ترأست فرنسا مجلس الأمن للشهر الحالي، وقد قررت عقد اجتماع مجلس الأمن في 23 يناير الجاري على مستوى رفيع، إذ ترأسه وزير خارجيتها، وحضره 18 وزير خارجية ومسؤولون رفيعو المستوى من الدول الأعضاء في مجلس الأمن وخارجه.
إن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، محيط بحقيقة الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، وقد تحدث عن ذلك وعن ضرورة وقف الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة، في مناسبات عديدة.
وطالب غوتيريش في هذا الاجتماع بوقف إطلاق نار إنساني لتمكين المنظمات الإنسانية من إيصال المساعدات لجميع أنحاء القطاع، وبالإفراج الفوري ودون شروط عن كل الرهائن، مشيراً إلى أنه "بعد أكثر من 100 يوم من القتال لقد قُتل، أكثر من 25 ألف شخص، وجرح أكثر من 60 ألفا معظمهم من النساء والأطفال في العمليات التي تشنها القوات الإسرائيلية، وأن الهجوم العسكري على خان يونس قد تكثف في الأيام الأخيرة وسقط الكثير من الضحايا".
وأكد غوتيريش تعرض جميع سكان غزة إلى الدمار على نطاق واسع وبسرعة كبيرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث، إذ قال: “لا شيء يمكن أن يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، إن الوضع الإنساني في غزة مروع، ومع اقتراب فصل الشتاء، يواجه 2.3 مليون فلسطيني في غزة ظروفاً غير إنسانية، الناس في غزة يكافحون من أجل اجتياز يوم آخر دون مأوى أو تدفئة وانهيار المرافق الصحية ونقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب، الجميع في غزة يعانون من الجوع، أكثر من مليون شخص يصارعون مع مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي وفي الوقت نفسه، هناك ما يقرب من مليون ونصف المليون شخص محشورون الآن داخل محافظة رفح”.
وتابع غوتيريش: ”ينتشر الآن المرض في قطاع غزة بسبب انهيار النظام الصحي، لم يبق إلا 16 مستشفى تعمل جزئيا من أصل 36 مستشفى في غزة"، مشيراً إلى سقوط 153 موظفا دوليا من العاملين في المنظمات الإنسانية في غزة وهي أكبر كارثة تتعرض لها المنظمة الدولية.
وتحدث الأمين العام عن عدم كفاية المساعدات التي تدخل غزة، وعن ضرورة دخول السلع والبضائع التجارية للقطاع، وعن الحاجة الماسة لدخول المزيد من المساعدات من أكثر من نقطة عبور إلى غزة، للحد من الازدحام وتجنب نقاط الاختناق، وشدد على ضرورة استئناف تقديم المساعدات إلى غزة عبر ميناء أسدود، كما شدد على ضرورة تقديم المساعدات إلى مناطق شمال غزة، مشيراً إلى رفض "إسرائيل" أكثر من 76 في المئة من طلبات الأمم المتحدة بإدخال الإمدادات المنقذة للحياة.
ولفت غوتيريش إلى الوضع في الضفة الغربية المحتلة وزيادة هجمات المستوطنين وزيادة وتيرة الاعتقالات وزيادة عدد الضحايا بشكل يومي إضافة إلى زيادة هدم المباني ومصادرة الأراضي والمباني المملوكة من الفلسطينيين.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من جهته أوضح أن مجلس الأمن لم يوفر بعد استجابة كافية لإنهاء الصراع واتخاذ خطوات لمنع مزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بسبب موقف الولايات المتحدة، التي تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد قرارات وقف إطلاق النار، الأمر الذي يمنح تفويضا مطلقا لمواصلة العقاب الجماعي للفلسطينيين.
وتحدث لافروف عن المخاوف بشأن التهجير الجماعي للفلسطينيين، والتأثير البيئي للقصف الإسرائيلي على غزة، والنقص الخطير في وصول المساعدات الإنسانية في ظل مخاطر عالية من انتشار الأوبئة، مشيراً إلى أن روسيا أرسلت مئات الأطنان من المساعدات إلى القطاع وتدعم جهود وكالات الأمم المتحدة على الأرض، ومبيناً أن عجز المجلس عن التحرك يعني تمدد الصراع في المنطقة، ما يجلب مخاطر جديدة على الأمن الدولي، بما فيها “الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على اليمن والضربات الإسرائيلية على سوريا”.
وشدد لافروف على ضرورة أن يواصل المجلس الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وعلى أن الفلسطينيين ينبغي أن يقرروا مستقبلهم بأنفسهم، مضيفاً “أعتقد أن هذا ما يسميه زملاؤنا الغربيون بالديمقراطية”، ومشيراً إلى أنه في كل مرة تتخذ فيها الولايات المتحدة إجراء أحاديا في الشرق الأوسط، فإن مفاوضاتها “المكوكية” المنفصلة تنتهي “بتصعيد أكثر دموية من أي وقت مضى”.
أما نائبة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، عزرا زيا، فقد أكدت رفض بلادها للدعوات المطالبة بنقل الفلسطينيين خارج غزة واللغة اللاإنسانية التي يستخدمها بعض المسؤولين من كل أطراف الصراع، مشيرة إلى أنه يجب السماح للمدنيين الفلسطينيين بالعودة طوعا وبأمان إلى ديارهم وبكرامة بمجرد أن تسمح الظروف بذلك، وأن حكومتها تواصل حث القادة الإسرائيليين على بذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين في غزة، واتخاذ الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني.
وأوضحت المسؤولة الأمريكية أن بلادها تسعى إلى حل دبلوماسي على طول الخط الأزرق الذي يسمح للمدنيين في "إسرائيل" ولبنان بالعودة إلى منازلهم، داعية إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006 بين "إسرائيل" وحزب الله، ومجددة موقف بلادها الداعم لحل الدولتين باعتباره الحل الوحيد لإنهاء العنف.
وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، أكد من جهته دعم بلاده "حلّ الدولتين"، مخاطباً الإسرائيليين بالقول: لا تخفى عليكم صداقة الشعب الفرنسي، ولكن ينبغي إنشاء دولة للفلسطينيين، ووقف العنف ضد الشعب الفلسطيني وتطرف المستوطنين، والعودة للقانون الدولي"، كما توجه للفلسطينيين بالقول: "تعرفون التزام فرنسا بإقامة دولة فلسطينية، ولكننا سنواصل مكافحة الإرهاب بكل عزيمة وإصرار... ما من شك في حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهاب والعيش في سلام وأمن".
وشدد سيجورنيه على ضرورة وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل كاف، وضرورة "إعادة إطلاق عملية السلام... وحل دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، على أساس خطوط الرابع من يونيو/ حزيران لعام 1967".
أما وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، فقد أكد أن ما يحدث في غزة اليوم يعيد إلى الواجهة أكثر من أي وقت مضى حتمية الإسراع في معالجة جوهر هذا الصراع عبر تجديد وتفعيل التزامنا الجماعي بحل الدولتين الذي التفت حوله المجموعة الدولية كحل عادل ودائم ونهائي، مضيفاً إن بلاده تجدد مطلب عقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة، يتم في إطاره الاتفاق على إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بصفة نهائية عبر الاحتكام لقرارات الشرعية الدولية وتفعيل حل الدولتين، تحت الرقابة الصارمة والمتابعة اللصيقة والضمانة الوثيقة للمجتمع الدولي.
وأشار عطاف إلى أن بعد غزة لا يمكن العودة إلى ما قبل غزة، وبعد غزة لا يمكن إعادة القضية الفلسطينية إلى الأدراج لتبقى حبيسة فيها لأجل آخر غير مسمى، ولا يمكن أن نترك هدف السلم والأمن في الشرق الأوسط رهينة للاحتلال الإسرائيلي يتصرف فيه كيفما شاء، مؤكداً أن الأولوية القصوى هي لوقف إطلاق النار الذي لا يمر يوم إلا وزاد الرفض والاستياء تجاه المماطلة بشأنه وتجاه المبررات الهشة لعدم إيلائه العناية التي يستحقها وقال إنه لا توجد في الوقت الراهن أهداف تعلو فوق هدف وقف العدوان والإبادة والتشريد والتهجير والتجويع والتدمير والتخريب والتدنيس.
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أكد من جهته أنه لا يمكن أن يستمر الاحتلال والعنف والحرب في ملازمة منطقتنا، وأن السلام هو الضمان الوحيد لأمن وسلامة "إسرائيل" والفلسطينيين والمنطقة برمتها، وأن الحلول الجزئية لن تحقق ذلك السلام.
وقال الصفدي: إن الحديث عن توجهات محدودة من شأنها أن تجعل غزة خارج الحل الشامل الذي سينهي أيضا الاحتلال في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة، ببساطة لن ينجح، وإنه لا يمكن أن يقال لسكان غزة إن عليهم أن يتحملوا مرة أخرى العيش في السجن المفتوح الذي صنعته "إسرائيل" في غزة لعقود من الزمن.
وقال الصفدي: “إننا نواجه لحظة الحقيقة الحاسمة، إذ يتعين على المجتمع الدولي برمته اتخاذ خيار عاجل، وهو إما السماح للحكومة الإسرائيلية بالحكم على المنطقة بمزيد من الصراع، أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووضع منطقتنا على طريق لا رجعة فيه نحو السلام.
ومن جهته وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قال: إن "إسرائيل" تقصف غزة بشكل عشوائي "لم يشهد العالم مثله منذ الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى الحصار والتشريد القسري على نطاق لم يشهده العالم في تاريخه الحديث"، معتبراً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "لا يحركه سوى هدف واحد هو نجاحه السياسي وبقاؤه في الحكم... على حساب ملايين الفلسطينيين"، مشيراً إلى أن الكثير من القيادات الإسرائيلية تنكر حقوق الفلسطينيين ولا تعتبرها واقعاً سياسياً للتعايش معه، بل "خطر ديمغرافي يحتاج إلى إزالة من خلال القتل أو التهجير أو الإخضاع... هذه هي الخيارات المتاحة، الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو نظام الفصل العنصري".
ولفت المالكي إلى وجود مسارين أمام المجتمع الدولي، الأول "يبدأ بالحرية للفلسطينيين، ويؤدي إلى سلام وأمن مشترك للمنطقة، ومسار ثانٍ يحرم من هذه الحرية، ويكتب على منطقتنا المزيد من سفك الدماء والنزاع"، مشيراً إلى إن العالم العربي اختار المسار الأول، في حين يتباهى نتنياهو بمنعه تأسيس دولة فلسطينية، ومشدداً على ضرورة قبول فلسطين بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، وليس فقط كدولة مراقبة.