وفيما يتعلق بقطاع غزة أكدت مصر مرارا رفضها إعادة احتلال الكيان الإسرائيلي للقطاع أو حتى تقليص مساحته، إذ ترى القاهرة بشكل مبدئي أن الشعب الفلسطيني هو الوحيد المعنى بتحديد شكل مستقبل القضية الفلسطينية والوضع في غزة.
وقد وقفت مصر بمستوييها الرسمي والشعبي ضد العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة، وأكدت أنها ضد تهجير الفلسطينيين، معتبرة تهجيرهم خطاً أحمر لن تسمح لكيان الاحتلال بتجاوزه.
ووفقا لوسائل إعلام صهيونية فقد أجرى كيان الاحتلال خلال الأيام الأخيرة نقاشات مع مصر، بشكل أساسي مع المستويات العاملة حول قضية اليوم التالي للحرب مع غزة، فالكيان يرى في مصر الجهة الأهم في اليوم التالي، لأنها بوابة الدخول والخروج الوحيدة إلى غزة، وأيضا هي جهة مؤثرة ومهمة في العالم العربي.
وتطبيقًا للاتفاقيات المبرمة بين مصر وكيان الاحتلال، يتبادل الجيش الإسرائيلي والقوات المصرية معلومات وتقارير مستمرة بشأن الوضع في المنطقة، ويعملان بالتنسيق المشترك للحفاظ على الاستقرار والأمن على الحدود بين البلدين.
وقد أثيرت مؤخرا مسألة احتلال الكيان الإسرائيلي محور فيلادلفيا الذي يشكل شريطا عازلا بين مصر والقطاع، ويبلغ طوله نحو 14 كيلومترا، وعرضه بضع مئات من الأمتار، إذ أنشئ عليه معبر رفح البري، ويفصل بين الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ويمثل منطقة استراتيجية أمنية خاضعة لاتفاقية ثنائية مصرية إسرائيلية.
المخاوف المصرية
وسائل إعلام تابعة لكيان الاحتلال كشفت مؤخرا عن خطة جديدة يدرسها الكيان لنقل معبر رفح إلى المثلث الحدودي في منطقة كرم أبو سالم على الحدود المصرية الإسرائيلية، بدلا منه على حدود غزة، إذ أشارت قناة i24NEWS إلى أن تل أبيب والولايات المتحدة ومصر تجري مناقشات حول نقل معبر رفح في مثلث الحدود ليصبح معبر كرم أبو سالم المعبر البديل، وقد ذكرت القناة 13 أن ذلك يسمح بإجراء فحوصات أمنية إسرائيلية، بشكل يسمح لـ"إسرائيل" بالتأكد من عدم حصول تهريب في محور فيلادلفيا.
وسائل الإعلام العبرية أشارت إلى أن "إسرائيل" طرحت الموضوع أمام المصريين ولم يردوا بجواب إيجابي حتى الآن، وأمام الولايات المتحدة التي ردت بصورة إيجابية على الاقتراح، لكن المحادثات بين "إسرائيل" ومصر حول محور فيلادلفيا متواصلة.
وقد كشفت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية أن مسؤولين عسكريين إسرائيليين أثاروا أمام مصر إمكانية التدخل العسكري لمدينة رفح الفلسطينية المتاخمة للحدود مع مصر، مشيرة إلى أن عملية غزو رفح ستتم بعد انتهاء العملية العسكرية في منطقة خان يونس.
ويتجمع حاليا في منطقة رفح حوالي 1.4 مليون من سكان قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة، وتخشى مصر من أن تؤدي عملية إسرائيلية في المدينة إلى هروب جماعي إلى سيناء وخصوصا أن "إسرائيل" لم تبقِ لهم خيارًا آخر في ظل حظرها الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم في شمال قطاع غزة.
صحيفة "يسرائيل هايوم" التابعة لكيان الاحتلال أشارت إلى أن قلق المصريين ناتج عن المشهد في قطاع غزة والذي ينبئ بتدفق غير مسبوق للغزيين اللاجئين إلى سيناء هربا من المعارك في رفح، ولا سيما أن "إسرائيل" تصر على معركة تطهير واسعة تؤدي إلى القضاء على أكبر قدر من الفصائل الفلسطينية والسيطرة على منفذ التهريب الرئيسي في إشارة إلى فيلادلفيا.
التهديد المصري
صحيفة "يسرائيل هايوم" الإسرائيلية ذكرت أن "التهديد المصري لتل أبيب بلغ تعليق اتفاقية السلام بحال أصرت إسرائيل على موقفها في احتلال محور فيلادلفيا المحاذي للحدود المصرية"، مشيرة إلى أن السلطات المصرية تصر على التأكيد على موقفها الرافض للمس بمحور صلاح الدين الماثل تحت سيطرتها وفق اتفاقيات كامب ديفيد التاريخية فضلا عن الموقف المصري الرسمي من نزوح سكان غزة إلى سيناء بوصفه خطا أحمر لا يمكن تجاوزه.
وبينت الصحيفة أن الأمر يمثل معضلة بالنسبة لـ"إسرائيل"، إذ إن هناك لواء عسكريا تابعا لحماس يتألف من أربع كتائب يعمل في رفح، يستوجب تدميره تماشيا مع خطة تدمير القدرة العسكرية للحركة في قطاع غزة، كما أن الاستيلاء على محور فيلادلفيا ضروري أيضًا، لقطع محور التهريب النشط بين سيناء وقطاع غزة.
ويدرس جيش الاحتلال السماح لـ 1.4 مليون من سكان غزة الذين نزحوا إلى الجنوب بالاستقرار في الشمال حتى يتمكن من تركيز عملياته في مدينة رفح، على الحدود مع مصر، وفق وسائل إعلام تابعة للكيان، إذ إن الحلول المطروحة بعضها يشير إلى بقاء "إسرائيل" بشكل دائم في المكان أو بناء حاجز تحت الأرض مماثل للحاجز الذي أقيم على الحدود بين "إسرائيل" وغزة، أو نشر قوة متعددة الجنسيات على الحدود.
الموقف المصري واضح وحازم وصريح تجاه أي محاولات لتحرك إسرائيلي باتجاه إعادة احتلال محور فيلادلفيا، وسيؤدي ذلك حال أقدم عليه كيان الاحتلال إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية الإسرائيلية، لأنه يعد خطا أحمر يضاف إلى الخط المعلن سابقًا بخصوص تهجير الفلسطينيين من غزة.
رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان أكد إمعان "إسرائيل" في تسويق هذه الأكاذيب كمحاولة منها لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر فيلادلفيا أو ممر صلاح الدين، في قطاع غزة على طول الحدود مع مصر، وذلك بالمخالفة للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بينها وبين مصر.
وأضاف رشوان إن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية الإسرائيلية، فمصر فضلا عن أنها دولة تحترم التزاماتها الدولية، فهي قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار، وينضم هذا الخط المصري الأحمر إلى سابقه والذي أعلنته مصر مرارا، وهو الرفض القاطع لتهجير أشقائنا الفلسطينيين قسرا أو طوعا إلى سيناء، وهو ما لن تسمح لـ"إسرائيل" بتخطيه.
تعمل مصر على الحفاظ على الوضع الأمني في المنطقة الحدودية مع فلسطين، وتحاول عدم تغيير الوضع على الأرض كي لا تتغير معطيات الاستقرار، وسط رفضها المطلق لتهجير الفلسطينيين إلى غزة، فالقضية الفلسطينية شديدة الحساسية بالنسبة للجانب المصري، لذا كان موقف القاهرة حاسما، ووصل إلى التلويح باستهداف استقرار العلاقة بين مصر والكيان الصهيوني والتي تضبطها اتفاقيات بين الجانبين.