حماس باقية في غزة
لا شك أن الحديث عن خروج حماس من قطاع غزة ليس في محله ولا ينسجم مع العقل، فحماس تريد الوحدة بين الضفة الغربية وغزة، والمشكلة هنا هي الكيان الصهيوني، وهذا ما أكد عليه القيادي الفلسطيني في رده على خطة الحكومة البريطانية المكونة من خمس نقاط لإنهاء حرب غزة، وإن حماس ترحب بالحوار مع كل الفصائل الفلسطينية، وخاصة حركة فتح، وقد أعلنت الحكومة البريطانية أنها تدرس خطة لإنهاء الحرب في غزة، ووفقا لهذه الخطة، يجب على حركة حماس أن تغادر قطاع غزة والضفة الغربية، ويجب أن تحكم قطاع غزة والقدس الشرقية من قبل حكومة تكنوقراط.
ومؤخرا، قدم الجيش الإسرائيلي معلومات مثيرة للقلق للقيادة السياسية، تظهر أن ممثلي البلديات، وهي في معظمها تابعة أو قريبة من حماس، يعملون تدريجيا على استعادة الخدمات إلى مدن الشمال ووسط قطاع غزة، وقالت بعض المصادر السياسية إن حماس بدأت في إعادة بناء قدراتها في الإدارة الحضرية رغم التصريحات الإسرائيلية المتناقضة حول خططها لليوم التالي لانتهاء الحرب، وهؤلاء الأشخاص ليسوا مسلحين، لكنهم بأي حال من الأحوال الجزء المدني من حكومة حماس، وقد بدؤوا بالفعل في خدمة سكان غزة.
وقالت بعض المصادر الإسرائيلية: "لقد وصلنا إلى وضع لم يؤد فيه عدم وجود قرار سياسي بشأن من سيحكم غزة في نهاية الحرب إلى تأخير المكاسب العسكرية فحسب، بل أضر أيضًا بعملية الحرب"، وتم التأكيد على أن هؤلاء الـ 200 ألف شخص الذين بقوا في شمال قطاع غزة، لا يعرفون شيئًا سوى حماس، اليوم حماس المدنية موجودة في هذه المرحلة، لكن تل أبيب لا تريد شيئًا كهذا، وقد نشر موقع "واينت" وصحيفة "يديعوت أحرانوت" الأسبوع الماضي رسالة انتقادية وقعها نحو 130 قائدا وضابطا أمنيا، أكدوا فيها على الإنجازات الميدانية للجيش، ولم يتم تضمين تل أبيب أبدا في استراتيجية محددة.
وفي الآونة الأخيرة، يتساءل الضباط الإسرائيليون بالقول: "رأينا أن مهمة عدد كبير من الألوية التحذيرية قد اكتملت، والآن السؤال الذي يطرح نفسه هل أكملنا المهمة التي حشدنا من أجلها، كيف حققنا ذلك، دعونا نضعها على هذا النحو؟ ولكن لسوء الحظ، علينا أن نجيب بأن كلا من الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية فشلا في تحويل هذا الإنجاز الذي تم تحقيقه بشق الأنفس من تكتيك إلى نصر هادف واستراتيجي"، وخاصة أن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين يشعرون بقلق شديد من تجدد سيطرة حركة حماس على غزة بالكامل، ويتحدثون عن عدم قدرتهم على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة المرحلة القادمة من النزاع، ما قد يدفع حماس لاستعادة السيطرة على القطاع، وفقًا للمعلومات التي حصل عليها الجيش الإسرائيلي، يبدو أن حماس استأنفت تقديم الخدمات للفلسطينيين في المناطق التي انخفض فيها وجود الجيش.
مرحلة استعادة السيطرة
في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية مباغتة تُعرف باسم "طوفان الأقصى" من غزة، ضد مواقع النظام الإسرائيلي، واستمرت هذه العملية لمدة 45 يومًا حتى 3 ديسمبر/كانون الأول 2023، تلا ذلك هدنة لمدة 7 أيام، ثم استأنف النظام الإسرائيلي هجماته على غزة في 10 ديسمبر 2023، ردًا على هذه الهجمات، قام النظام بإغلاق جميع معابر قطاع غزة وقصف المنطقة بشتى الأسلحة، دون تحقيق أهدافه، في ظل الملاحقة الدولية لأفعاله الإرهابية.
وفي سياق متصل، أعلن قائد الكتيبة 7107 في جيش الاحتلال الإسرائيلي سحب وحدته من قطاع غزة بعد مرور أشهر على مشاركتها في القتال هناك، تأتي هذه الخطوة في إطار سلسلة من عمليات الانسحاب التي نفذها الجيش، حيث تركزت القوات في منطقة خان يونس جنوب القطاع، وتشير التقارير الإعلامية الإسرائيلية إلى خطط الجيش لتقليل قواته في شمال القطاع، وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن نهاية العمليات العسكرية الكبرى في هذه المنطقة قبل نحو أسبوعين، وتشير معلومات جيش الاحتلال إلى عودة حركة حماس لتقديم الخدمات في المناطق التي شهدت تقليصًا في حضور القوات الإسرائيلية، ونقلت الهيئة العبرية عن مسؤولين أمنيين تأكيدهم أن "فشل اتخاذ إجراءات لليوم التالي يساهم في عودة حماس للسيطرة في غزة"، حيث يُركز جيش الاحتلال حاليًا جهوده في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة، ونشر 7 إلى 8 ألوية لمواجهة معارك شرسة مع المقاومة الفلسطينية.
وفي منتصف الشهر الجاري، تم سحب الفرقة 36، وهي إحدى الفرق العسكرية الأربع التي شاركت في الحرب على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقبل ذلك، في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تم سحب الكتيبة 13 في لواء غولاني بعد تكبدها خسائر كبيرة في المعارك مع المقاومة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وقد أعربت "إسرائيل" عن قلقها إزاء محاولات حركة "حماس" استعادة سيطرتها على شمال قطاع غزة، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي استكمال عملياته البرية في المنطقة والتحول إلى مرحلة جديدة، ويتواصل انتباه الجهاز الأمني الإسرائيلي بشأن محاولات حماس استعادة السيطرة المدنية في شمال قطاع غزة، حيث تعترف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بمحاولات حماس استعادة سيطرتها على المنطقة وإعادة السلطة الشرطية المحلية لها بعد انتهاء المناورات البرية شمال قطاع غزة.
وتنفذ القوات الإسرائيلية توغلات جديدة في عدة محاور بمحافظتي غزة والشمال، وذلك في ظل اشتباكات مع فصائل المقاومة الفلسطينية، بعد ساعات من إعلان وزير الدفاع يوآف غالانت نهاية "العملية البرية المكثفة في الشمال"، وأشار غالانت إلى تطورات المرحلة البرية للحرب التي بدأت في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، معلنًا أن "المرحلة في المنطقة الشمالية من قطاع غزة ستنتهي، وسيتم التقدم بنجاح في جنوب غزة وستنتهي هناك قريبًا"، ولم يكشف غالانت عما إذا كانت العملية البرية في شمال القطاع قد حققت أهدافها، بما في ذلك القضاء على حركة "حماس"، وعلى الرغم من ذلك، أشارت إذاعة جيش العدو إلى أن "جميع شاحنات المساعدات الإنسانية التي تصل شمال قطاع غزة تصل إلى أيدي حماس بالفعل"، مشيرةً إلى أن "حماس تسعى لاستعادة السيطرة على المنطقة في ظل الفراغ الحاصل هناك".
والقلق الرئيسي في الجهاز الأمني هو احتمال نجاح حماس في استعادة قدراتها العسكرية في المنطقة، فالأحداث الأخيرة في شمال قطاع غزة أثارت اهتمامًا كبيرًا، في الوقت الذي يبدي كثيرون شكوكهم في قدرة الجيش الإسرائيلي على القضاء على حركة "حماس"، يشير الوضع الراهن لحركة "حماس" في غزة واستمرارها إلى أنه "لا بديل" لحكمها في القطاع، ونحن بعيدون جدًا عن انهيار حماس، إذا كان هناك من يعتقد أن هناك بديلًا لحكم حماس في قطاع غزة، وهي لا تزال قوية، فإن ذلك ببساطة لن يحدث، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربًا مدمرة على غزة، ما أسفر حتى الآن عن استشهاد أكثر من 25 ألف شخصًا وإصابة نحو 75 ألفًا، ونزوح أكثر من 85٪ من سكان القطاع (نحو 1،9 مليون شخص)، وفقًا للسلطات الفلسطينية والأمم المتحدة.
و"إسرائيل" كانت قد حددت 3 أهداف للحرب في غزة، وهي إسقاط حكم "حماس"، والقضاء على قدراتها العسكرية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة، ولكن حتى الآن، لم تعلن تحقيق أي من هذه الأهداف، ويزداد القلق في الكيان مع جهود بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الفاشلة، ويعاني المستوطنون من فقدانات يومية في صفوف الجيش الإسرائيلي، ما يؤثر بشكل جذري على حياتهم اليومية.
وبالتالي، فشلت "إسرائيل" في حربها على غزة، ما قد يؤدي إلى فقدان الدعم الدولي نتيجة لارتفاع عدد الضحايا والانتقادات المتزايدة، وهذا يضع نتنياهو في ورطة وإدارة بايدن أمام تحديات كبيرة، مع مواجهة العواقب المتوقعة لتوسع الحرب واستمرار التكلفة المالية وفقدان الدعم الدولي، ومن المهم أيضًا أن نلاحظ الدعم المتزايد داخل "إسرائيل" لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المحتجزين، وهذا يشير إلى اتجاه نحو حل سلمي للأزمة، وتظهر المعلومات أيضًا تغيّرًا محتملا في الحكومة الإسرائيلية ومحاولات لعزل نتنياهو، ما يعكس التوترات الداخلية المتزايدة، وفيما تواجه "إسرائيل" تحديات كبيرة بسبب فشلها في الحرب على غزة، فإنها لن تستطيع تفادي تصعيد الوضع وزيادة التكاليف البشرية والاقتصادية والسياسية، وخاصة مع تمسك رئيس الوزراء بتحقيق المستحيل.