وقد أبلغت الولايات المتحدة "إسرائيل" بأن التطبيع مرتقب خلال الشهرين القادمين، وبأن سبب هذا الإعلان يعود إلى رغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الحصول على ضمانات أمنية مماثلة لتلك المقدمة من حلف شمال الأطلسي، والتي تتضمن توفير حزمة دفاعية لضمان أمن السعودية، وقد نقلت عن ثلاثة مصادر مطلعة أن السعودية تعتبر الالتزام السياسي من "إسرائيل" بإقامة دولة فلسطينية كافيًا، شريطة أن تقدم واشنطن الموافقة على الحزمة الدفاعية المطلوبة للكيان، مع ضرورة التأكيد على عدم وجود حل أكثر إلزامية من ذلك، في ظل الحرب الهمجية التي يشنها كيان الاحتلال الإسرائيلي على غزة.
تطبيع مشروط مع السعودية
فيما يتعلق بالمناقشات حول تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، أبلغ السعوديون نظراءهم الأمريكيين بأن الرياض لن تقوم بهذه الخطوة ما لم تتخذ "إسرائيل" خطوات ملموسة نحو إقامة دولة فلسطينية، كما أن التطبيع مع "إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر سيكلف ثمنًا باهظًا، فيما تبذل الولايات المتحدة والسعودية جهودًا لإنهاء المواجهات الحالية والتوصل إلى تسوية تضمن تشكيل دولة فلسطينية، وإن تحقيق اتفاق إقليمي بمثل هذا الحجم ما زال يواجه عقبات سياسية ودبلوماسية كبيرة، ومن بينها الشكوك المستمرة بشأن تطورات الأوضاع في غزة، حيث تتزايد الضغوط لإنهاء النزاع والالتزام بتحقيق "أفق سياسي" يؤدي إلى تأسيس دولة فلسطينية.
وفي حال حدوث ذلك، فإن الرياض ستوافق على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" وستقدم المساعدات المالية لإعادة إعمار غزة، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعارض تشكيل دولة فلسطينية ويمضي معظم وقته في الساحة السياسية، لا يتفق مع أي خطة مقترحة من الولايات المتحدة والدول العربية في هذا الصدد، وفي الشهر الماضي، أفادت صحيفة معاريف في تقرير لها بأن مسؤولاً رفيع المستوى في البيت الأبيض قد اقترح خطة لإعادة إعمار غزة ضمن إطار خطة تسوية شاملة تشمل "إسرائيل" والسعودية، حيث تشمل هذه الخطة دورًا للسعودية أيضًا، وعلى الرغم من أنه تم تقديمه من قبل مسؤول أمريكي رفيع المستوى، إلا أن بعض المسؤولين الأمريكيين يعبرون عن قلقهم من أن هذه الخطة قد تزرع بذور عدم الاستقرار في المنطقة خلال الفترة المقبلة.
وتتضمن هذه الخطة مسألة التسوية بين "إسرائيل" والسعودية، وربما عدد قليل من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، كحافز للضغط على المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين للموافقة على الخطة ودعمها، ومن بين الشروط المطروحة هو الموافقة على تشكيل حكومة شاملة جديدة تضم غزة والضفة الغربية وتجنب الانتقادات ضد "إسرائيل"، بينما يتعين على تل أبيب أن تلتزم بالتأثير المحدود في قطاع غزة، وذلك فقط في سياق الحاجات الأمنية، ويربط البعض بين إعادة إعمار قطاع غزة واستئناف عملية التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، والتي توقفت في 7 أكتوبر، وستكون الخطة حافزًا لعمليات إعادة الإعمار في القطاع، والتي ستشمل مشاركة السعودية ودول خليجية أخرى، ومع ذلك، إن هذه الخطوة قد تؤدي إلى عدم استقرار في المنطقة، في ظل الجرائم التي وصفت بـ "الإبادية" لجيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
ووفقًا للخطة، يعتزم الرئيس بايدن زيارة المنطقة في الأشهر القادمة في إطار "جولة نصر" لاحتضان اتفاق التطبيع بين "إسرائيل" والسعودية كرد على مأساة غزة وجرائم الكيان، وستُعَدُّ الخطة حافزًا من السعودية لدعم عمليات إعادة الإعمار في قطاع غزة، وقد تشمل هذه المساعدة دولًا أخرى غنية في الخليج، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، بهدف فرض ضغط على الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن المتوقع أن يتفق الزعماء الفلسطينيون على تشكيل حكومة جديدة، سواء في القطاع أو الضفة الغربية، ما يقلل من الانتقادات تجاه "إسرائيل"، بينما توافق "إسرائيل" على منح السلطة نفوذًا محدودًا في القطاع.
ويُذكر أن الحرب بين حماس و"إسرائيل" بدأت منذ يوم السبت 14 تشرين الأول/أكتوبر، حيث تستمر الهجمات الإسرائيلية على غزة، ويقدر مكتب المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن مئات الآلاف من سكان غزة اضطروا إلى الفرار من منازلهم، وشهد العالم عشرات آلاف الضحايا والجرحى من الأبرياء، وقامت "إسرائيل" بقطع إمدادات الكهرباء والمياه عن غزة، وأغلقت طريق تزويدها بالوقود، ويظل قطاع غزة الذي يسكنه نحو مليوني نسمة يعاني من حصار كامل.
عوائق كثيرة
قبل أسابيع، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الرياض، وأعلنت السعودية بوضوح أنها ستوقف محادثات تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وأكدت وسائل الإعلام السعودية حينها أن المملكة ليست على عجلة في أمرها في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" بمبادرة أمريكية خاصة في ظل الإجرام الإسرائيلي المفرط بحق الفلسطينيين، ويأتي هذا الموقف السعودي نتيجة للجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وكانت البيانات السابقة تشير إلى اقتراب اتفاق التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، إلا أن هناك تأكيدًا على أن جرائم العدو في غزة وعوائق سياسية وأمنية ودبلوماسية لا تزال تعترض هذه الخطوة التاريخية في منطقة الشرق الأوسط.
وقد أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" قبل بدء حرب الكيان على غزة أن المحادثات تتقدم يوماً بعد يوم نحو تحقيق نتائج قد تعيد ترتيب الأوضاع في المنطقة، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية أصبحتا على أعتاب "سلام تاريخي"، ومنذ فترة، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يتطلع إلى التوصل إلى اتفاق قبل انتخابات الرئاسة القادمة، ووفقًا لمسؤولين مطلعين على المحادثات، كانت هناك هيكلية أساسية تمهيدًا للتقدم في الاتجاه المنشود، وأكد جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، أنه تم التوصل إلى إطار أساسي يمكن أن يكون أساسًا لاتفاق مستقبلي، لكن لم يقدم تفاصيل إضافية حول هذه الهيكلية أو الاتفاق المحتمل.
وقد استمرت التصريحات التحفيزية من البيت الأبيض لفترة طويلة، حيث تحدثت عن تقدم يتم تحقيقه في عمليات التفاوض بين الكيان والمملكة العربية السعودية، وعن جهود مستمرة لتطوير إطار أساسي لأي اتفاق مستقبلي بين الطرفين، وكانت هناك معلومات تشير إلى أن السعودية تسعى إلى التوصل إلى اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة يلزمها بالدفاع عن المملكة، وفي المقابل، تنوي السعودية النظر في تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وحتى قبل الهجوم الإرهابي الإسرائيلي على غزة، لم تعلن السعودية شروطًا رسمية ومفصلة للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتاريخيًا، ألقت السعودية باللوم على الكيان الإسرائيلي لعدم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم تحقيق حقوق الفلسطينيين، وأكدت على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل بين الجانبين قبل أي تطبيع، ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى وجود بعض التغيرات في الموقف السعودي في السنوات الأخيرة.
ومن المحتمل أن تزداد شروط الرياض بعد حرب الكيان على غزة، وتشمل شروط السعودية المحتملة ضرورة إنشاء دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، مع القدس الشرقية كعاصمة لها، وقد يكون السلام العادل والشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو شرط رئيسي للتطبيع، كما يمكن أن تشمل الشروط المحتملة مساعدة دولية لإعمار قطاع غزة وتحسين وضع اللاجئين الفلسطينيين، ويجب مراقبة المستجدات والإعلانات الرسمية من السعودية و"إسرائيل" لمعرفة الشروط النهائية لأي اتفاق تطبيع محتمل بينهما، وتصر السعودية على ضرورة التوصل إلى حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، وتشدد على ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
في الختام، لا شك أن ثمن التطبيع غال للغاية وخاصة بعد المجازر الإسرائيلية منذ أشهر، وقد تطلب السعودية تقدمًا في العلاقات مع دول عربية أخرى وتعزيز التعاون الإقليمي قبل الاعتراف الكامل بكيان الاحتلال، وتحتاج السعودية أيضًا إلى توفير ضمانات أمنية للأطراف المعنية وتعزيز العلاقات مع دول عربية أخرى كجزء من عملية التطبيع، وتظهر التصريحات والتوترات المتباينة في المشهد السياسي تحديات كبيرة في التوصل إلى اتفاق بعد الحرب الوحشية على غزة، وقد تؤثر الأحداث الإرهابية الحالية للكيان في غزة على مرونة الجهود للتوصل إلى اتفاق، وفي السياسة لا شيء مستحيلاً.