمثل الهدف الرئيسي لحملة "إسرائيل" في تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس، بهدف منع وقوع هجمات جديدة بعد هزيمة الكيان عقب الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر، وعلى الرغم من ذلك، أسفرت الخسائر في الأرواح في القطاع الفلسطيني عن تراجع الدعم العالمي بعد عشرة أسابيع من الصراع، وأصبحت "إسرائيل" تواجه ضغوطًا متزايدة لتقليل حجم هجماتها، حث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن نظيره الإسرائيلي على تقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين.
وفي هذا الشأن، ادعى أوستن أن حماية المدنيين في غزة تشكل "واجبًا أخلاقيًا وضرورة استراتيجية"، وحذر من أن العنف المفرط يمكن أن يثير الاستياء ويخدم مصلحة حماس، ما يجعل التعايش السلمي أكثر صعوبة في المدى الطويل، وانضمت فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى الدعوات التي تطالب بوقف لإطلاق النار، ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن القصف الذي وقع الأسبوع الماضي بأنه "عشوائي"، وأشار المسؤولان العسكريان الإسرائيليان إلى أن فداحة الخسائر البشرية بين المدنيين تعتبر تكلفة الحملة العسكرية الشديدة التي تقوم بها "إسرائيل" لتدمير حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة، كما لفتا إلى أن "إسرائيل" قامت بإلقاء آلاف الأطنان من الذخائر في الأسابيع العشرة الماضية، ما أدى إلى تدمير القطاع وفقدان حياة نحو 20 ألف شخص، وإصابة 50 ألفًا آخرين، مع تعطل معظم مرافق الرعاية الصحية، وأشارا إلى أن تقييم الميزة العسكرية يتزن مع التكلفة في أرواح المدنيين لكل ضربة.
ووفقًا للإسرائيليين المشاركين في الحملة العسكرية على غزة، يعتمد النجاح على الجدول الزمني، وهو قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ هجمات برية قبل اللجوء إلى الغارات، ورغم تحقيق الجيش تقدمًا، فإنه لا يزال عرضة لضغط الرأي العام، حيث وعدت القيادة السياسية بالقضاء على حماس وإعادة الأسرى وإعادة بناء المجتمعات الحدودية وإزالة التهديد الأمني، وتشير الصعوبات الاقتصادية الكبيرة، والتحديات التي تواجه جنود الاحتياط، وتوقعات الضغط الأمريكي إلى إمكانية تقليص مدة العملية داخل غزة، ويشير المحللون إلى أن الحكومة والجيش سيواجهان تحديات ذات حدّين في ظل التوتر بين تحقيق الأهداف ورغبة الجمهور في تحقيق تقدم سريع.
ويتفق كثير من المحللين أن معركة "طوفان الأقصى" كشفت عن مدى إجرام الإسرائيليين وحجم الهزيمة العسكرية والمعنوية المدوية للعدو وداعميه، وأثرت بشكل كبير على القوات الإسرائيلية والساحة السياسية في فلسطين المحتلة، واستمرار التحلي بالقوة والقدرة على المقاومة يشير إلى تغيير ديناميات الساحة السياسية، ويثير قلقًا إسرائيليًا، مؤكدًا التحديات الكبيرة التي تواجه "إسرائيل" من ناحية الأمن والسياسة، حيث شُنّت معركة "طوفان الأقصى" كرد فعل من حماس على الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وفشلت في تحقيق أهداف "إسرائيل"، بما في ذلك القبض على قادة المقاومة، مؤكدة قوة حماس وقدرتها على مواجهة "إسرائيل" على الرغم من الدعم الأمريكي اللامحدود، كما كشفت المعركة بوضوح عن ضعف الكيان الصهيوني وحقيقة وجوده في المنطقة.
صمود أسطوري لحماس
بلا شك، يمثل صمود حركة حماس حتى الآن، بعد مرور أكثر من شهرين على "طوفان الأقصى"، وتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية بشكل متزايد، رمزًا للصمود الذي لا يمكن لأي دولة، حتى وإن كانت جائرة، ممارسته ضد شعب بريء، وفي هذا السياق، استخدمت "إسرائيل" القوة بشكل زائد في مواجهة الشعب الفلسطيني البطل الصامد، ما أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف والجرحى.
ويظل الجيش الإسرائيلي في حالة ضياع، حيث يفتقر إلى القدرة على تحديد هوية من يقاتل، وقد نقلت إحدى محطات التلفزيون الأمريكية تصريحًا يفيد بأن الجيش الإسرائيلي يقاتل أشباحًا، وخاصة في ضوء ما حدث في الفترة الحالية، حيث قامت 10 دبابات بدخول غزة ووقعت في كمين، إذ اعتقدت أنها وصلت إلى أحد الأنفاق، بشكل مفاجئ، وتصدى أبطال الأقصى وفجروا الدبابات، ما أسفر عن اعتقال عدد كبير من الضباط والعسكريين الإسرائيليين، ونتيجة لهذا الحادث، اضطرت "إسرائيل" إلى الامتناع عن إرسال أي دبابة بعد ذلك، مكتفية بالاعتماد على الطيران والقصف عن بُعد، والجدير بالذكر أن المقاومة الفلسطينية قامت بتدمير عشرات الآليات الإسرائيلية.
وتؤكد بعض المقابلات والتعليقات التي جرت من قبل أساتذة جامعيين وإعلاميين أمريكيين وأوروبيين على ما تم ذكره، مؤكدين على وحشية "إسرائيل" ووحشية تحالف حلفائها الأمريكيين والغربيين أيضًا، وقد استاء العالم من تلاعب "إسرائيل" وحلفائها في تشويه الحقائق، قائلاً: "بدأ الإعلام الأمريكي الحر يدرك الحقائق.. كما بدأ يكشف فريق الإعلام الإسرائيلي وكذبه".
في الختام، قد دمّر الإسرائيليون حتى الآن نحو ثلثي المنازل والمباني في غزة، وهل كل هذه البنايات هُدمت لأنّ مسلحي حماس كانوا يقطنون فيها، كفانا كذبًا وافتراءات، ويريدون منا ألا نثق بحماس ولا نصدّق ما تقوله، فالإسرائيليون يدّعون أنهم اقتحموا المستشفيات لأنها كانت مركزاً لحركة حماس، وهذا كذب، لقد دخلوا المستشفيات وقتلوا الأطفال، فأين حماس؟ بل أين الأنفاق التي ادعوا أنها موجودة تحت المستشفيات؟"، وتعكس هذه الآراء مخاوف وشكوكاً بخصوص صحة التصريحات الإسرائيلية وتبريراتها فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإرهابية في غزة، وتعزز الدعوة إلى التحقق من الحقائق الميدانية وعدم الاعتماد على المعلومات بشكل أعمى ومحاسبة "إسرائيل" أمميا.
تنتقد التصريحات المذكورة في وسائل التواصل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، حيث قال في وقت سابق إنهم قدموا دعمًا لمستشفى الشفاء في غزة بالوقود، ويُشير ناشطون إلى أن هذا الادعاء كان مغلوطًا، حيث أكد مدير المستشفى أن الكمية التي تم تزويدها من الوقود لا تكفي لتشغيل المولدات لمدة لا تزيد على ربع ساعة فقط، وتعتبر هذه الآراء أن نتانياهو كان يُحاول تشويه الحقائق لتقديم صورة إيجابية عن الجهود "الإنسانية" الإسرائيلية.