أرقام قياسية في قتل الصحفيين
تصاعدت حصيلة الصحفيين الذين فقدوا حياتهم خلال الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة إلى 73 صحفيًا، وذلك وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، منذ بداية الحملة العسكرية في 7 أكتوبر، يُسجل استشهاد صحفي واحد على الأقل يوميًا على يد القوات الإسرائيلية، تثير هذه الأحداث قلقًا بالنظر إلى أن الصحفيين يتمتعون بالحصانة وفقًا للقوانين الدولية، حيث يسعون إلى نقل الجرائم الحربية وهجمات الإبادة الجماعية في غزة إلى الرأي العام العالمي.
وعدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في قطاع غزة خلال الشهرين الأخيرين يتجاوز عدد الإعلاميين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام والحرب الكورية، وفقًا لمنتدى الحرية، فإن 69 صحفيًا فقدوا حياتهم خلال 6 سنوات في الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى مصرع عشرات الملايين وتعتبر الحرب الأكثر دموية في التاريخ الحديث، إلى جانب ذلك، فقد 63 صحفيًا حياتهم خلال الاحتلال الأمريكي لفيتنام، الذي استمر لمدة قرابة 20 عامًا، وكما أودت الحرب الكورية التي استمرت 3 سنوات بحياة 17 صحفيًا، وفقًا لتقرير "منتدى الحرية"، وبالإضافة إلى ذلك، أفادت لجنة حماية الصحفيين، المقرة في نيويورك، بفقدان حياة 17 صحافيًا خلال الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/ شباط 2022.
واتجهت "إسرائيل" إلى استهداف الصحفيين مع بدء هجماتها على قطاع غزة ولبنان في 7 أكتوبر، تعرّض الصحفيون لحالات كالاعتقال والرقابة وقتل أفراد عائلاتهم على يد "إسرائيل" خلال الفترة نفسها، في 13 أكتوبر، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزل المصور الصحفي في وكالة الأناضول علي جاد الله في غزة، حيث فقد فيها جاد الله ما لا يقل عن 8 أفراد من أسرته بمن فيهم والده وإخوته، وفي التاريخ نفسه، فقد مصور وكالة رويترز للأنباء عصام عبد الله في لبنان حياته وأصيب 6 إعلاميين جراء استهدافهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية جنوب لبنان.
وأكدت منظمة مراسلون بلا حدود في تحقيقاتها بالحادثة تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلية استهداف الصحفيين رغم وضعهم إشارة "صحافة" على ملابسهم، كما استشهد عدد من أفراد أسرة مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح جراء هجوم نفذه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في 23 أكتوبر، فراح ضحيته زوجته وابنه وابنته وحفيده البالغ من العمر 18 شهرا، وفي القصف الذي استهدف مدينة خان يونس في الأول من نوفمبر، استشهد مراسل التلفزيون الفلسطيني محمد أبو حطب و11 فرداً من عائلته.
وفي قصف إسرائيلي يوم الخامس من نوفمبر، فقد مصور الأناضول محمد العالول أبنائه الأربعة، وثلاثة من إخوته، في 21 نوفمبر استشهدت مراسلة قناة الميادين فرح عمر، والمصور ربيع المعماري جراء غارة جوية إسرائيلية في بلدة طيرحرفا خلال متابعتهم للتطورات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، أيضًا، استشهدت الصحفيتان آلاء طاهر الحسنات وآيات خضورة جراء قصف إسرائيلي على غزة، حيث حفرت في الأذهان اللحظات الأخيرة للصحفية آيات خضورة، مراسلة قناة الغد، حينما ظهرت في آخر ظهور لها وقالت "قد يكون هذا الفيديو الأخير".
بالإضافة إلى ذلك، استشهد مدير رابطة بيت الصحافة الفلسطيني بلال جاد الله، أحد أبرز الصحفيين في غزة، جراء قصف إسرائيلي بالدبابات في حي الزيتون خلال توجهه نحو جنوب غزة، بعد انقضاء "الهدنة الإنسانية" واستئناف جيش الاحتلال الإسرائيلي هجماته على قطاع غزة في الأول من ديسمبر، استشهد 3 صحفيين في يوم واحد، من بينهم مصور وكالة الأناضول منتصر الصواف، الذي فقد والدته وأباه والعديد من أقاربه في هجوم إسرائيلي يوم 18 نوفمبر، وأصيب هو بجروح.
وفي سياق استهداف القوات الإسرائيلية للصحافيين والمؤسسات الإعلامية، تعرّضت مكاتب صحيفة "الأيام"، وإذاعة "غزة"، ووكالة "شهاب للأنباء"، ووكالة "معا" الفلسطينية، ومكتب قناة "برس تي في" وقناة العالم الإيرانيتين، ومكتب الوكالة الفرنسية إلى التدمير، سواءً كان ذلك كليًا أو جزئيًا، وأكد اتحاد الصحفيين الفلسطينيين في بيان صادر في 28 نوفمبر، أنه تم اعتقال 41 صحفيًا منذ 7 أكتوبر، ولم يتم إطلاق سراح سوى 12 منهم حتى الآن بعد فترات اعتقال متفاوتة، وهناك 44 صحفيًا فلسطينيًا محتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
أولويات الكيان في غزة
إن استهداف الصحفيين والبنية التحتية للاتصالات في قطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي يُعتبر أحد أولويات هجماته، ما يعكس رغبته في تقويض قدرة وسائل الإعلام على نقل الأحداث والجرائم التي يرتكبها، يظهر الاستهداف المتكرر لهذه البنية التحتية رغبة في محاولة إلقاء الظلام على الأحداث وتشويه الصورة اليومية للجرائم التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني، هذا يتعارض مع حق الرأي العام العالمي في معرفة الحقائق والتوعية بالوضع الإنساني في المنطقة.
يُظهر الاتجاه العام للاستهداف أن هناك محاولة لتعتيم الجرائم التي تقوم بها "إسرائيل" وتقوية فرص الإفلات من العقوبة للمرتكبين، لذلك، يصبح من الضروري ملاحقة ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم للتأكيد على المساءلة وتقديمهم إلى العدالة، الجرائم ضد الصحفيين ووسائل الإعلام لا تُحفز فقط استمرار الاحتلال في ارتكابها، ولكنها تسهم أيضًا في تكرار الانتهاكات ضد حقوق الإنسان.
والصحفيون في مناطق المواجهات، وخاصة في قطاع غزة، يواجهون عقبات وعراقيل خطيرة، حيث يقوم الاحتلال بعزلهم وإقامة حواجز عسكرية أمامهم ويمنعهم من التغطية الصحفية، ما يضعهم في موقف صعب، بالإضافة إلى ذلك، تتعرض وسائل الإعلام والصحفيون للاعتداءات والهجمات من قبل المستوطنين، حيث يتعرض بعض الصحفيين للهجوم الجسدي وتكسير معداتهم، ناهيك عن فرض الرقابة على ما يتم تسجيله وتصويره بعد الخروج.
ويظهر نمط متعمد من الاعتداءات واغتيال الصحفيين الفلسطينيين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وقد تم توثيق العديد من الحالات التي تشمل الاعتداءات والجرائم الموجهة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام في قطاع غزة، كما أن حماية حقوق الصحفيين وتوفير بيئة آمنة للتغطية الصحفية يعدان ضروريين، ويجب محاسبة أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد الصحفيين وتقديمهم للعدالة، هذا النوع من الاعتداءات يشكل تهديدًا لحرية الصحافة وحقوق الإنسان ويخالف القانون الدولي.
ولا شك أن حماية حرية الصحافة وسلامة الصحفيين تمثلان أمورًا بالغة الأهمية، ويتعين على المجتمع الدولي العمل بقوة للحد من هذه الانتهاكات وتوفير بيئة آمنة للصحفيين والصحفيات، حتى يتمكنوا من أداء مهمتهم دون خوف من العقوبات أو الاعتداءات، تلك الجرائم تشكل انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان وتتعارض مع القانون الدولي، وعملية "طوفان الأقصى" التي شنتها كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية كشفت جرائم الكيان بحق الصحفيين في مناطق متعددة داخل الأراضي المحتلة، وبينما تستند هذه العملية إلى المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، تؤدي إلى سقوط ضحايا وإصابات كثيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
في الختام، من الضروري على الصهاينة إسكات كل من يفضح جرائمهم الشنيعة، والدليل ما تشير إليه التقارير الإعلامية حول أن عدد الشهداء قد تجاوز 17 ألف شهيد وأصيب أكثر من 40 ألف نتيجة للعمليات العسكرية الإرهابية للكيان، وهذه الأرقام تُظهر وجود أزمة إنسانية خطيرة في المنطقة، وتشير إلى الحاجة الملحة إلى وقف العمليات العسكرية وتحقيق الهدنة وتقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين المتضررين، ويجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته في وقف التصعيد الإسرائيلي الإرهابي والمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ومحاسبة "إسرائيل" تعتبر الوسيلة الأمثل لإيقاف شلال الدم الفلسطيني وإعادة بناء المناطق المتضررة وحماية حقوق الإنسان وحياة المدنيين.