توجه واسع نحو محاكمة الكيان
تصاعدت الدعوات الدولية من زعماء دول ومنظمات ومحامين لمحاكمة كيان الاحتلال ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، في المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة عدوان، ضد سكان قطاع غزة، إذ رفعت عدة منظمات وجمعيات حقوقية دعوات قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية، للمطالبة بالنظر في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المحكمة الجنائية الدولية، أعلنت في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تقدم خمس دول أعضاء فيها بطلب للتحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها المحكمة الجنائية الدولية طلبات للتحقيق في جرائم ارتكبها كيان الاحتلال خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد انضمام فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية في 2015، ما يعني أن الجرائم التي ترتكب في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أصبحت ضمن دائرة اختصاص المحكمة.
فقد تقدمت كل من جنوب إفريقيا وبوليفيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي، وهي دول أعضاء في محكمة الجنايات الدولية بطلب للتحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة، وفق بيان للمحكمة في 17 نوفمبر، ويُتَوَقع أن تنضم دول أخرى أعضاء في الجنائية الدولية إلى الدول الخمس، على غرار كولومبيا، التي أعلن رئيسها غوستافو بيترو، دعم بلاده دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لرفع دعاوى قضائية ضد "إسرائيل" في المحكمة الجنائية الدولية.
وكان الأردن أعلن نيته التوجه إلى المحاكم الدولية لمحاكمة كيان الاحتلال على جرائمه، إذ أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي أن الكيان يرتكب مجازر بحق الفلسطينيين في قطاع غزة ويجب محاكمته، إذ كشف عن مشروع أردني يمكن أن ينتهي بالتقدم بطلبات وشكاوى محددة لمحكمة العدل الدولية، إضافة إلى تكليف مجلس النواب لجنته القانونية بجمع الوثائق والأدلة لتقديم شكوى باسم الشعب الأردني لدى محكمة الجنايات الكبرى ضمن المراجعات التي قررها لاتفاقية السلام مع كيان الاحتلال وتم التصويت على القرار وأصبح جاهزا للتطبيق في الوقت المناسب.
كما دعت عُمان على لسان وزير خارجيتها بدر بن حمد البوسعيدي، المجتمع الدولي، إلى إجراء تحقيق مستقلّ حول العدوان الإسرائيلي ومحاكمة "إسرائيل" على استهدافها المتعمّد للمدنيين في قطاع غزة ومنشآتهم وحرمان السكان الفلسطينيين من احتياجاتهم الإنسانية وتجويعهم وإخضاعهم للحصار والعقاب الجماعي، حيث أكد أن سلطنة عُمان ملتزمة بالحلول السياسية المستندة إلى الحوار وسيادة القانون الدولي وضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف الحرب على غزة وردع "إسرائيل" لانتهاكها القانون الدولي واستمرار عملياتها العسكرية في قتل المدنيين داخل القطاع وهدم المنشآت والمباني والأحياء المدنية في جميع الأراضي الفلسطينية.
ودعا وزير الخارجية الماليزي، زمبري عبد القادر، محكمة العدل الدولية لأن تتحمل مسؤولياتها بتقديم المجرمين للعدالة، وخاصة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أنه إذا لم يتقدم أحد لمحاكمتهم؛ فإنها ستكون سابقة خطيرة تسمح بإطلاق يد المجرمين في كل مكان.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد تعهد بعد العدوان على غزة، بمحاكمة "إسرائيل" على ما اقترفته من جرائم، مؤكداً أن "إسرائيل" ترتكب جريمة حرب ويجب محاسبتها أمام القانون، وسنعمل على محاكمتها بسبب ما اقترفته في غزة، إذ ترتكب جرائم ضد الإنسانية أمام أعين العالم أجمع بدعم غير مشروط من أوروبا وأمريكا.
مؤتمر الجزائر
دعا الرئيس الجزائري خبراء القانون والمنظمات الحقوقية، إلى ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة الجنايات الدولية، بسبب جرائمه ضد الإنسانية في قطاع غزة، من أجل إنهاء عقود من الإفلات من العقاب، إذ قال في كلمة بالمحكمة العليا في العاصمة: أناشد جميع أحرار العالم وخبراء القانون العرب والمنظمات والهيئات الحقوقية إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان ضد الكيان الإسرائيلي.
وأوضح تبون أن هذا هو السبيل الوحيد لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، على اعتبار أن الملاحقة القضائية الدولية الفعالة تبقى الملاذ الوحيد للأشقاء الفلسطينيين لتحقيق العدالة الدولية واستعادة حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وتساءل الرئيس الجزائري “أين هي العدالة في العالم؟.. أين هو حق الشعوب المضطهدة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني؟”، مضيفا “لقد انهارت في فلسطين المحتلة كل المعايير والقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية أمام ما يشاهده العالم يوميا من مجازر وحشية ترتكبها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الشقيق أمام صمت عالمي رهيب”.
ولاقت دعوة الرئيس تبون آذاناً مصغية إذ بدأ قانونيون من عدة دول وممثلو منظمات حقوقية دولية، في التوافد على الجزائر للمشاركة في مؤتمر دولي مقرر يومي 29 و30 نوفمبر تشرين الثاني الجاري تحت شعار “العدالة للشعب الفلسطيني”، يبحث أسس مقاضاة قادة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة الجنايات الدولية ومحاكم دول أخرى على جرائم الحرب المرتكبة في غزة.
تنظيم هذا المؤتمر جاء بمبادرة من النقابة الجزائرية للقضاة بالشراكة مع الاتحاد المحلي للمحامين، إذ ستشرع الجزائر في استقبال الوفود المشاركة في المؤتمر، وسيكون ممثلون عن فلسطين والأردن ولبنان أول من يصل البلاد ويتكون الوفد من قضاة ومحامين وخبراء قانون، في انتظار وصول حقوقيين وخبراء من عدة دول تباعا خلال اليومين القادمين.
ويصل إلى الجزائر وفق مصادر اتحاد المحامين الجزائري المحامي الفرنسي جيل ديفر (وهو محام معتمد لدى الجنائية الدولية)، والذي حشد قبل أيام ما سمي “جيشا” يضم حوالي 500 محامٍ من أنحاء العالم، لتمثيل الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية، ضد الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ارتكبها كيان الاحتلال في غزة، إذ قدم ديفر وفريقه قبل أيام عريضة بتوقيع مئات المحامين، من أجل تضمين جريمة الإبادة الجماعية والهجمات الإسرائيلية على غزة، في التحقيق الفلسطيني الحالي في المحكمة الجنائية الدولية.
وقد قال دوفير إن التعريف الدقيق للإبادة الجماعية تحقق تماما في العدوان العسكري الذي تشنه "إسرائيل" على قطاع غزة، سواء تعلق الأمر بالحصار وانعدام الغذاء ومنع الوقود، أو كان متعلقا بالإبادة عن طريق القصف والتهجير، موضحاً أن هذه المبادرة تأتي من المجتمع المدني، و"بعد أن رأينا ما يحدث، فإننا نفهم أن الأمر لا يتعلق فقط بالعدوان العسكري، إنها ليست مجرد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بل هي إبادة جماعية واقعية بلا خيار نظري أو فلسفي، ونحن نرى أن التعريف الدقيق للإبادة الجماعية متحقق في الاتفاقية الدولية وفي السوابق القضائية والمرجعية ".
وبين إبراهيم طايري رئيس اتحاد المحامين الجزائريين أن المؤتمر سيجري عبر عدة ورشات وأهمها ورشة توثيق الجرائم ضد الفلسطينيين في غزة، وورشة المتابعة أمام محاكم الدول التي اعتمدت مبدأ عالمية العقاب، والتي تسمح بمقاضاة قادة الاحتلال أمام محاكم دول، مشيراً إلى أن المنظمين يعلقون آمالاً كبيرة على هذا المؤتمر الدولي للخروج بأسس قانونية تسمح بمتابعة الكيان الصهيوني أمام المحاكم الدولية، فضلا عن رفع تقارير لمنظمات حقوقية دعيت إليه تبرز حجم جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين.
تأتي هذه الخطوة المهمة من الجزائر تجاه التزامها الثابت بالوقوف عمليا إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين، في أعقاب مواقف مشرفة، اتخذتها في وجه العدوان الإسرائيلي، حيث بادرت كأول دولة عربية إلى الإعلان صراحة أن حركة حماس حركة مقاومة وطنية وليست “حركة إرهابية”، وهو الموقف الذي ساهم بشكل كبير في إفشال مخطط “دعشنة” حماس والمقاومة، وأحبط المساعي الخبيثة لإقامة تحالف دولي ضد المقاومة الفلسطينية، كما كان موقف البرلمان الجزائري متقدما، بوقوفه المطلق وبنسبة تصويت كاملة إلى جانب الشعب الفلسطيني، وإعطاء الرئيس تبون تفويضا كاملا بذلك.