وكانت صحيفة هآرتس كشفت في وقت سابق أن مئات الجنود الإسرائيليين يعيشون حاليا صعوبات نفسية واضطرابات ما بعد الصدمة، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأضافت الصحيفة إن "الحرب على غزة تفرض ثمنا باهظا لا يطاق في الأرواح، والإصابات الجسدية، والاضطرابات النفسية، وخصوصا بين المعوقين من جنود جيش الاحتلال"، وحسب تقارير عبرية، فإن المستشفيات تحقن الجنود المصدومين نفسيا بمواد مخدرة ليتمكنوا من النوم، وحتى اليوم، تم تجنيد ما لا يقل عن 838 ضابط صحة نفسية، معظمهم في الاحتياط، من أجل علاج الجنود والمجندات الذين يصابون باضطرابات نفسية جراء الحرب.
طوفان الأقصى أثبت افتقار المجتمع الصهيوني للعقيدة
الافتقار لعقيدة أصحاب الأرض والإيمان أظهر حقيقة الكيان الصهيوني اللقيط، فقد كشفت دراسة نشرت في مجلّة "ذي لانسيت" الطبية البريطانية بتاريخ 5 كانون الثاني/ يناير أن هجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أحدث صدمة جماعية في أوساط المجتمع الإسرائيلي الذي يعيش أزمة صحة نفسية غير مسبوقة، ويشير التقرير إلى أن كلّ سكان دولة الاحتلال "تعرّضوا بطريقة أو بأخرى لتداعيات هذا الهجوم غير المسبوق من حيث النطاق وهول الصدمة النفسية".
وتطرّقت الدراسة إلى "صدمة نفسية وطنية جسيمة" نظرا لعدد الأعراض التالية للصدمة وحالات الاكتئاب والكرب، ما يؤشّر إلى "أثر ملحوظ" على الصحة النفسية للإسرائيليين، ومنذ اليوم الذي نفّذت فيه حركة حماس هجومها في شوارع جنوب دولة الاحتلال ومنازله، فقد تضاعفت تقريبا الاتصالات التي يتلقّاها خطّ الطوارئ "عران"، حسب ما كشفت شيري دانييلز المسؤولة في هذه المنصة الهاتفية والإلكترونية للإسعافات النفسية.
ولفتت دانييلز إلى وضع الأولاد الذين لا يتركون أهلهم عند حلول الليل أو البالغين الذين يستولي عليهم القلق وينهشهم الندم لعدم قدرتهم على إنقاذ أقربائهم حتى باتوا يعجزون عن التركيز.
وكشف المدير العام لوزارة الصحة موشيه بار سيمان طوف، أن من أصل السكان المقدّر عددهم بـ 9.7 ملايين، تعرّض 100 ألف لحوادث قد تسبّب صدمة نفسية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وقد نزح حوالي 200 ألف شخص، واعتبر وزير الصحة أوريئيل بوسو من جهته أن "إسرائيل" تواجه بكلّ بساطة "أكبر أزمة صحة نفسية في تاريخها"، علما بأن القطاع كان أصلا يعاني من "فجوة ضخمة"، وما زال التقييم الفعلي للحاجات النفسية سابقا لأوانه اليوم، فالأخيرة لا تتجلّى سوى بعد التعرّض للعامل المحرّك ولا تؤخذ في الحسبان إلا إذا استمرّت أكثر من شهر، حسب ما أوضحت العالمة النفسية ميلكا أدرعي من جمعية "وان فاميلي" التي تقدّم العون لضحايا الهجمات في الكيان.
لكنّ التعرّض للحدث ما زال مستمرّا، إذ تضمّ كل عائلة إسرائيلية تقريبا جنديا بين أفرادها، من العسكريين الدائمين أو الاحتياطيين الذين يشاركون في العمليات في غزة، وقد لقي 224 منهم حتفه في المعارك، وحسب تقييم أولي أجرته مجموعة بحثية بالتعاون مع الجامعة العبرية في القدس، وجامعة كولومبيا، قد يصاب ما بين 60 و80 ألف شخص بأعراض تخلف عقلي خطي ومستديم، بسبب الصدمة من الهجوم المفاجئ والحرب، كما سيصاب ما يصل إلى 550 ألف شخص بأمراض وأزمات نفسية متفاوتة، وذلك وفقا للمجلس الوطني الإسرائيلي للصدمات، وتقرير "ماكينزي" الصادر عنه، ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، عن الدكتور لوريا قوله "لا توجد بيانات ودراسات حول كيفية التعامل مع مثل هذه التداعيات النفسية والعقلية، نتحدث عن حدث فريد من نوعه في نطاقه وخصائصه، وهو هجوم ضخم، هذه حالة طوارئ نفسية مستمرة وتقول الأخصائية النفسية، في حديثها لموقع "زمان يسرائيل" الإلكتروني، "يخرج الناس من الملاجئ متفككين وفي حالة صدمة، يجلسون في زاوية الفندق ويظلون صامتين"، مضيفة "نعمل على مدار الساعة مع الموظفين والمتطوعين في الخط الساخن للإسعافات الأولية النفسية".
نظام الصحة النفسية في أزمة
وفي ظل اتساع الصدمة بين الإسرائيليين، تحدث المدير العام لوزارة الصحة في كيان الاحتلال الإسرائيلي "موشيه بار سيمان – طوف" ، عن خطة لتوسيع نظام الصحة النفسية بتكلفة ملياري شيكل (550 مليون دولار)، في إقرار لعدم جهوزيته لأي حالة طوارئ.
فيما يُستدل من البيانات على وجود زيادة بنسبة 50% في تشخيص اضطرابات القلق، وزيادة بنسبة 45% في تشخيص ما بعد الصدمة، كما تم رصد زيادة بنسبة 7% في استخدام الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب، وزيادة بنسبة 8.4% في استخدام أدوية النوم، كما شهدت الأشهر الأخيرة زيادة كبيرة في عدد الإحالات إلى خدمات الصحة العقلية والنفسية، وأبلغت المديرة المهنية لخط دعم الإسعافات الأولية النفسية "عيران"، الدكتورة شيري دانيلس، عن حدوث قفزة في عدد الإحالات لتلقي العلاجات النفسية، وكانت هناك زيادة في عدد الطلبات المقدمة من الرجال، بما في ذلك الجنود النظاميون وقوات الاحتياط، حيث اتضح أن 45% من الطلبات كانت من الرجال، مقارنة بالربع الثالث من العام قبل الحرب، وفقا للدكتورة دانيلس.
وكانت صحيفة هآرتس قد تحدثت عن انهيار منظومة الصحة النفسية في "إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقالت الصحيفة إن العشرات من الأطباء النفسيين الذين يعملون في منظومة الصحة العامة غادروا مؤخرا إلى بريطانيا، حسب مصادر في المجال، وأضافت إن موجة المغادرة تأتي في وقت يتزايد فيه الطلب على المساعدة في مجال الصحة النفسية في البلاد في ظل الحرب، والآن يواجه نظام الصحة النفسية مشكلة حقيقية، ونقلت عن أحد كبار مديري منظومة الصحة النفسية، الذي تحدث مع أحد الأطباء المغادرين، قوله "لن يتمتعوا في بريطانيا بالضرورة براتب أعلى، لكن ما يدفعهم إلى المغادرة هو الإحباط الناجم عن عبء العمل الثقيل، والشعور بأنهم يجدون صعوبة في رؤية كيف سيتحسن الوضع في المستقبل".
تقول الأخصائية النفسية الدكتورة هداس شهرباني صيدون "أعمل لمدة 20 ساعة يوميا منذ بدء الحرب، معظمها تطوعية"، وتتنقل الدكتورة صيدون وآلاف من الأطباء النفسيين بين المستشفيات والفنادق، ويقدمون الإسعافات النفسية الأولية للناجين من المعارك والهجوم المفاجئ، ولأهالي القتلى والمحتجزين والجرحى، والنازحين من منازلهم بسبب القصف وصدمات المعارك.
وتقول الدكتورة صيدون "يستقبل الخط الساخن للإسعاف النفسي أكثر من 3 آلاف مكالمة يوميا، مقارنة بـ 700 – 800 مكالمة في اليوم العادي، وحوالي 1500 مكالمة يوميا خلال جائحة كورونا".
مطالبات بإعلان حالة الطوارىء
واستباقا لاتساع ظاهرة الانتحار بصفوف المستوطنين، وفي ظل الارتفاع غير المسبوق بالإصابة بإضرابات نفسية ما بعد الصدمة، والإحالات لتلقي العلاج النفسي، وحالة شبه الانهيار التي توجد بها منظومة الصحة النفسية بالبلاد، طالب منتدى مديري مراكز الصحة النفسية، إعلان حالة طوارئ في مجال الصحة النفسية في كيان الاحتلال الاسرائيلي، وأتى هذا الطلب للمنتدى في رسالة رسمية بعثت إلى مراقب الدولة الإسرائيلي متنياهو أنغلمان، وجاء في الرسالة "إننا نشهد ارتفاعا بمعدلات الإصابة بالأمراض العقلية، وحالات الانتحار، والعلاج في أقسام الطوارئ في المستشفيات في ظروف مزرية وغير إنسانية، هذا الوضع يعكس العجز التام من جانبنا".
وأضاف مديرو مراكز الصحة النفسية في الرسالة "نحن غير قادرين على تقديم العلاجات والاستجابة المناسبة للاحتياجات والحالات العاجلة وتشخيص الكم الهائل من التوجهات اليومية وليس بمقدورنا أن نفعل شيئا، نطالبك باستخدام صلاحياتك من أجل إنقاذ الصحة العقلية لمواطني الكيان"، ورجحوا أن هناك مئات الآلاف لم يتم تشخيصهم بعد، بسبب عدم قدرة نظام الصحة النفسية على تقديم الخدمات لهذا الكم الهائل من الأشخاص، مؤكدين أن للقتال والحرب عواقب وتداعيات محتملة في مجال الصحة العقلية، وأشار أعضاء المنتدى في رسالتهم إلى أن القتال والتوغل البري في قطاع غزة يمكن أن يكون له أيضا تأثير في مجال الصحة العقلية "نتيجة للقتال في قطاع غزة، نحن نشهد بالفعل زيادة بنسبة عشرة بالمئة في الطلب على خدمات الصحة النفسية حتى بصفوف الجنود، النتائج صعبة ومثيرة للقلق، نشهد مستوى عاليا من الاعتلال النفسي، وحالات الانتحار".
وفي ظل الحاجات المتفاقمة والنقص الفادح في الاختصاصيين، أعلنت الحكومة الإسرائيلية حملة للتوظيف وقررت في منتصف يناير/كانون الثاني منح موارد إضافية لقطاع الصحة النفسية بقيمة 1.4 مليار شيكل (أكثر من 350 مليون يورو).
مفارقة
في القطاع، عائلات بأكملها مسحت من السجلات المدنية للأحياء، وجاء في تقارير إعلامية أن 55 عائلة أبيدت تماماً من سجلات الأحياء في غزة، وأن 123 عائلة أبيد معظم أفرادها، وهي حالة جعلت كثيراً من المعلقين يقولون إن "إسرائيل" تقوم بـ«إبادة جماعية» في غزة، ومع كل هذه المأساة التي صدمت العالم كله تُظهر غزة صموداً غير معهود، بالنظر إلى الفارق الكبير في موازين القوى بين مقاومي غزة وجيش العدو الاسرائيلي، وبالعودة إلى عدد لا يحصى من عمليات القصف والصواريخ واستخدام الكيان الغاصب لشتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، يمكن القول إن ما يسمع من عبارات إيمانية يثير الكثير من التساؤلات عن الصمود الأسطوري لأهالي فلسطين وعن طبيعة العقيدة التي يتحلى بها هؤلاء المدنيون، ومن ثم المقاتلون الذين يواجهون واحداً من أقوى جيوش العالم، حسب التصنيفات الدولية للجيوش العالمية، ما هي القوة التي تمتلكها طفلة يتم إخراجها مضرجة بدمائها من تحت الركام، وهي ترفع سبابتها الصغيرة، مرددة: «أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله»؟! ناشطة من الولايات المتحدة تقول إن «ما يجري في غزة يهز إيماننا بكل شيء، حتى بالله، لكن أهالي غزة يظهرون أكثر تمسكاً بإيمانهم ودينهم وعقيدتهم» ثم تتساءل في استغراب «إنهم يشكرون الله على ما حل بهم»؟
ومن المهم الإشارة إلى أن إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية تتحدث عن استشهاد طفل كل عشر دقائق كمعدل؛ بسبب القصف "الإسرائيلي"، ما يعني أن عدّاد الوقت في غزة لا يحسب بالساعات والدقائق وإنما بالأرواح والدماء.