آخر التطورات و دراسة إغلاق الميناء
أوضح تقرير لموقع globes، المختص بالشؤون الاقتصادية: شهدت مصادر في الصناعة الاسرائيلية، أن ميناء إيلات ينوي إخراج العمال من العمل وإغلاق بوابات الميناء بسبب قلة العمل، التقرير أكد أيضا قيام "إسرائيل"، بتحويل الاستيراد الذي كان يستقبله ميناء إيلات إلى ميناء حيفا.
ونقلت الصحيفة المتخصصة بالشأن الاقتصادي عن جدعون غلبار مدير الميناء قوله إن "تهديد جماعة أنصار الله يؤثر على جميع السفن، سواء تلك التي تمر إلى البحر الأبيض المتوسط أو مناطق أخرى وخاصة تلك التي تأتي من الشرق البعيد كاليابان والهند والصين".
وأشارت الصحيفة إلى انخفاض الاستيراد عبر الموقع بشكل كبير قياسا بما كان عليه قبل تعرضه للهجمات، مؤكدا أن شركات الشحن البحري فضلت الوصول إلى ميناء حيفا بدلا عن إيلات.
وكانت شركة تتبع شحن دولية، كشفت عن ارتفاع تكاليف الشحن إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، بسبب تعرض سفنها التجارية لتهديدات في البحر الأحمر، على خلفية حربها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وقال شركة "فريتوس" -في بيانات حديثة لها نشرتها صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية وترجمها للعربية "الموقع بوست" إن تكاليف الشحن من الصين إلى ميناء أشدود الإسرائيلي على البحر المتوسط ارتفعت بنسبة تراوح بين 9% و14% في الأسبوعين الأخيرين فقط من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأشارت مصادر أخرى، إلى أن سفينة تجارية مملوكة للمملكة المتحدة وترفع علم جزر البهاما في البحر الأحمر على بعد 35 ميلًا بحريًا تقريبًا من اليمن تعرضت للقصف بصواريخ أطلقتها جماعة أنصار الله، لافتة إلى قوة مكونة من عدة سفن بحرية متعددة الجنسيات في المنطقة استجابت لنداءات الاستغاثة الصادرة عن السفينة.
وذكرت أن عمليات احتجاز واستهداف السفن الإسرائيلية في مياه البحر الأحمر، تضطرها إلى تغيير مساراتها لترتفع تكاليف النقل بشكل كبير، بينما يخشى القطاع التجاري الإسرائيلي خسارة أسواق رئيسية وحبس سلع تصديرية حيوية.
وحسب بيانات الشركة، فإن هذا الارتفاع في التكاليف مغاير لواقع الشحن بين دول آسيا وبلدان البحر المتوسط التي انخفضت فعلياً بنسبة 7% في الأسبوعين الأخيرين من الشهر الماضي وبنسبة 8% منذ السابع من أكتوبر.
بعد تركيز جماعة أنصار الله في اليمن على استهداف إيلات، بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، انطلاقًا من ذلك، يطرح سؤال وهو: ما أهمية مدينة إيلات بالنسبة إلى لكيان الاحتلال الصهيوني؟، ولماذا يجري استهدافها؟
الأهمية الاقتصادية لإيلات و مينائها
أصبحت مدينة "إيلات"، أو "أم الرشراش" حسب تسميتها الأصلية قبل الاحتلال، تحت الأضواء منذ عملية "طوفان الأقصى" وما يتبعها من عدوان إسرائيلي وحشي على أهالي قطاع غزة، حيث كان كيان الاحتلال قد غيّر تسمية أم الرشراش إلى إيلات، وبنى فيها الميناء الإسرائيلي الوحيد على البحر الأحمر، ففي الوقت الذي تضطر دول البحر المتوسّط إلى الاتكال على قناة السويس للوصول إلى موانئها، أصرّ كيان الاحتلال الإسرائيلي على إيجاد منفذها الجنوبي الخاص في شمال البحر الأحمر، خوفاً من إقفال قناة السويس في وجه تجارته.
تحولت إيلات منذ عام 1985إلى منطقة تجارة حرة تتمتع بمزايا مالية تعفى من خلالها الشركات من رسوم الاستيراد، لذلك استمرار الهجمات الصاروخية للحوثيين على المنطقة، يكبد "إسرائيل" خسائر، وخاصة بعد توقف ميناء عسقلان، وتوقف السياحة، وتوقف أكثر القطاعات الاقتصادية، بسبب الحرب في غزة.
و في هذا السياق يعتبر خنق التجارة البحرية الإسرائيلية هو خنق كلّي لتجارة "إسرائيل" الخارجية، نظراً لمرور 98% منها عبر البحر الأبيض المتوسّط أو عبر البحر الأحمر، وهذه النسبة المرتفعة مفهومة إن أخذنا بالاعتبار أن الكيان الإسرائيلي تربطه علاقة مُرتبكة أو لا تربطه أي علاقة تجارية بالدول المحاذية له (لبنان، سوريا، الأردن، مصر)، بالإضافة إلى أن التجارة البحرية تشكّل 80% من التجارة العالمية، أي إنها شكل التجارة الغالب لأي دولة تمتلك منفذاً بحرياً.
وبذلك تأتي الأهمية الاقتصادية لميناء ايلات من كونه يسمح للشحن الإسرائيلي بالوصول إلى المحيط الهندي دون الاضطرار إلى الإبحار عبر قناة السويس ويُعتبر البحر الأحمر ممرّ الصادرات الآسيوية إلى الكيان الإسرائيلي، وازدادت أهميته بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي مع زيادة الاعتماد على هذه الصادرات في العقدين الأخيرين: ففي العام 2006، وصلت حوالي 191,000 حاوية بضائع إلى الموانئ الإسرائيلية من شرق آسيا، بينما جاءت 268,000 حاوية من أوروبا الغربية، ولكن بحلول العام 2019، تم تفريغ ما يقرب من 278 ألف حاوية قادمة من آسيا في موانئ أشدود وحيفا، بينما انخفض العدد من أوروبا الغربية إلى حوالي 260 ألف حاوية، وحسب رئيس مركز السياسة البحرية والأبحاث الإستراتيجية في جامعة حيفا فإن ثلث تجارة "إسرائيل" العالمية يتمّ مع الشرق الأقصى، وأن الواردات والصادرات الإسرائيلية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات تمر عبر باب المندب.
فيما تُعد إيلات مقصداً سياحياً مهماً، فهي تستقبل نحو مليون سائح سنوياً يسهمون في تمويل أكثر من 80% من مداخيل المدينة التي تُعد السياحة اليوم مصدر دخلها الرئيسي .
الأهمية الاستراتيجية لميناء إيلات
تطل مدينة إيلات على خليج العقبة الذي تتقاسم سواحله مع الأردن ومصر والسعودية، ويعد هذا الخليج بوابة إلى البحر الأحمر، الذي يعد أحد أهم الممرات المائية في العالم، إذ تحده شمالا قناة السويس المصرية التي تربطه بالبحر الأبيض المتوسط، وجنوبا مضيق باب المندب الذي يربطه ببحر العرب والمحيط الهندي، ويصفها البعض بأنها قطعة مطلة على قطع أخرى في أحجية حدود كيان الاحتلال الأمنية على البحر الأحمر، ولعل أهميتها الإستراتيجية تتجلى في أن السفن الحربية تتحرك لها لردع الخطر القادم من الجبهات الأخرى، كما ينظر إليها باعتبارها بديلًا محتملًا لحركة شحن كبيرة للبضائع بين آسيا وأوروبا.
وكانت إيلات نقطة حساسة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصا في حروبه مع مصر، إذ كانت الحركة في ميناء إيلات ورقة ضغط في يد القاهرة، التي كانت تسيطر على مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، و تعتبر منفذاً لكيان الاحتلال الاسرائيلي الوحيد إليه.
وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية لمدينة إيلات التي تضم ميناء "إسرائيل" الوحيد المطل على بحر غير البحر الأبيض المتوسط، والذي افتتح سنة 1955.
وكان نتنياهو قد تحدث مسبقاً و بشكل علني أمام خرّيجي دورة نخبة القباطنة في البحرية الإسرائيلية في قاعدة التدريب البحرية في حيفا عن الأهمية الاستراتيجية للمنافذ البحرية بالنسبة لكيان الاحتلال قائلاً: «البحر يوفر لنا العديد من الفرص، فهو قبل كل شيء يزيد من حجم دولة إسرائيل الصغيرة، ويسمح لنا بنشر سفننا فوق الأمواج وتحتها في منطقة شاسعة، وهذا يمنح دولة إسرائيل قوة كبيرة».
نقطة تحول مهمة
يعتبر تدخل اليمن الرسمي في الحرب من الناحية العسكرية و الجيوسياسية نقطة تحول مهمة للغاية، إذ إن هذا التدخل أظهر عجز الدول العربية أو عدم رغبتها في تقديم المساعدة الحقيقية للشعب الفلسطيني، ففي الوقت الذي ترفض فيه الدول العربية والعديد من الدول الإسلامية الغنية مقاطعة "إسرائيل" أو ممارسة ضغوط أكبر على حليفتهم الولايات المتحدة لإقرار هدنة أو وقف إطلاق نار أو حتى فتح معبر رفح لإيصال المساعدات، فتح اليمن البلد الفقير جبهة جديدة للمقاومة ضد "إسرائيل".
و في هذا السياق أظهرت جماعة أنصار الله اليمنية امتلاكهم لاستراتيجية شاملة على الرغم من التحليلات السطحية التي صدرت عن بعض المحللين الذين اعتبروا دخول اليمن في الحرب كحالة رمزية فقط وكذلك الأمر بالنسبة لأولئك الذين شككوا في قدرة الصواريخ اليمنية على الوصول إلى "إسرائيل"، إلاّ أن الجيش اليمني كان مجهزاً بخطة استراتيجية شاملة وتدريجية للتعامل مع ملف "إسرائيل".
فبدأ اليمن حربه ضد "إسرائيل" عبر إطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة الموجهة بشكل دقيق، وكان على صواريخ أنصار الله أن تقطع أكثر من 1600 كيلومتر لتصل إلى الأراضي المحتلة، كما عمل الجيش اليمني على تفادي المضادات الجوية عبر المرور عبر البحر الأحمر ومن ثم اجتياز خليج العقبة، وبالفعل فقد تسببت هذه الهجمات بخسائر بشرية ومادية كبيرة في “إيلات” الإسرائيلية.
بدأت الخطة الاستراتيجية للحوثيين عبر استهداف إيلات بالصواريخ والمسيرات، وقد جاءت عملية احتجاز السفن فيما بعد لإكمال تعطيل ميناء إيلات والممرات البحرية المؤدية إليه، يدرك العالم أجمع والولايات المتحدة على وجه الخصوص أهمية مضيق باب المندب ومياه البحر الأحمر للتجارة العالمية حيث يمر عبر هذا الممر المائي حوالي 6.2 ملايين برميل من النفط الخام يومياً إضافة إلى أن حوالي 30% من التجارة العالمية للغاز الطبيعي تمر عبر هذا المضيق ناهيك عن 10 % من إجمالي التجارة العالمية، ولهذه الأسباب يأتي تحرك جماعة أنصار الله اليمنية تحدياً للولايات المتحدة التي تنشر سفنها وحاملات طائراتها الحربية في المنطقة وهي وقفت عاجزة أمام قوات الجيش اليمني التي احتجزت السفينة عبر زوارق بحرية بدائية وعمليات انزال جوي.
بالإضافة إلى التأثير العالمي لهذه العملية فإن هناك تأثيرات اقتصادية خطيرة على "إسرائيل" تتمثل بقدرة جماعة أنصار الله على تعطيل طرق إمداد كيان الاحتلال الاإسرائيلي بالبضائع الأساسية التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب والقدرة على تعطيل ميناء إيلات في جنوب الأراضي المحتلة والذي يعتبر أكثر الموانئ الإسرائيلية حيوية إلى جانب ميناء حيفا.
ختام القول
ليست عملية خطف السفينة التي نفّذتها جماعة «أنصار الله» في 19 تشرين الثاني/نوفمبر فاتحة تهديد التجارة البحرية الإسرائيلية، فالأخيرة تقلّصت حركتها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، بفعل التهديد الذي أحدثته صواريخ المقاومة الفلسطينية، ارتبكت حركة سفن الشحن، وبُدّلت وجهتها وتغيّرت مواعيد وصولها، أغلق ميناء، واستنزِف آخر، ويعمل ثالث فوق طاقته، مع احتمال استفحال الأضرار التي تتكبّدها التجارة البحرية الإسرائيلية إن تصاعدت المواجهة في البحر الأحمر وتحوّلت إلى جبهة قائمة بذاتها عوضاً عن جبهة مساندة.