وبالتزامن مع الهجمات الصاروخية على مقرات الموساد والتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا، شن الحرس الثوري الإسلامي هجوما ثالثا على الجماعات الإرهابية في الحدود الشرقية لإيران، وأفادت التقارير بأنه تم استهداف مقرين مهمين لجماعة جيش العدل الإرهابية في باكستان يوم الثلاثاء، ويقال إن هذه المقرات تعرضت للقصف والتدمير بالصواريخ والطائرات دون طيار.
والمنطقة المستهدفة هي منطقة تسمى "كوه سبز" في مقاطعة بلوشستان الباكستانية، حيث يقع أحد أكبر مقرات جماعة جيش العدل. وأكدت جماعة جيش العدل الإرهابية، في بيان لها، الهجوم على مراكز انتشار عناصرها في المناطق الحدودية، وأعلنت عن سقوط ست طائرات مسيرة وعدد من الصواريخ على تلك المراكز.
ونُفذت الهجمات الصاروخية على مقر جيش العدل بعد أن هاجم مسلحون مركزًا للشرطة في مدينة راسك بمحافظة سيستان وبلوشستان الأسبوع الماضي، ما أسفر عن مقتل ضابط واحد على الأقل من حرس الحدود الإيراني، وأعلنت جماعة "جيش العدل" مسؤوليتها عن هذا الهجوم، وفي 24 ديسمبر/كانون الأول، هاجمت هذه المجموعة الإرهابية مركزا آخر للشرطة في راسك، ما أسفر عن مقتل 11 من حرس الحدود وإصابة 6 أشخاص، ولذلك، فإن الهجمات الصاروخية التي شنها الحرس الثوري الإيراني على مقرات هذه المجموعة الإرهابية، بالإضافة إلى الانتقام لدماء الشهداء، كانت بمثابة تحذير لهم من أن أي عمل ضد سلامة أراضي إيران سيقابل برد فعل قوي.
وبالنظر إلى أن هذا الهجوم الصاروخي تم تنفيذه في الأراضي الباكستانية، فقد ردت عليه سلطات إسلام آباد، وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في هذا البلد للاحتجاج على هذا الإجراء، وقالت إسلام آباد أيضًا إنها أبلغت وزارة الخارجية الإيرانية من خلال كبار مسؤوليها الدبلوماسيين في طهران بسحب السفير الباكستاني من طهران، غير أن باكستان أضافت في بيانها إن الإرهاب يشكل تهديدا مشتركا لجميع دول المنطقة، الأمر الذي يتطلب عملا منسقا.
مركز نشاط جيش العدل
جماعة جيش العدل الإرهابية هي جماعة مسلحة في مقاطعة بلوشستان الباكستانية، التي تشارك في صراع مسلح مع الجمهورية الإسلامية، وتعترف إيران والولايات المتحدة واليابان ونيوزيلندا بهذه المجموعة كمجموعة إرهابية مسؤولة عن العديد من الهجمات وعمليات الاختطاف ضد العسكريين والمدنيين الإيرانيين.
وبعد القضاء على جند الله بدأت جماعة جيش العدل الإرهابية تعمل وتعلن عن وجودها من خلال تنظيم التنظيم وبعض أعضائه، ويعتبر صلاح الدين فاروقي زعيم هذه الجماعة.
وتعد هذه المجموعة الإرهابية من الداعمين للجبهة الإرهابية في سوريا، وقد أعلنت دعمها لمعارضي الحكومة السورية كأحد أسباب تحركاتها ضد إيران، وأيضًا، بحجة الدفاع عن حقوق سنة بلوشستان في إيران، تتبع هذه المجموعة في الواقع خط الحرب مع القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية وخلق انقسامات دينية في بلوشستان.
ونفذت هذه الجماعة الإرهابية في السنوات الأخيرة هجمات على حرس الحدود الإيراني وجعلت الحدود الشرقية غير آمنة من خلال قتل واختطاف عدد من الجنود والضباط الإيرانيين، ومن أهم جرائم هذه الجماعة ما حدث في أكتوبر 2013، وأسفر عن استشهاد 14 من حرس الحدود الإيراني في مدينة سراوان.
ولا تتمتع الحكومة المركزية الباكستانية بالسيطرة الكاملة على منطقة "كوه سبز" الجبلية التي يعمل فيها هؤلاء الإرهابيون، وبالتالي تستغل الجماعات الإرهابية الفراغ الموجود لإنشاء قواعد تدريب وإمدادات وتصنيع معدات إرهابية.
ورغم أن باكستان تتعرض للتهديدات الإرهابية أكثر من الدول الأخرى في المنطقة، إلا أنها فشلت في القضاء على تهديدات هذه الجماعات، ومن حين لآخر ينفذ الإرهابيون المتمركزون في باكستان هجمات ضد قوات الأمن والمدنيين، وقد طلبت إيران مرارا وتكرارا من جارتها الشرقية السيطرة على هجمات جيش العدل على الأراضي الإيرانية، ولكن حتى الآن لم تكن هناك نتيجة، حتى أن قائد حرس الحدود في الجمهورية الإسلامية حذر مؤخرا باكستان وطلب من إسلام آباد القيام بواجباتها في منع الإرهابيين من استخدام الأراضي، وقال: "يجب على هذا البلد أن يتحرك لمهاجمة أمن المدن الحدودية الإيرانية، وإلا فإن إيران نفسها ستعمل على تدمير الإرهابيين".
التعاون الأمني بين طهران وإسلام آباد
إن مصالح إيران وباكستان في التعامل مع الجماعات الإرهابية على الحدود المشتركة وأيضا على المستوى الإقليمي بها الكثير من التداخل، وهذا ما جعل التعاون الثنائي لمواجهة عوامل الانفلات الأمني في المنطقة ومنع انتشار الإرهاب أمرا حتميا.
وفي السنوات الأخيرة، أعربت سلطات البلدين المتجاورين مرارا وتكرارا عن موافقتها على التعامل مع التهديدات الإرهابية القادمة من حدود باكستان وأفغانستان، ووقعت إيران وباكستان اتفاقية تعاون أمني عام 2013، تضمنت تبادل المعلومات ومكافحة تهريب المخدرات ومنع الإرهاب ومكافحة الجماعات الإرهابية من بين البنود المهمة في هذه الاتفاقية.
واستمرارًا لهذا التعاون الأمني، في أكتوبر 2021، سافر اللواء علي باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، إلى إسلام آباد وناقش مع المسؤولين الأمنيين الباكستانيين القضايا الإقليمية والتهديدات الأمنية على حدود البلدين.
وفي أغسطس/آب الماضي، أعلن الجانبان، في اجتماع وزيري خارجية إيران وباكستان، عزمهما على الابتعاد عن أمن الحدود وتحويل الحدود إلى حدود تجارية واقتصادية، وفي محادثة هاتفية مع نظيره الإيراني يوم 27 كانون الأول/ديسمبر، أدان وزير الخارجية الباكستاني بشدة الهجوم الإرهابي الذي وقع في "راسك" بمحافظة سيستان وبلوشستان وأكد التزام إسلام آباد بالتعاون مع إيران في الحرب ضد الإرهاب، وخلال زيارة عمران خان، رئيس وزراء باكستان السابق، إلى طهران في مايو 2018، اتفق الجانبان على إزالة التهديدات المشتركة على الحدود، وقال عمران خان إن حدود البلدين يجب أن تكون حدود السلام والصداقة.
على الرغم من أن حكومة إسلام آباد تبنت موقف المُدين والشاجب للعملية الإيرانية الأخيرة لمكافحة الإرهاب في هذا البلد، إلا أن هذا الحدث لم يؤثر على عقد اجتماع بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ورئيس الوزراء الباكستاني المؤقت أنور الحق على الهامش، حيث ينبغي للجانبين التركيز على مسألة تعزيز العلاقات الثنائية ورفع مستوى التعاون الاقتصادي والأمني.
في الأدبيات التنموية، يعتبر أمن البنية التحتية التنمية الاقتصادية الأولية والرئيسية، وعليه، إذا كانت حدود إيران وباكستان مستقرة وآمنة، فيمكن للجانبين تطوير مستوى العلاقات التجارية، ما سيساعد على نمو وازدهار المحافظات الحدودية.
أحد الإجراءات الاقتصادية التي كانت محور اهتمام السلطات في طهران وإسلام آباد في السنوات الأخيرة هو تطوير الأسواق الحدودية، وهو ما تم التأكيد عليه في اجتماع أمير عبد اللهيان مع رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت، ويمكن إنشاء هذه الأسواق المحلية عندما تختفي تهديدات الجماعات الإرهابية على حدود البلدين.
وفي سيستان وبلوشستان تنشط بعض الجماعات الساخطة وتزعم دائماً أنها لا تسير على أي طريق مباشر وأن الحل الوحيد يتلخص في حمل السلاح وقتل مواطنيها، وسوف يتم القضاء على الجماعات الإرهابية أيضاً.
يعد انعدام الأمن في دولتي باكستان وأفغانستان أكبر عائق أمام النمو الاقتصادي والازدهار لهذه الدول، ولم تسلم الحدود الشرقية لإيران من هذه التهديدات، لذا يجب على قادة باكستان إيلاء اهتمام خاص للتعامل مع الجماعات الإرهابية على الحدود المشتركة من أجل إرساء الاستقرار والأمن، ولنشهد الازدهار التجاري بين دول المنطقة، وبالإضافة إلى التعاون الثنائي، تستطيع إيران وباكستان تعزيز مستوى العلاقات الأمنية في إطار المنظمات الإقليمية مثل شنغهاي ومنظمة التعاون الاقتصادي.
ويعتبر الإرهاب هو الخيط المشترك للتهديدات الأمنية ضد إيران وباكستان، فقد وقع العديد من المدنيين والقوات الأمنية من البلدين ضحايا لجرائم الجماعات الإرهابية، وطالما أن هذه الجماعات تتنفس في حدود البلدين، فإن تحقيق الأمن والسلام والتقدم سيكون حلما بعيد المنال.