0
الأربعاء 6 كانون الأول 2023 ساعة 10:02

مراجعة 13 اتفاقية مع ‘‘إسرائيل‘‘.. الأردن تعيد خلط الأوراق

مراجعة 13 اتفاقية مع ‘‘إسرائيل‘‘.. الأردن تعيد خلط الأوراق
الأردن وتغيير المسار

في سياق مراقبة خبراء متخصصين لمسألة مراجعة حزمة التطبيع مع "إسرائيل"، وسط العدوان الهمجي على قطاع غزة، يشددون على أهمية اتخاذ قرارات شعبوية في هذه المرحلة الحساسة،  وتتأمل فكرة مراجعة الاتفاقيات في أن تجذب انتباه المؤسسات الأمريكية والغربية، وتكون كـ"قرصة إذن" لليمين الإسرائيلي، وفقًا لرأي التيار الداعي إلى التوازن في رد الفعل، تهدف هذه القرصة إلى تحفيز استجابة مناسبة دون أن يستفيد اليمين الإسرائيلي من الموقف، على أن يتم ذلك بحيث لا يؤدي التسرع في اتخاذ أي قرارات ذات صلة إلى إلحاق ضرر بشبكة المصالح الأردنية، وتكمن دوافع المراجعة أساسًا في الحفاظ على هذه الشبكة كمصدر للدافع والحافز نحو إجراء المراجعة.

وفي مرحلة مبكرة من المسألة، أعلن رئيس مجلس النواب الأردني، مباشرةً أن المجلس لديه قراره ولديه سلطة الإجراء اللازمة في مواجهة العدوان الهمجي الذي يجرح الإنسانية في المقام الأول ويخدش كل القيم النبيلة، وفي هذا السياق، يوضح السيد أحمد الصفدي أن قرارات مجلس النواب واضحة وتتسم بالوضوح في تفسيرها، ومع ذلك، يظهر على الجبهة الموازية أن هناك من يراقب أداء النواب تحت عنوان "مراجعة المراجعة"، أي إن مسألة مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع الإسرائيليين تخضع لفحص دقيق، ويأتي هذا في ظل إشارات إلى أن استراتيجية التعامل الأردنية، بشكل عام ووطني، كما أعرب عنه الشيخ مراد العضايلة، الأمين العام لحزب جبهة العمل المعارض، تحتاج إلى تجاوز مرحلة العزلة لعزل جميع مسارات التطبيع والتكيف، والعودة إلى بناء استراتيجية تصدٍ ومقاومة وطنية تستند إلى فكرة وضوح العدو، بل إلى طموحاته في التوسع وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن وشعبه.

وفي اليومين الماضيين فقط، أظهرت مداخلات تسلط الضوء على نقاط الضعف في العلاقة مع "إسرائيل" من قبل شخصيات عامة ووطنية تتمتع بميزة الاعتدال الشديد، ومن بين تلك الشخصيات، برز رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، الذي دعا إلى الحرص على تطوير ما وصفه بأدوات الدبلوماسية الخشنة في مواجهة ما أسماهم "حكام تل أبيب المجانين"، مع إعادة انتقاد أي مقترحات في سياق الاشتباك القائم على أساس الدبلوماسية الناعمة، وظهر البرلماني والوزير السابق والخبير، الدكتور ممدوح العبادي، مجددًا في وسائل الإعلام قبل يومين، داعيًا إلى تطوير فكرة التضاد والتعاكس مع هذه الحزمة المعقدة من الارتباطات مع "إسرائيل"، لأن طموحات التوسع اليمينية الإسرائيلية تتجلى فلسفيًا في اتجاه الأردن، وليس فقط كطموحات، بل تتجسد في سلوكياتها على أساس الأطماع وليس الطموحات فقط.

من ناحية أخرى، قال رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري أن يجب التنبه إلى معادلة تظهر في المستقبل القريب حيال ملف مراجعة الاتفاقيات مع "إسرائيل"، ويكمن الجوانب الأكثر أهمية في هذا السياق في استنتاج أن الضوء الأخضر الذي أُعطي لبدء هذه المراجعة وتسليط الضوء عليها يتطلع إلى تحقيق وظيفتين، الأولى تتمثل في جذب انتباه المجتمع الدولي، الذي يعتبر راعيًا وحاميًا للكيان، حيث بدأ حليف مهم مثل الأردن في التحرك رسميًا تحت ضغط شعبي متزايد، أما الوظيفة الثانية، فتتمثل في التناغم مع آليات تصريف التوتر الشعبي أيضًا، حيث خططت مؤسسات اتخاذ القرار لتفادي تأخير القرارات الصعبة والمعقدة في ظل لحظات الانفعال، من خلال السير قدمًا في مسألة التطبيع قبل أن يتخذ الشارع خطواته الخاصة.

وتم تنفيذ خطوات تعبيرية، مثل إعلان عدم الرغبة في عودة سفير "إسرائيل" إلى عمان، وعدم التوقيع على اتفاقية تبادل الكهرباء والمياه، وذلك على أساس محدد، تلك الخطوات برمجت بناءً على الاستجابة للمطالب الشعبية وكذلك للتفاعل مع توجهات المجتمع الدولي، مع التركيز على لفت الانتباه للمعسكر الغربي، ومع انطلاق التوصية التي أصدرها مجلس النواب، بتكليف لجنته القانونية لمراجعة حوالي 13 اتفاقية مع الإسرائيليين، أصبح واضحًا لاحقًا أن بعض هذه الاتفاقيات أثرت في البلاد والمواطنين بطرق معقدة لا يمكن تجاهلها.

الإجرام يهدد 30 عاما من العلاقات

اليوم، يطرح سؤالان يتعلقان بالنتائج: السؤال الأول، هل تحققت الوظيفة الأولى وهي لفت النظر للأمريكيين والأوروبيين؟ والسؤال الثاني، ما هو مصير الوظيفة الثانية التي تتعلق بالتفاعل الإيجابي مع موقف الشارع؟، وعملياً، الإجابة على السؤالين قد تعني المجازفة، حيث إن الأردن، عموماً، يبدو على وشك التخلي الكامل عن 30 عامًا من العلاقات بعد توقيع اتفاقية وادي عربة، ومع ذلك، فإنه بوضوح شديد يقوم برفع الصوت إلى أعلى بأكبر جرعة اعتراض أو صرخة دبلوماسية وسياسية ممكنة، هذا الاعتراض ليس فقط على العدوان الهمجي ضد سكان قطاع غزة، ولكن أهم من ذلك، فإنه يستهدف تداعيات هذا العدوان في الضفة الغربية، قبل أن ينتقل إلى المناطق الشرقية.

ويقول البعض إن الصديق الأمريكي قد لاحظ، أن الاعتراض الأردني، حتى في جزئيات المراجعة للاتفاقيات، قد حقق بعض النجاحات الدبلوماسية في التسهيل من شرعنة الدعوات للتحقيق بشأن العدوان الإسرائيلي من دول أوروبية، وهناك من يؤكد أن التلويح بإمكانية المراجعة قد حقق الغرض المنشود، إذ فُتحت ثغرات لوجستية تخدم حصرًا مصلحة الأردن تحت عنوان الإغاثة الإنسانية في قطاع غزة، ويتمثل ذلك في أن عمان، التي يعارضها اليمين الإسرائيلي ويدير بعض العرب دورهم ضدها من خلال التطبيع، جلست على الطاولة في مجال اللوجستيات بشكل خاص.

و تظهر عملية مراجعة اتفاقية التطبيع مع "إسرائيل" كرسالة دبلوماسية محكمة، يمكن رفع أو خفض سقفها حسب الحاجة وفقًا للظروف، ما يشكل انطباعاً بأن المراجعة التي تمت لهذه المراجعة هي أيضًا ذات فائدة وظيفية حتى الآن، ومنذ الحرب على قطاع غزة وارتكاب الإسرائيليين لمجازر جماعية ضد الأبرياء ما أدى إلى سقوط  ما يقارب ال 16 ألف ضحية، وأفاد دبلوماسيون مطلعون على السياسة الأردنية بأن الأردن قام بتراجع في علاقاته الاقتصادية والأمنية والسياسية مع "إسرائيل"، وأشاروا إلى دراسة المزيد من الخطوات لتنفيذ معاهدة السلام في حال استمرار التصعيدات وتفاقم الأوضاع في غزة.

وتثير الأحداث الجارية في ساحة الصراع بين "إسرائيل" وحماس مخاوف قديمة في الأردن، الذي يستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين، يشعر الأردن بالقلق إزاء احتمال استغلال "إسرائيل" للفرصة لقتل أو طرد الفلسطينيين جماعيًا من الضفة الغربية، وخاصةً مع زيادة الهجمات من قبل المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين منذ الهجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر، وإن المقابلة الأخيرة مع الملك الأردني عبدالله تعرضت لانتقادات حادة من الجانب الإسرائيلي، يُشار أيضًا إلى مقال نشره الملك عبدالله في نهاية هذا الأسبوع في صحيفة 'واشنطن بوست'، حيث انتقد "إسرائيل" بشدة، وأفادت الصحيفة أيضًا بإعلان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خلال مؤتمر في البحرين، عن إلغاء اتفاقيات الطاقة الشمسية الأردنية مقابل المياه المحلاة من "إسرائيل"، وأشارت إلى عدم وضوح كيف سيتعامل الأردن مع الوضع دون المياه، و أدلى الصفدي بتصريحاته نهاية الأسبوع، حيث وصف اتفاق السلام مع الأردن بأنه "ليس أكثر من وثيقة يمكن وضعها في الدرج".

وفي السياق نفسه، أعلنت الحكومة الأردنية عن نيتها بناء ثلاثة مستشفيات ميدانية لعلاج الفلسطينيين من غزة في الضفة الغربية، حيث بدأت عمليات البناء في نابلس بالفعل، ومن المقرر إنشاء مبانٍ أخرى في جنين وأريحا، ووفقًا للصحيفة، في الوقت الحالي، ليس واضحًا ما إذا كانت الاتصالات ستستمر وبأي طريقة وبأي مزاج، حيث يظهر أن كلا الجانبين غاضب من الآخر، وصدر بيان من وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، بخصوص قرار "سيادي" كاستجابة فورية للضغوط المتزايدة في البلاد، حيث تم إلغاء توقيع الأردن على الاتفاقية الإماراتية المتعلقة بتبادل خدمات توريد الكهرباء والمياه مع "إسرائيل"، تأتي هذه الخطوة في إطار تفاعل الحكومة مع نقاشات برلمانية ومظاهر احتجاج واسعة في البلاد.

وتأتي هذه التغييرات في الموقف الأردني في سياق غير رسمي، وتتضمن توجيه الصادرات المتجهة إلى السوق الأمريكية عبر ميناء حيفا الإسرائيلي نحو ميناء العقبة والموانئ المصرية، تم أيضًا خفض واردات الغاز من "إسرائيل"  بنسبة 50% لأسباب أمنية، يأتي هذا الإجراء استجابة فعالة لتطورات الأوضاع، ويُظهر تغييرات كبيرة في الموقف الأردني، وفي إطار المناقشات الجارية، أشار وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلى التصاعد في التوترات وسلوك "إسرائيل" الوحشي، وأوضح الصفدي أن اتفاقية وادي عربه للسلام مع "إسرائيل" ستظل وثيقة متروكة على رف في مستودع، ووصف الوضع الحالي بالمأساة، وخاصةً مع التطورات في قطاع غزة، حيث اتهمت "إسرائيل" بتجاوزها للقرارات الدولية وارتكاب جرائم حرب، وقد يُشير تناول الصفدي لاتفاقية وادي عربة بلهجة ساخرة إلى تحضير الأردن لاتخاذ خطوات فعلية نحو تعليق جوانب من "التطبيع الاقتصادي" مع "إسرائيل".

في النهاية، يتلخص الموقف الأردنيّ في أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يشكل محورًا مركزيًا من الأزمة، والأردن أشار إلى أن الحصار الإسرائيلي على القطاع، في ظل زيادة الكثافة السكانية، لا يمكن تبريره بوصفه دفاعًا عن النفس كما تزعم "إسرائيل"، وأن القصف الإسرائيلي يستهدف بلا تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، إضافة إلى تسلل الاحتلال إلى المناطق الآمنة واستهداف سيارات الإسعاف، ومن المتوقع أن تتجه العلاقات الأردنية مع "الكيان" إلى طريق مسدود بعد المجازر الشنيعة التي ارتكبها، حيث يعيش الأردن حالة من التوتر والقلق إزاء تطورات الأزمة في غزة والتأثير المحتمل على أمانه واستقراره، الأمور تظهر غير واضحة بشكل كامل، ما يثير الترقب من قبل الأردن وعدم اليقين حول مستقبل الأزمة، وتشير التقديرات إلى أن الوضع قد يزداد سوءًا تدريجيا، ما يشجع الأردن على توجيه اهتمامه ومساهماته في الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل للأزمة وإيقاف شلال الدم بحق الفلسطينيين ومراجعة علاقاته مع تل أبيب بشكل كامل.
رقم : 1100700
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم